في مثل هذا اليوم من عام 1502 بدأ الأسبان حملة لتنصير كل مسلمي مدينة غرناطة بعد أن انهارت دولة المسلمين في الأندلس، وكان سقوط غرناطة -آخر قلاع المسلمين في إسبانيا- عام 1492 نذيرًا بسقوط صرح الأمة الأندلسية الديني والاجتماعي، وتبدد تراثها الفكري والأدبي، وكانت مأساة المسلمين هناك من أفظع مآسي التاريخ، حيث شهدت تلك الفترة أعمالاً بربرية وحشية ارتكبتها محاكم التحقيق (التفتيش)، لتطهير أسبانيا من آثار الإسلام والمسلمين، وإبادة تراثهم الذي ازدهر في هذه البلاد زهاء ثمانية قرون من الزمان.واشتدت الحملة ضد المسلمين بعد وفاة فرناندو الخامس ملك إسبانيا في 23 يناير 1516وأوصى حفيده شارل الخامس بحماية الكاثوليكية والكنيسة واختيار المحققين ذوي الضمائر الذين يخشون الله لكي يعملوا في عدل وحزم لخدمة الله، وتوطيد الدين الكاثوليكي، كما يجب أن يسحقوا طائفة محمد! وكان (فرناندو) قد أمضى زهاء عشرين عامًا بعد سقوط الأندلس ينزل العذاب والاضطهاد بمن بقي من المسلمين في أسبانيا، وكانت أداته في ذلك محاكم التحقيق التي أنشئت بمرسوم بابوي صدر في أكتوبر 1483 وعين القس (توماس دي تركيمادا) محققًا عامًا لها ووضع دستورًا لهذه المحاكم الجديدة وعددًا من اللوائح والقرارات. وبث هذا الديوان منذ قيامه جوًا من الرهبة والخوف في قلوب الناس، فعمد بعض هؤلاء الموريسكيين أو المسلمين إلى الفرار، أما الباقي فأبت الكنيسة الكاثوليكية أن تؤمن بإخلاصهم لدينهم الذي أجبروا على اعتناقه، لأنها لم تقتنع بتنصير المسلمين الظاهري، بل كانت ترمي إلى إبادتهم. وتنفس الموريسكيون الصعداء بعد موت فرناندو وهبت عليهم رياح جديدة من الأمل، ورجوا أن يكون عهد (شارل الخامس) خيرًا من سابقه، وأبدى الملك الجديد -في البداية- شيئًا من اللين والتسامح نحو المسلمين والموريسكيين، وجنحت محاكم التحقيق إلى نوع من الاعتدال في مطاردتهم، وكفت عن التعرض لهم في أراجون بسعي النبلاء والسادة الذين يعمل المسلمون في ضياعهم، ولكن هذه السياسة المعتدلة لم تدم سوى بضعة أعوام، وعادت العناصر الرجعية المتعصبة في البلاط وفي الكنيسة، فغلبت كلمتها، وصدر مرسوم في (16 جمادى الأولى 931ه- 12 مارس 1524م) يحتم تنصير كل مسلم بقي على دينه، وإخراج كل من أبى النصرانية من إسبانيا، وأن يعاقب كل مسلم أبى التنصر أو الخروج في المهلة الممنوحة بالرق مدى الحياة، وأن تحول جميع المساجد الباقية إلى كنائس.