اجتذب سوق الأسهم السعودي عدداً كبيراً من المتعاملين وخصوصاً خلال العامين الماضيين حيث يقدر عدد المستثمرين في السوق بنحو مليون مساهم فيما بلغ إجمالي قيمة التعاملات خلال عامي 2003 و 2004م نحو 2.370 بليون ريال سعودي إلا أن الملاحظ أن 22% من قيمة التعاملات توجهت نحو ما يعرف بأسهم المضاربة، وقد أنشأ مركز بخيت مؤشراً خاصاً هو (مؤشر مركز بخيت لأسهم المضاربة 20) لمتابعة 20 سهماً مضاربة والتي تشكل نحو 1.1% فقط من إجمالي حجم سوق الأسهم السعودي. ُتُعرَّف أسهم المضاربة بأنها أسهم شركات صغيرة الحجم ومؤشراتها المالية ضعيفة وأسعار أسهمها عادة لا تتجاوز 100 ريال مما يسهل التلاعب بها. وتجذب أسهم المضاربة صغار المستثمرين حيث إن لديهم قناعة خاطئة بأن هذه الأسهم رخيصة قياساً على سعرها وليس على مؤشراتها المالية الواجب اعتمادها. وقد حققت أسعار أسهم المضاربة ارتفاعات حادة جداً منذ بداية عام 2003م وحتى نهاية شهر سبتمبر 2004م، بلغت نسبتها نحو 409% وهي نسبة لا تعكس الوضع المالي لهذه الشركات حيث إنها إما خاسرة أو تحقق أرباحاً طفيفة (انظر مكرر الربحية) وقد انضم لهذه القائمة أيضا سهم (السعودية للكهرباء) الذي ارتفع بنسبة 279% خلال الفترة ذاتها في ظل الثبات النسبي لأرباح الشركة ما بين عامي 2003م و2004م ولكن بخلاف أسهم المضاربة الصغيرة، فسهم شركة (الكهرباء) يعتبر من أسهم الشركات القيادية الكبرى ويمثل حجمه 7.2% من إجمالي حجم سوق الأسهم السعودي ولذلك فإن تأثيره على تذبذب المؤشر كبير. وقد كان السبب الأساس في اندفاع المضاربين إلى سهم (الكهرباء) هو توزيع الشركة لأرباح بقيمة 3.5 ريالات للسهم واعتقادهم بأن هذه القيمة تعتبر مرتفعة مقارنة بسعر السهم، ولربما لم ينتبهوا إلى أن الحكومة وأرامكو تمتلكان نحو 81% من أسهم الشركة وقد تنازلتا عن جميع أرباحهما للمساهمين الآخرين، كما أن نسبة الربح الموزع للشركة مقارنة بسعرها السوقي يبلغ 3.3% (على أساس الربح الموزع 3.5 ريالات والسعر الحالي 106.50 ريال وبالتالي فإن هناك أكثر من 25 شركة في سوق الأسهم السعودي توزع أكثر من 3.3% قياساً بأسعار أسهمها. كما أن الملفت للنظر هو أن المؤشر العام للأسهم السعودية ارتفع خلال الفترة من أول يناير 2003م وحتى نهاية سبتمبر 2004م بنسبة 162% فقط، مع العلم أن نمو أرباح الشركات الاستثمارية والتي تكون 86% من المؤشر العام للأسهم كان أكثر ارتفاعاً مقارنة بأسهم المضاربة. وبسبب الارتفاع الحاد وغير المنطقي استثمارياً لأسهم المضاربة والكهرباء كان لا بد من أن تكون هنالك عملية تصحيح لأسعار أسهمها وهذا ما حصل بالفعل منذ بداية أكتوبر 2004م وحتى 17 فبراير 2005م حيث انخفضت بنسبة 26% و31% على التوالي، وفي المقابل كان المؤشر العام للأسهم في ارتفاع شبه متواصل بنسبة بلغت 33% خلال الفترة ذاتها مما عكس فارقاً كبيراً في الأداء ما بين أسهم المضاربة والأسهم الاستثمارية قيمته 60% (64% بالنسبة لسهم الكهرباء) وهو ما يمكن وصفه ب (المقص) وقد أدى هذا الوضع إلى تعرض كثير من حملة اسهم هذه الشركات وخصوصاً صغار المستثمرين منهم إلى خسائر كبيرة على الرغم من الارتفاع الحاد للسوق. والسؤال الذي يتوجب إجابته هو من الطرف المستفيد من دفع المستثمرين للدخول في أسهم المضاربة هذه التي سببت لهم الخسائر؟ يمكن تحديد الأطراف ذات العلاقة في سوق الأسهم السعودي بستة أطراف رئيسية، وفيما يلي سنتعرف على مدى تأثير كل طرف على السوق.. الطرف الأول، الجهات الرسمية ونقصد بها هنا الجهات الحكومية المرتبطة بسوق الأسهم السعودي بشكل مباشر مثل وزارة المالية ممثلة بمؤسسة النقد، وزارة التجارة والصناعة، هيئة السوق المالية وتداول، كثيراً ما نسمع في حال هبوط السوق أن الجهات الحكومية هي المسؤول الأول عن خسائر السوق وان عليها وقف انخفاض السوق إلا انه في جميع أسواق الأسهم العالمية فإن الجهات الحكومية أو دعونا نسميها بالجهات الرقابية لا يمكن لها التدخل سواء في حالة ارتفاع السوق أو انخفاضه إذ إن مهمتها الرئيسية تكمن في سن القوانين والأنظمة ومراقبة السوق والمتعاملين والوسطاء بعدم تخطيهم للوائح والقوانين وعدم وجود تلاعب أو استخدام معلومات داخلية.. الخ.. إذاً فليس من عمل أي من هذه الجهات وقف هبوط أو رفع أي سهم إلا إذا وجد لديها أدنى شك بأن هناك تلاعباً أدى إلى تحرك غير طبيعي، هذا من جهة ومن جهة أخرى فهل صدر من أي من هذه الجهات أي نصيحة أو تلميح بشراء أسهم المضاربة؟ والجواب بالتأكيد لا. إذ لا يمكن لوم الجهات الرقابية عن الخسائر التي تعرض لها المتعاملون في سوق الأسهم السعودي وان كان لنا ملاحظة حول السماح للعديد من شركات المضاربة بزيادة رأسمالها مع أن وضعها المالي ضعيف ومثال على ذلك (السعودية للخدمات الصناعية) والتي زادت رأسمالها 3 مرات ما بين يونيو 2003م وأكتوبر 2004م عن طريق الاكتتاب ومع ذلك فقد تعرضت الشركة لخسائر تشغيلية في عام 2003م و 2004م بقيمة 4.0 و 10.2 مليون ريال على التوالي مواصلة بذلك خسائر 3 سنوات متتالية أي عام 2000م و 2001م و2002م بقيمة 1.1 و0.3 و1.5 مليون ريال على التوالي.. إذاً ما هو الأساس الاستثماري الذي بني عليه السماح لهذه الشركة بزيادة رأسمالها 3 مرات وخلال أقل من سنة ونصف! الأطراف ذات العلاقة في سوق الأسهم السعودي الجهات الرسمية البنوك والوسطاء المراكز الاستشارية وسائل الإعلام صالات تداول الأسهم منديات الأسهم مالكي الأسهم قرار بيع وشراء الأسهم الطرف الثاني، البنوك والوسطاء كما هو معلوم فإن عمل الوساطة (بيع وشراء الأسهم) في سوق الأسهم السعودي ينحصر حالياً في البنوك السعودية فقط ولدى موظفي هذه البنوك تعليمات واضحة يتبعونها بعدم إعطاء النصح بشراء أو بيع أي سهم، وبالتالي فلا يمكن أن تكون البنوك السعودية هي السبب لكن في المقابل لا بد من أن نشير إلى أن معظم البنوك لم تبذل الجهد المطلوب في مجال رفع الوعي الاستثماري للمتعاملين في السوق في مقابل رسوم الوساطة التي تحصل عليها وهو أمر متعارف عليه في أسواق الأسهم العالمية، إذ إن عدداً قليلاً من البنوك دعم عقد ندوات تثقيفية بالتعاون مع بعض الغرف التجارية والصحف بالإضافة إلى توزيعها بعض التقارير التحليلية عن السوق والشركات المدرجة فيه، ونأمل المزيد من ذلك. الطرف الثالث، المراكز الاستشارية وهي المراكز التي تقدم الاستشارات والتحليلات في سوق الأسهم السعودي والتي منها مركزنا، وقد قمنا في عدة مقالات وتحليلات بالتحذير من الارتفاع المبالغ فيه بشكل كبير لأسهم المضاربة وسهم الكهرباء، حيث تسبب هذا الارتفاع غير المنطقي استثمارياً فيما حصل لاحقاً من تصحيح، فجميع ارتفاعات أسهم المضاربة لم يعكسها أي تحسن يذكر في أرباح هذه الشركات بل إن مؤشراتها المالية تراجعت مما يعكس تلاعباً واضحاً بهذه الأسهم. وقد لاحظنا في الأيام السابقة أن عدداً محدوداً من أطراف ذات علاقة (مثل تعليق أحد أساتذة الجامعات والذي هو عضو في مجلس إحدى شركات المضاربة مع إحدى القنوات الفضائية، كما نشرت إحدى الصحف الاقتصادية مقالاً لأحد الكتاب وهو من مشرفي منتديات الأسهم على الإنترنت) يشيرون إلى المكاتب الاستشارية بعدم الحيادية وأنها تحور تحليلاتها لتتوافق مع ما تحتويه المحافظ التي يديرونها!. ونحن نتساءل في المقابل ما هو المطلوب في نظر هؤلاء الكتاب من المكاتب الاستشارية؟ هل الحيادية في نظرهم هي أن تغض الطرف عن أسعار أسهم تضاعفت عدة مرات خلال مدة زمنية قصيرة في حين أن جميع مؤشراتها المالية (نمو الأرباح، مكرر الربحية، الربح الموزع.. الخ) ضعيفة، أم هل يتوقعون من المكاتب الاستشارية أن تصرح أن هذه الأسهم جيدة للاستثمار على خلاف الحقيقة أو السكوت عنها! ثم هل لدى هؤلاء الكتاب أي تحليل استثماري يبرر ارتفاع هذه الأسهم، أم أن المصالح المباشرة لهؤلاء الكتاب هي التي تدفعهم إلى التصريح بهذه الآراء ولهم الحق فيها إذا كانت مبنية على أسس استثمارية، اعتقد أن الجواب بكل بساطة أن إعطاء الرأي يجب أن يكون مفتوحاً للجميع بما فيها مركز استشاراتنا المالية، وتبقى المساءلة والمصداقية هي أساس هذه التحاليل، وليس كما يعمل بعض المعلقين بمبدأ إذا لم يعجبك مضمون الرسالة فاهجم على حاملها. الطرف الرابع، وسائل الإعلام منذ عدة أشهر بدأ اهتمام وسائل الإعلام في سوق الأسهم السعودي بالتزايد، حيث لا تكاد تخلو جريدة من تحليل عن السوق أو عن إحدى الشركات، بل تعدى الأمر إلى القنوات الفضائية، وتخصيص فترات جيدة لمتابعة السوق، إلا أنه ولقلة المحللين ذوي الخبرة العميقة في السوق، فإنه وللأسف تظهر تحليلات البعض بصورة لا تعكس عمقاً استثمارياً، ويمكن وصف بعضهم بالمعلقين أكثر من كونهم محللين متخصصين، أو أنه لربما تكون لبعضهم مصالح مباشرة كما ذكرنا سابقا حيث إنهم أعضاء في مجالس إدارة بعض شركات المضاربة، أو إنهم من مالكي منتديات الأسهم على الإنترنت أو المشرفين فيها. كما طالعنا مؤخراً في إحدى الدوريات الإخبارية لشركة مساهمة مقالة لمدير شؤون المساهمين في الشركة مدافعاً عن سعر سهمها بعد هبوطه بحدة، ونعتقد أن كاتب المقال خلط بين الحديث عن أداء الشركة المالي وسعر السهم في السوق الذي يطرح علامات استفهام نظراً لمحاولته التأثير على سعر السهم مع وجود معلومات داخلية لديه، ولماذا لم يصرح برأيه عندما ارتفع سعر سهم شركته بأكثر من 400% خلال العامين الماضيين!. الطرف الخامس، صالات تداول الأسهم منذ عدة أشهر وصالات تداول الأسهم في البنوك مكتظة بالمتداولين الذين أصبحت الأسهم شغلهم الشاغل، حتى إن بعضهم قد لا يجد مقعداً يجلس عليه فيضطر للوقوف طيلة أوقات التداول. إلا أن الملفت للنظر هو ما يتناقله المتعاملون في هذه الصالات من معلومات تكون في معظمها خاطئة. كما أنها قد تتسم أحياناً ب(التبعية) أي أن بعض المتعاملين يتبعون ما يفعله (كبار) الموجودين في الصالة حيث إنهم بنظرهم أكثر العارفين بالسوق. وفي الواقع فإن هذه العملية غير صحية وتنطوي على قدر كبير من المخاطرة نظراً لإمكانية حصول تلاعب وتغرير من بعض المنتفعين. ويلاحظ أن معظم ما يتناقله مرتادو صالات الأسهم يكون مصدره الشائعات المتناقلة عبر منتديات الأسهم على الإنترنت. الطرف السادس، منتديات الأسهم على الإنترنت برزت منذ أكثر من سنتين منتديات مختصة بسوق الأسهم السعودي لتغطية النقص في التحاليل الاستثمارية عن السوق، وقد