عملية بسيطة وضرورية لا يتقنها إلا الفلاحون المهرة، وهي إحدى أهم المراحل السبع التي تمر بها النخلة وصولاً إلى التمور الناضجة الطيبة، و(شواطئ الجزيرة) تكشف بعض أسرارها مع بدء موسم هذا العام الذي بدأ منذ الثلث الأخير من شهر ذي الحجة الماضي في عددٍ من مناطق ومحافظات مملكتنا الحبيبة معلنة بداية موسم جديد لبداية طلع النخيل بعد صرامها (جذاذ ثمارها) في الموسم الماضي حيث يفصل بين الموسمين قرابة الأربعة أشهر كما أرّخه أصحاب النخيل لأنفسهم منذ الأزل بقولهم: (أربعين جريح وأربعين تستريح وأربعين يشاف فيها المليح) ويعنون بذلك أن النخلة بعد صرام (جذاذ) محصولها من الثمار تبقى 40 يوماً متأثرة بقطع ثمارها و40 يوماً أخرى تستريح فيها من عناء موسم كامل وفي الأربعين يوماً التالية تظهر وتشاهد فيها طوالع ثمار الموسم الجديد، وتتميز النخيل عن غيرها من كافة أشجار الفاكهة في العالم كونها ثنائية المسكن حيث الشجرة الأنثى (حاملة التمر) مستقلة عن الشجرة الذكرية (فحل النخل) لذا لا يتم التلقيح والإخصاب إلا بنقل لقاح الفحل إلى طلع الأنثى ويتم ذلك بعدة طرق فمنها ما يتم عن طريق الرياح أوالحشرات كما هو معروف علمياً إلا أنها طريقة غير مضمونة ونادراً ما تتحقق الفائدة من هذه الطريقة ومنها ما يتم عن طريق نقل اللقاح عن طريق الفلاحين إلى طوالع النخيل حيث يتم تلقيح طوالع ثمار النخيل على فترات متفاوتة فكلما خرج عنق أحد الطوالع ثم أفلق (انفتح) لزم الفلاح بوضع اللقاح في ذلك الطلع وتتكرر هذه العملية مع كل طلعٍ جديدٍ حتى تكمل النخلة كافة حملها (طوالعها) وقد تستمر هذه العملية قرابة الشهر يعلن فيها الفلاحون حالة الاستنفار القصوى لمتابعة تلقيح نخيلهم حتى لا تفسد ثمارها عند النضج وهي الفترة الحالية التي يعيشها مزارعو النخيل في المملكة هذه الأيام، حيث يقوم المزارعون بتوفير العمالة اللازمة لتلقيح نخيلهم بعد أن اكتفى كثيرٌ منهم بعملية الإشراف على تلك العمالة التي حرص الكثير من المزارعين على تدريبهم بأنفسهم ومتابعتهم أثناء عملية تلقيح نخيلهم في الوقت المناسب وتوفير اللقاح الجيد الذي يحتوي على طحين (بودرة) اللقاح ذات الرائحة المميزة والزكية والتي بها يتم الازهار الانثوية في ثمار النخيل. وتختلف النخيل حسب أنواعها وأصنافها في الكميات التي تحتاجها من اللقاح وزمن تلقيحها فمن النخيل ما يحتاج إلى كميات عالية من اللقاح فور انفلاقها، ومن ذلك نخيل (الخش خاش) ومنها ما يحتاج إلى كميات متوسطة خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة أيام من انفلاقها مثل نخيل السري وخلاص الحساء والشيشي والشبيبي وعند التأخير عن تلك الأيام قد تفسد ثمارها وهو ما يسمى (بالشيص) وهو انقسام الثمرة عند نضجها إلى ثلاثة أو أربعة أقسام مثلثة الشكل مدببة الرأس وهو خلاف الثمر الجيد ومن النخيل ما يفضل المزارعون تركه دون لقاح لعدة أيام ولا يؤثر ذلك عليه ومن ثم تلقيحه بكميات قليلة ومن ذلك الخلاص والمقفزي والصفري ولعل سر تأخير لقاحها هو أن ذلك يعطي ثماراً كبيرة الحجم عند النضج، وقد يلجأ المزارعون أيضاً إلى قص (جذاذ) الثلث الأعلى من الطلع (العذق) وبعض من جزئه الأوسط للحصول على تمور جيدة وكبيرة وذات قيمة غذائية ممتازة عند نضجها ولكن لا يلجأ المزارعون إلى ذلك إلا مع بعض أنواع النخيل دون الأخرى وكما أن زيادة نقص اللقاح قد يفسد الثمار فإن زيادته أيضاً عن الحد المعقول قد تفسده أيضاً. وتنتج فحول النخيل التي تبدو أكبر حجماً من بقية النخيل الأخرى قرابة 25 كوزاً في المتوسط ويوجد في أغلب المزارع أكثر من فحل ضماناً لتوفّر اللقاح في وقت حاجته في موسم لقاح النخيل، وفي وادي الدواسر يتبادل المزارعون أكواز اللقاح ويتهادونها فيما بينهم كل حسب حاجته وعدد نخيل مزرعته ويندر بيعه في الأسواق سوى ما قد يقوم به بعض العمالة الوافدة والجاهلة بعادات وتقاليد الفلاحين من أهالي وادي الدواسر، وقد يلجأ بعض المزارعين إلى وضع اللقاح في الثلاثة لحفظه عند زيادته عن الحاجة حتى يظهر حاجة مزرعته أو جيرانه له وهي طريقة حديثة لحفظ اللقاح وهي خلاف الطريقة المعروفة عند الآباء والأجداد والتي تعتمد على حفظه عن طريق تجفيفه في الشمس وهو ما كان يسمى (القديد) ومن ثم تليينه ببخار الماء عند الحاجة لإعادة استخدامه. وتسبق عملية التلقيح بعدة أسابيع عملية تقطيع الشوك وتنظيف النخلة وتحسينها كما يقوم المزارعون خلال الفترة الفاصلة بين صرام النخيل في الموسم الماضي وظهور طوالع الموسم الجديد وهي فترة 120 يوماً تقريباً بالعناية بالنخلة من حيث زيادة كمية الماء لها وسمادها بالسماد الطبيعي البعيد عن المواد الكيماوية الصناعية ويظهر المزارعون عنايتهم بالنخلة كونها مصدراً رئيسياً للغذاء حيث تنتج التمور ذات القيمة الغذائية الكبيرة بالإضافة إلى كونها إلى زمن ليس بالبعيد ذات فائدة في كافة أجزائها من ليف وجريد وسعف وغيره وما يزال المزارعون يتنافسون في زراعتها وغرسها في كافة أرجاء مملكتنا الحبيبة خاصة مع الدعم المتواصل من حكومتنا الرشيدة.