حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الرفث والجدال والفسوق في الحج إلا أن بعضاً من المسلمين قد يأتون بسلوكيات تتنافى مع روحانية الحج، وقدسية المناسك، وطهارة المشاعر المقدسة، وربما أضرت بسلامة الحجيج، ومن هذه السلوكيات على سبيل المثال عدم الالتزام بالقواعد والأنظمة المقررة من قبل الدولة - رعاها الله - أو التزاحم، والتدافع في أداء المناسك، أو ترديد شعارات سياسية وغيرها من هذه السلوكيات، فكيف نواجه مثل هذه السلوكيات؟ وكيف يمكن تنفيذها؟ حول تلك القضايا المهمة تحدث عدد من الدعاة والأكاديميين.. فماذا قالوا؟! **** بداية يقول فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد اللحيدان المدير العام لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة الشرقية فيقول: ينبغي علينا التوجيه لهذه السلوكيات وتصحيحها بأن نقرر في نفوس الناس معنى العبودية لله ولزوم امتثال أمره ونهيه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم منطلقين من قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}(197){لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ}(198) {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }(199){فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} (200) {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (201) {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (202) سورة البقرة وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (خذوا عني مناسككم). وبهذا التأصيل وإعادة الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم نكون قد وجهنا الناس إلى أساس في المساءلة ينبغي ألا نحيد عنه ونحن بصدد مواجهة السلوكيات الخاطئة في الحج. عن أبرز الآثار الناتجة عن تلك السلوكيات يقول الشيخ اللحيدان: فهي كثيرة لعل من أبرز ما يسشتعره الناس منها لحظة وقوع مثل تلك السلوكيات، ذهاب لذة العبادة، وانشغال الناس عنها، بل وربما ذهاب ما قد يكسبه الإنسان من أجر جراء ما يحدثه من خلل أو اعتداء كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ذكر كيف تؤخذ المظالم من الظالمين فترد إلى أهلها في يوم لا درهم فيه ولا دينار، بل إن كان للظالم عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، (وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) كما جاء عند البخاري وفي رواية عند مسلم: (فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) مع ما تؤول إليه بعض السلوكيات من الانحراف بالناس عن أداء ما جاؤوا إليه من الحج إلى أمور تزيد في الفتنة والشقاق والانسياق وراء شعارات النزاع والتفريق مع الوقوع في محظور إيذاء الناس وربنا يقول محذراً من ذلك: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (58)سورة الأحزاب. وقوله - سبحانه - في الحديث القدسي الصحيح: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) الحديث، أي أعلمته أني محارب له. برامج دعوية وتوعوية ويضيف مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة الشرقية: ونحن في الحج محل وجود أولياء الله وهم عباده المخصلون ونحن مع الذين يؤدون صلاة الفجر نعايشهم ليل نهار فلابد أن ننتبه، وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وقد بعثه إلى اليمن: (واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) وكما ثبت في الصحيحين وغيرهما من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس في يوم النحر في