منذ سنوات طويلة والأدباء والنقاد والمفكرون ورجالات العلم يبحثون ويحاولون أن يجدوا تعريفاً دقيقاً للثقافة والمثقف فتوصل غالبيتهم إلى أن (الالتزام بالوعي) هو أفضل تعريف ويضربون مثلاً شهيراً بالزبال الذي انتهى وقت عمله وعند ذهابه إلى بيته وجد في طريقه نفاية فوضعها في صندوق القمامة رغم أنه في ذات اللحظة ليس مسؤولاً عنها، إذاً هذا الشخص العادي التزم بوعيه بواجبه بقيمة عمله وبروحه وأحس بمسؤوليته تجاه المجتمع الذي يعيش فيه فهو إذاً مثقف لأنه احترم نفسه وهذبها بالقيم التي استقاها من صميم واجبه. والكلام كذلك ينطبق على الفلاح ذلك الإنسان (العامي) الذي يدرك معنى أدوات حياته ويلم بكل عاداتها وتقاليدها وأصولها ألا يستحق الاحترام والتقدير. وعلى النقيض من ذلك نجد مثلاً أن الأستاذ الجامعي دائماً ما يطلق عليه (إنسان مثقف) لأنه وصل لأعلى مستويات العلم والمعرفة ماذا لو قابلك خارج أسوار الجامعة بخلق سيئ، أو شطح عن الذوق العام أو غير ذلك بصرف النظر عن المسبب.. ما وقع ذلك عليك وتأثيره؟ بالتأكيد ستقف واجماً وحائراً أمام الفائدة من كلامه وتنظيره داخل القاعات فالمشكلة الآن وقعت، وقل لي بربك ما الفائدة إذا لم يطبق ويعي ما يقول على أرض الواقع وما الفرق بينه وبين غير المتعلم وهذا نموذج قد نصادفه كثيراً وهو امتحان بسيط يمحص القادر على عكس صورة ما اختزله من علم أمام مثل هذه المواقف وهنا الفرق، آمل أن تكون الصورة قد اتضحت. إذاً ليست الثقافة (بكمية) العلم الغزير أو الإلمام بحفنة من المعلومات لكل مجال أو كما يقولون من كل بستان زهرة.. لا.. بل هي (بالكيفية) والطريقة فليس كل من تعلم أصبح مثقفاً فالثقافة مصطلح (ينفر) من العلم إذا لم يصحب ب(وعي وتطبيق) وإلا لكان المثقفون في مجتمعنا ملء الأرض والبحر وهذا هو الذي نريد ونؤمل أن يكون مستقبلاً. فالمراد هنا أن (نلتزم) بوعينا بقيمنا بمبادئنا بعلمنا بنهجنا بمخزوننا الديني والمعرفي بتقاليدنا وعاداتنا المقبولة والمقبولة فقط عندها نستحق لقب (مثقفين) بكل جدارة.