إن في مرور الأيام دروسا وعبرا، وفي تعاقب الليالي تأملات لمن تدبر؛ فكل لحظة من الموت تدني، وكل ساعة من الأجل تقرب وتنادي: أزف الرحيل وقرب التحويل؛ فمن الناس من تقربه من ربه كل لحظة، وترفع درجاته كل دقيقة بل كل ثانية، ومن الناس من تمر عليه الليالي والأيام بل الشهور والأعوام وهو إن لم يكن في تأخر فهو في تقهقر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله”. فالعاقل من يغتنم كل لحظة في الحياة ليقدم إلى تلكم الدار التي سوف يستقر فيها عمّا قريب ولكن سوف يخلد، والعاجز والمغبون من ضيع لحظات عمره فيما لا طائل من ورائه فتمر عليه لحظات عمره وكأن شيئا لم يكن إنما هي أكل وشرب ونكاح ولا غير، وهذه حياة البهائم، لكن المؤمن الحصيف يسابق إلى ربه سبحانه في كل ساعة؛ ولذا نجد الكثير من الناس مات وهو صغير لكنه قد ملأ سمع الدنيا وبصرها بإنجازاته وخيراته ونفعه وعمله، ومن الناس من يعمر طويلا لكن هو على الدنيا لا لها. قد هيؤوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل قال الفضيل بن عياض رحمه الله لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون. قال الفضيل: أتعرف تفسيره؟ تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسؤول، فليعد للسؤال جوابا، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة. قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخذت بما مضى وما بقي والأعمال بالخواتيم. قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل. إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا فإنما الربح والخسران في العمل