أشرف زمان ومكان وجمع حضره صلى الله عليه وسلم، وبعد أن قرر الناس على حرمة البلد والشهر واليوم: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم - وفي رواية قال: وأبشاركم - عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب) الحديث، فلابد أن نعي هذه الآثار المترتبة على عدم تجنب السلوكيات المنافية لمناسك الحج. وإن كان من رأي فهو متعلق بضرورة السعي لتكثيف التوعية الإعلامية في جميع الدول الإسلامية بمعنى أن يتم إعداد برامج دعوية وتوعوية عن الحج وآدابه بلغات جميع البلاد الإسلامية ويوعز إلى كل بلد أن يبث هذه البرامج عبر أجهزته الإعلامية المختلفة ابتداء من دخول شهر ذي القعدة ولعل في ذلك إتماماً لما سيجده الحاج مما هو حاصل من ذلك بمجرد وصوله إلى أرض المملكة بدءاً من لحظة وصوله عبر مختلف منافذها. الحج رحلة إيمانية من جانبه يؤكد د. عثمان بن محمد الصديقي مدير إدارة الشؤون الدينية بالمديرية العامة لكلية الملك فهد الأمنية : الحج لا يخلو من بعض السلبيات الخاطئة التي يقع فيها الحجيج والتي قد تعكر صفو الحج أحياناً وهذه الأخطاء يمكن تلخيصها في التالي: 1- عدم الاكتراث والاهتمام بالأنظمة والتعليمات التي تصدر من ولاة أمورنا بقصد تنظيم الحج، واعتقاد بعضهم الخاطئ أن ذلك مما لا يجب فيه السمع والطاعة وهذا خطأ بين، فإن الله تعالى أوجب طاعة ولي الأمر وإن طاعته من طاعة الله ورسوله كما تضافرت النصوص الشرعية على ذلك. وهذه الأنظمة والتعليمات التي تصدر من ولي الأمر مما يجب فيه الطاعة كما أفتى بذلك مشايخنا حفظهم الله تعالى، وبخاصة إذا لم يكن في التعليمات مخالفة، ومعصية، وانظر كم يترك هذا الفعل والاعتقاد الخاطئ من أثر سيئ على الزحام، وهذا مشاهد محسوس عند الجمرات من الافتراش وغيره، رغم تكثيف التوعية بخطورة ذلك. 2- عدم الوعي بالأحكام الشرعية وما يشرع وما لا يشرع للحاج فعله، وعدم التمييز لما هو واجب أو مندوب أو مباح في أداء المناسك، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتفقه في الدين وبخاصة في مسائل الحج حيث قال في حجة الوداع: لتأخذوا عني مناسككم. لذا وجب على العلماء ومرشدي الحملات وأهل الفتوى فيهم أن يبينوا للحجيج مناسكهم والأخذ بمبدأ السهولة واليسر مع الحفاظ على النسك، وعدم التزمت والتشدد في أحكام الحج التي قد تسبب الزحام في الحج وبالتالي حصول الوفيات والحوادث. 3- عدم التآخي والتواصي واحترام الأخوة بين المسلمين في الحج وعدم احترام دمائهم وأعراضهم وأموالهم في الحج فالحج مؤتمر إسلامي بين المسلمين يجتمعون فيه في كل عام على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وجنسياتهم وثقافاتهم وحضاراتهم يجتمعون في نسك واحد ولباس واحد وشعار واحد، ولكن شتان ما بين ذلك التوحد وما بين ما في القلوب من الفرقة والاختلاف والتنازع الذي جاءت النصوص الشرعية بالتحذير والتخويف منه. 4- عدم الاهتمام بالنظافة، وعدم الاهتمام بالمرافق العامة المخصصة لخدمة الحجيج وسوء استخدامها، وعدم الاهتمام بالنعم والأرزاق. فكم يسوء المسلم مناظر الحجيج في أماكنهم وتجمعاتهم وهم لا يولون هذا الأمر أي أهمية. هذا الدين الذي بني على النظافة والطهارة والوضوء والغسل ولا تصح العبادة إلا بها.. كيف يهملها بعض المسلمين؟ وانظر إلى مناظر المشاعر المقدسة بعد ذهاب الحجيج وكم تعاني الجهات المسؤولة عن النظافة مما يفعله بعض الحجيج؟! وانظر إلى مقدار النعم والأرزاق التي ترمى في كل يوم؟! وهل هكذا تشكر النعم؟ 