الوقف يعد أحد الأعمال الخيرية التي ينتفع منها المسلم في حياته وبعد مماته، وهو من الأعمال الصالحة التي لا ينقطع أجرها ولو بعد الوفاة لما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) فهو من الصدقة الجارية. وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على الوقف قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه: (لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف)، والوقف في الشرع: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة. ويصرف ريعه في مجال من مجالات البر تقرباً لله تعالى، فعلى من أغناهم الله من فضله أن يخصصوا شيئاً من أموالهم وقفاً على أحد المشاريع الخيرية كبناء المساجد، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، وطباعة المصاحف، والكتب العلمية النافعة والأجهزة الطبية، وتوزيع المواد الغذائية على الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام وأسر السجناء فبإذن الله تعالى سينتفع من هذا الوقف فئات كثيرة من المسلمين، وينال صاحبه الأجر والمثوبة، مع الدعاء من أولئك المستفيدين منه. وتزداد أهمية الوقف في قيام صاحبه بالإشراف عليه في حياته، وتقر عينه برؤية ثمار وقفه يجنيها المحتاجون، وينتفع منها المعاقون. وهو خير من الوصية بجزء من المال بعد الوفاة، فقد يقع نزاع بين أبنائه وقد تُنفذ سنة ثم تتوقف، أما الوقف فهو منهل خيري يُنتفع منه في كل حين ولاسيما إذا تعلق بحياة الناس اليومية كالتبرع بالمياه، فإن أعظم الصدقة سقيا الماء، ولما تبرع عثمان بن عفان رضي الله عنه ببئر رومة بشره الرسول صلى الله عليه وسلم بخير منها في الجنة فقال: (وله بها مشرب في الجنة). وذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) في حوادث سنة 216ه أن زُبيدة بنت جعفر زوج هارون الرشيد، لما ماتت رآها عبدالله بن المبارك في المنام وهو يقول لها: ما فعل الله بك؟ قالت: (غفر لي في أول مِغوَلٍ ضُرب في طريق مكة) وهي تشير بذلك لحفر عين زُبيدة، وسقاية الحجاج منها. فهذه نماذج لعناية الخلفاء، وزوجاتهم بالأوقاف الخيرية. وامتداداً لعناية ولاة أمرنا - وفقهم الله - بالأوقاف والأعمال الخيرية يأتي وقف سمو الأمير عبدالله لوالديه - جعل الله ذلك في موازين أعماله الصالحة، وأعظم أجره وأجر والديه وغفر الله لهما بمنه وفضله. فهذه صورة رائعة من صور البر بالوالدين يجسدها سموه في هذا الوقف الخيري، إضافة لإسهاماته الكثيرة في المشاريع الخيرية أثابه الله تعالى. وهي من القربات النافعة التي يعظُم أجرها وثوابها عند الله تعالى: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته، علماً نشره، أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته). رواه ابن ماجة، وابن خزيمة في صحيحه. وأود أن أحث التجار ورجال الأعمال على أن يحرصوا على تخصيص أوقاف لهم ولوالديهم لينالوا ثوابها من الله تعالى في حياتهم وبعد مماتهم. وأنبه على أمر مهم يتعلق بقيام بعض المؤسسات الخيرية بالإعلان عن إنشاء وقف خيري ضخم بعشرات الملايين فلا تتمكن المؤسسة عن طريق التبرعات من إقامته لتكلفته المبالغ فيها، فحبذا الاقتصار على مشاريع صغيرة يسهل جمع تبرعاتها ويتم إنجازها في وقت قصير فيرى المحسنون ثمار تبرعاتهم، وتستفيد الجمعيات الخيرية من ريعها عاجلاً. وفق الله الجميع للمبادرة للخيرات وفعل الحسنات، إنه مجيب الدعوات.