مضى عامنا الهجري الخامس والعشرون وأربعمائة وألف، مضى بما حوى بين جنباته من أفراح وأتراح وآلام وآمال. فكم سعد فيه من أناس، وكم شقي فيه من آخرين، كم من دمعات انحدرت فرحاً باللقاء، وكم من عبرات سكبت من لوعة الفراق. مرت سنون بالوئام وبالهناء فكأننا وكأنها أيام ثم أعقبت أيام سوء بعدها فكأننا وكأنها أعوام لقد انصرم هذا العام من أعمارنا.. انصرم بأيامه ولياليه، انصرم بساعاته، انصرم بدقائقه وثوانيه، انصرم هذا العام وكل لحظة منه تباعدنا عن الدنيا وتقربنا من الآخرة: نسير إلى الآجال في كل لحظة وأعمارنا تطوى وهن مراحل ترحل من الدنيا بزاد من التقى فعمرك أيام وهن قلائل وما هذه الأيام إلا مراحل يحث بها حاد إلى الموت قاصد وأعجب شيء لو تأملت أنها منازل تطوى والمسافر قاعد قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون. قال الفضيل: أتعرف تفسير قول: إنا لله وإنا إليه راجعون!!؟ فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسؤول، فليعد للسؤال جوابا. فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة. قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أخذت بما مضى، وما بقي والأعمال بالخواتيم. وقال علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه-: (ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منها بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل) أخرجه البخاري. فالذي ينبغي للمسلم أن يحاسب نفسه ماذا قدم لها في ما مضى من عمره: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)، قال ابن كثير- رحمه الله-: (أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم). فآه ثم آه.. كيف يفرح العاقل بقطع الليالي والأيام؟؟ دون اعتبار ولاحساب لما كان فيها وما يكون بعدها فإن اللبيب من اتعظ بأمسه، واجتهد في يومه، واستعد لغده. اللهم اخلف علينا عامنا المنصرم بأعوام مليئة بالخيرات، ومعمورة بالطاعات، إنك سميع مجيب الدعوات. [email protected]