5- عدم بقاء أثر الحج على صاحبه بعد انتهائه، فالحج رحلة إيمانية قد تغير مسار المسلم في حياته وتكون نقطة تحول له وكم سمعنا ولله الحمد ممن تاب ورجع إلى ربه بعد أداء منسكه ولكن الملاحظ على بعض الحجيج أنه ما تأثر لا في الحج ولا بعد أداء الحج وإنما فهموا من الحج أنه رحلة سياحية وإمتاع النفس بملذاتها وشهواتها وأنه قائم على الرياء والسمعة وحصد الألقاب. انعدام الوعي ويؤكد الشيخ علي بن سالم العبدلي المدير العام لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بالجوف أن المتتبع لأوضاع الحج في كل عام يلاحظ أن هناك تجاوزات وسلوكيات أصبحت خطيرة في الزمن الحاضر حيث يتجسد فيها انعدام الوعي ومن أوضح أشكال هذه المخالفات التسابق ومضايقة الآخرين والازدحام المتعمد المؤدي إلى التدافع عند الأبواب وفي الطواف والسعي وأثناء رمي الجمرات ناهيك عن رفع شعارات سياسية، من قبل بعض الذين ينظرون إلى أن الحج يمكن استخدامه لأهداف سياسية محددة فهذا أسلوب خاطئ وسلوك يتنافى مع روحانية الحج فالواجب عدم التساهل فيه، فترك أمثال هؤلاء المأجورين من العبث بالحج وتعكير صفو الحجاج يعطي مبرراً للغلاة في المزيد من الزيغ واتباع الهوى فلا بد من ردع المعتدي وكف الظلم حين يكون فساداً في الأرض وأين؟! في أطهر أرض وأقدس بقعة على وجه الأرض. وحول الآثار المترتبة على مثل هذه السلوكيات يقول الشيخ العبدلي: هذه السلوكيات تعمل على الانحراف الفكري والغلو والتطرف والفرقة لذا الواجب أن يقوم العلماء وطلبة العلم بواجبهم في محاربة هذا السلوك وبيان أن تلك السلوكيات إنما هي نتيجة الجهل بأحكام الدين وأن الدين يسر وأيضاً الجهل بالقرآن الكريم والسنة المطهرة ومنهج السلف الصالح.. وأن هذه السلوكيات تندرج في الرفث والجدال والفسوق في الحج وتتنافى مع روحانية الحج وقدسية المناسك وطهارة المشاعر المقدسة، فالتزاحم والتدافع على سبيل المثال مآله إلى عدم التقيد بالأنظمة والقوانين التي أقرتها الدولة - رعاها الله - ولكن يبقى حل المشكلة لدينا ومفروض علينا لا مناص منه وذلك من خلال التوعية الدينية والسلوكية في الحج وبشتى صورها رغم أن المهمة شاقة وكبيرة بيد أن صعوبتها لا تعني استحالتها بل إنها فرصة سنوية لتقويم انحرافات وتغيير منكرات وتصويب مفاهيم شرعية وسلوكية خاطئة تحقيقاً لقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} (110) سورة آل عمران. فهي مهمة جليلة يجدر أن نفخر بالقيام بها وأكرم بها من مسؤولية. ولنا في قطاعات الدولة ممثلة في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المثل الأكبر حيث تقوم هذه الوزارة بجهود كبيرة تتمثل في نشر الدعاة في المنافذ البرية للمملكة وفي المناسك من خلال المراكز الدعوية التي تقوم بمساهمة كبيرة في سبيل الوعظ والإرشاد وتوزيع الكتيبات والمصاحف وإلقاء المحاضرات والإفتاء وخلافه. أما بشأن وسائل التحذير من السلوكيات السلبية فيؤكد الشيخ العبدلي أن ثمة آلية دعوية وإعلامية يمكن القيام بها فالآلية الدعوية تتمثل أولاً: في إدراك الدعاة وطلبة العلم - جهات وأفراد - عظم المسؤولية الملقاة على عاتقهم والأمانة المناطة تجاه الحجاج، ثم العمل على زيادة طباعة كتب العقيدة وتوزيعها على الحجاج والمعتمرين مع زيادة أعداد الدعاة والمحتسبين في القيام بمهمة توعية الحجاج والاجابة عن أسئلتهم وتوضيح العقيدة الصحيحة الخالية من الشوائب والشرك والبدع والخرافات، بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن من تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام والتحذير من المذاهب الهدامة وأيضاً توضيح