أملنا بأن تقوم هذه المنتديات بسد فجوة كبيرة في تثقيف المستثمر، إلا أنه وللأسف فقد كانت سيئات هذه المنتديات أكثر بكثير من حسناتها، وباتت تشكل خطراً على صحة المستثمرين في سوق الأسهم السعودي واستغلال هذه المنتديات لتضليلهم وتحقيق مطامع مباشرة للبعض. إن أي متصفح لمنتديات الأسهم السعودية على الإنترنت والتي لا تقل عن 10 منتديات بينما يرتادها عشرات الآلاف، يجد فيها الكم الهائل من التشجيع والنصح للشراء في أسهم المضاربة والتحليلات البعيدة كل البعد عن أسس الاستثمار في الأسهم، بل وصل الأمر ببعض المشرفين فيها والذي يظهر على عدد من وسائل الإعلام إلى حد التصريح بأن أسعار بعض الأسهم سترتفع بحدة وأنها هي (الحصان الرابح) مع العلم بأن المؤشرات المالية لهذه الأسهم ضعيفة جداً أو خاسرة، مما تسبب في التغرير بالمستثمرين ورفع أسعار أسهم المضاربة إلى مستويات عالية جداً، وكانت النتيجة تكبيدهم الخسائر الجسيمة خلال الأشهر الماضية. ولعل في القصة التالية مثالاً لما يحدث في منتديات الأسهم السعودية، وهي قصة حقيقية نشرتها وسائل الإعلام الأمريكية. منتديات الإنترنت وحيل (الإغراق) سي إن إن، واشنطن، 21 سبتمبر 2000 - واشنطن استطاع صبي في الخامسة عشرة من عمره يدعى (جوناثان ليبيد) أن يربح 285 ألف دولار أمريكي في الأسهم الأمريكية خلال أقل من 6 أشهر باستخدام حيلة (الإغراق) (Pump & Dump) في 11 عملية. وتقول المصادر الرسمية إن الصبي بعد شرائه للأسهم كتب مئات التوصيات المضللة في منتديات الأسهم بأسماء مستعارة للتشجيع على شراء هذه الأسهم، مما دفع العديد من المتعاملين في الأسهم والذين لديهم وعي استثماري ضعيف برفع الطلب على هذه الأسهم وبالتالي ارتفعت أسعارها بحدة. وعلى سبيل المثال فقد ارتفع سعر أحد الأسهم التي اشتراها من دولارين إلى 20 دولاراً أي بارتفاع نسبته 1000% وفي وقت وجيز. لكن السلطات الرسمية فتحت تحقيقاً بشأن هذه الصفقات، وقد تم تغريم الصبي كامل أرباحه التي حققها من هذا التلاعب!. إذاً يبدو لنا أن منتديات الأسهم على الإنترنت هي السبب الرئيسي في خسائر صغار المستثمرين وبدا من الواضح أن الضرر الحاصل من هذه المنتديات يمثل أضعاف الفائدة المرجوة منها. وهذه دعوة مفتوحة إلى كل من تكبد الخسائر في أسهم المضاربة نتيجة للنصائح اليومية من خلال متابعة هذه المنتديات إلى إعادة النظر في اختياره للأسهم، واعتماده في اختيار الأسهم على الدراسات والتحليلات الاستثمارية الصحيحة، فإذا لم يكن لديه القدرة فننصحه بالدخول في صناديق الاستثمار لدى البنوك السعودية تجنباً للخسائر حيث يلاحظ ارتفاع معظم أسعار هذه الصناديق بنسبة أفضل من المؤشر العام خلال الأشهر الأربعة الماضية وهي الفترة التي تراجعت فيها أسهم المضاربة بحدة، كما ندعو الجهات الرسمية المسؤولة إلى وضع ضوابط تنظيمية لهذه المنتديات، بحيث تنظم عملها والتأكد من شفافية ومصداقية الآراء والنصائح التي تطرح فيها، وبالتالي معاقبة المتلاعبين ومروجي الشائعات. وأخيراً ندعو الكتَّاب في منتديات الأسهم على الإنترنت بتغيير أسلوبهم في الترويج لبعض الأسهم الضعيفة وعدم التلاعب والتأثير على قرارات المستثمرين وبشفافية أكثر كالتصريح عن أسمائهم الحقيقية وطبيعة عملهم وممتلكاتهم من أسهم (التوصيات) التي ينشرونها على سبيل المثال لا الحصر. ونحن ندعو هنا إلى المساءلة وتطبيق الأنظمة على الجميع. مركز بخيت للاستشارات المالية