تعجبت لدى قراءتي لما خطه د. سلمان العودة في الحلقة الثانية من مقاله عن (هذا البلد الأمين) الأحد 11-1-1426ه العدد 11833، فالظاهر أنه مهما أبعد في تحليلاته وتنظيراته المجتهدة دائماً يعود إلى نقطة البداية: مطالب موجهة إلى مجهول. إن الكارزمية والفصاحة في القول واستذكار النصوص قد تجذب المستمع أو القارئ، لكن المهم هو وضوح الرسالة وجديتها وايجابيتها. إن قيام دولة فتية في هذه البقعة المباركة ونجاحها في الاستقرار والبناء وتمكين أجيال متلاحقة من أبنائها لان يتعلموا ويقرؤوا عن ماضي أمتهم التليد فيتوقون الى عودة تلك الأيام بل ويستعجلون عودتها أو حتى العودة اليها إن أمكن.. وفي لحظة التدبر والتمعن التي يصل اليها كل من يتوقف ليلتقط انفاسه قد يرى حقيقة ما يجري، فقد يكون أمامه سراب عنيد يصر على استهوائه، أو أن يتصادف مدى نظره مع تضاريس تحطم السراب، فيعاود بحثه عن الحقيقة، ومحظوظون هم من اكتشفوا السراب قبل الهلاك. الحقيقة الناصعة هي أن الجري اللاهث وراء المشاريع الأممية التي تدعي اختصار الأزمان والمسافات ما هي الا سراب رأي المستعمر الاوروبي من يلهث وراءه فسوى التضاريس ملساء كما الزجاج لا يدرك زيف سرابه الا المتميزون حقا. وعشمي بأن د. سلمان متميز بدون شك وصادق مع نفسه والآخرين ان شاء الله, ومن هنا جاء بوحه بمأساة الزمن المفقود والمسافة التي تتزايد بعدا. إن المملكة العربية السعودية بحلوها ومرها هي أفضل مشروع أممي سواء عربياً أو اسلامياً تجود به المنطقة منذ قرون ومن الظلم أن لا يستطيع شخص واحد ادراك ذلك، كما أن استعجال نضج المشروع السعودي هو ايضا استعجال زواله، فالمتربصون كثر والأعداء كثر أيضا، لكن ليس أخطر على أي مشروع من ظلم أهله المكلفين ببنائه. نحن يا د. سلمان معنيون بايجابيات مشروعنا مثلما اننا مسئولون عن سلبياته، لكن الأعداء والمتربصين لا يعنيهم الا السلبيات فقط، وهذا يكفي لأن لا نلتفت اليهم أو مشاريعهم التي تتخذ من الأممية الرومانطيقية الجذابة أساسا ومنطلقا لها، وأن نمضي معا في بناء بلدنا حتى تبلغ أشدها ان شاء الله. وفقك الله ونفع بك ومنك، وكما تقول أمثال الأمم (أن يأتي الخير متأخرا أفضل من أن لا يأتي أبدا). والله من وراء القصد.