أحكام الحج والعمرة بالدليل من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة. وكذا بيان حرمة المسلم دمه وماله وعرضه وبيان مكانة وقدسية الحرمين الشريفين مع الحث على تحقيق معاني الأخوة الإسلامية واجتماع كلمة المسلمين ووحدة صفوفهم ويندرج مع هذه الآلية التنظيم والتطوير المستقبلي عبر خطط مدروسة تقوم على أسس من المعلومات والإحصاءات لأعداد الحجاج وتنظيم سيرهم وتنقلهم بين المناسك. أما الآلية الإعلامية فتتمثل في استخدام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بطريقة جيدة حيث تبدأ هذه الآلية بدعوة الحجاج في بلدانهم بالسعي إلى التنسيق مع مسؤولي الحج في هذه البلدان ثم استكمال ذلك في مناسك الحج وبعدة وسائل منها وضع لوحات إرشادية إلكترونية على الجسور وفي الطرق والأماكن العامة بلغات مختلفة مع التركيز على الأفلام التعليمية في نقل الدروس والخطب والمحاضرات الإسلامية لأهل العلم الموثوق بهم على الهواء مباشرة وعبر شبكة الإنترنت مع التركيز على القنوات الفضائية الإسلامية في بث كل ما فيه مصلحة للحجاج. استشعار عظم المكان أما الدكتور مسفر بن علي القحطاني رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران فيقول: لقد قدم حجاج بيت الله الحرام من كل فج عميق شوقاً ومحبة واستجابة لأمر الله، لذلك كانوا ضيوفاً على الكريم سبحانه وتعالى، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم). والضيف الوافد على عزيز محب لابد له من التحلي بأخلاق وخصال الضيف، ويتأدب فيها مع من دعاه وأضافه، ويخلص في شكر من أكرمه وأنعم عليه، ويترفع عن كل خصلة تؤذي حال ومكان من أحسن إليه والحجاج وقد سموا بضيوف الرحمن هل أدركوا واجب الشكر والتقدير لمن أكرمهم بفضله وإحسانه وبلغهم حج بيته العظيم؟ وهل راعوا حقوق المكان من التقديس والتعظيم ونزهوا بيت الله الحرام من كل ما لا يليق به من شعارات الجاهلية ورايات أهل البغي والعدوان؟ وهل أدوا واجب الرعاية والإحسان لمن أحسن إليهم من أهل الحرم وخدام ضيوف الرحمن (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان)؟ إن المؤمن الصادق المستشعر حقيقة هذه العبارة والموقن بضرورة الإخلاص لهذه الشعيرة لا يتصور منه الإخلال بأمن الحجيج أو الإضرار بسلامتهم أو التعدي على حرماتهم في بلد الله الحرام وفي شهره الحرام. و(الحج أشهر معلومات) خص بأحكام مشروعة وقدست أيامه المعلومة فليست كبقية أيام العام في القدر والحرمة لهذا وجب الترفع عن الرفث، والفسوق، والجدال في الحج كما وجب إعمار أيامه كلها بالذكر والابتهال والتقرب إلى الله تعالى. فمن أخلص حجه وطهر من الرياء والإثم وراعى فيه الآداب الإسلامية والحقوق المرعية من حسن الخلق والجود، وإطعام الطعام، ونشر السلام، والمساهمة في أمن الحجيج، والعطف على أهل الحرمين كان حجه مبروراً مقرباً إلى الله مبعداً من الشيطان كما قال - عليه الصلاة والسلام - (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) وقال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). ويضيف د. القحطاني: فليت المسلمين قد بذلوا الغالي والنفيس من أجل بلوغ هذه الطاعة أن يدركوا مقاصد الحج وفوائده ويتعلموا آدابه وسننه لكي تظهر ثمرته وتتحقق غايته فيقيموا به ما أعوج من أمرهم، وما انهدم من بنيانهم، وما انحل من أمرهم، وما تناثر من عزهم ومجدهم، وبذلك يرتفع في العالمين صوتهم، ويخشى بأسهم، وتتحد كلمتهم، وتجتمع قلوبهم على ما فيه خيرهم وسعادتهم، وكم لهم من خير عظيم لو تدبروا قول رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم حين خطبهم في بعض مناسك الحج فقال: (أيها الناس، أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام قال: فأي بلد هذا؟ قالوا بلد حرام. قال: فأي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام حرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، فأعادها مراراً، ثم رفع رأسه فقال: الله بلغت، اللهم فاشهد). وكم يتمنى المرء أن يرى حجاج بيت الله الحرام يمارسون هذا النظام الرباني حينما يتلفتون إلى مهامهم الشخصية وعندما يقضون حاجاتهم الضرورية إذ الواقع يحكي صوراً مؤلمة من الفوضى والعبثية والغش والانتهازية يمارسها بعض الحجيج ممن جاء يرغب في المغفرة ويقترفها من آمن وعلم بقدسية المكان والزمان والشعيرة، فمثل هذا الانفصام النكد الذي ألفه الكثير من المسلمين بين أمر العبادة والعمارة وبين حقوق الدنيا وحقوق الآخرة وبين تحقيق الشعائر والتقدم في الحضارة هو الذي أورث مثل هذه الظواهر السلبية المؤلمة في حياة المسلمين، ولو فهم المسلمون حقيقة هذا الدين العظيم وأنه جاء لما يصلح حالهم ومجتمعهم ويحقق سعادتهم في الدارين، وينظم حياتهم ويدير شؤونهم وإن ذلك كله يأتي تحقيقاً لمعاني العبودية الحقة لله عز وجل لما رأينا وشاهدنا صور الإخلال بالنظام والنظافة والعبث والإهمال بمقدرات الدولة حفظها الله ومكتسبات الناس. ويؤكد د. القحطاني أن تنمية وعي الحجاج مطلب رئيس ينبغي أن تهتم له بعثات الحج وتوليه الأهمية القصوى لما فيه من حفظ سلامتهم وإنجاح مهمتهم وقبولها بإذن الله ولا سيما أن المملكة العربية السعودية وقد تحملت هذه الأمانة العظيمة وتولت هذه المهمة الكبرى لخدمة ضيوف الرحمن والسهر والسعي لراحتهم والعمل الجاد لرعايتهم لم تأل جهداً في توطيد أمن الحجيج والسعي الدؤوب لخدمتهم ورفع مستوى الوعي الديني والتعليم الشرعي بمقاصد الحج وأحكامه المختلفة، ولا يمكن أن نحقق هذه الثمرة إلا بتضافر الجهود والتعاون المستمر بين مؤسسات الحج واستشعار معاني الحج ومقاصده العظيمة. الوسائل التوعوية ويلخص الشيخ عبد العزيز بن عبد الله المهنا، عضو مركز الدعوة والإرشاد بالجوف آلية مواجهة هذه السلوكيات التي تتنافى وروحانية الحج، في تكثيف برامج التوعية ضد هذه السلوكيات وبيان الآثار السلبية المترتبة عليها وذلك من خلال عدد من الوسائل التوعوية ومنها على سبيل المثال: 1- رسالة مختصرة جداً توزع على كل مدخل إلى المشاعر تحتوي على سؤال وإجابة كالآتي : هل ترغبون أن يكون حجكم مبروراً؟ واعمل الآتي: أ- كن رحيماً بإخوانك المسلمين فلا يتأذوا منك. ب - كن مساعداً للمنظمين في الحج قدر استطاعتك. ج - كن جندياً للوطن في المشاعر المقدسة. د- احذر من وقوع أي مشكلة في المشاعر: عدم التسخط في أماكن الزحام - الألفاظ النابية. ه - في الحديث (لأن تنقض الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إهدار دم امرئ مسلم) فاحذر من هذا. 2- تنبيه أصحاب المحلات والمنظمين عن أي شيء مريب يقع داخل محيط المخيم وذلك بإبلاغ الجهات المختصة. 3- تنظيم دورة تدريبية وتوعية لمن اختير بالمشاركة في الحج من الدوائر الحكومية سواء في بلادهم أو في مكة وإعطاؤهم الإرشادات المناسبة، مثل معرفة المواقع الموجودين فيها والإلمام بقواعد السلامة والاسعافات الأولية والحث على الأعمال الموكلة إليهم بما يرضي الله وتشجيعهم بأن عملهم قربة إلى الله تعالى، ووضع برامج تلفزيونية للتوعية والتركيز على الأحداث الواقعة في السنوات السابقة وتنظيم المحاضرات المؤثرة وتعميمها في القنوات.. كذلك وضع ملصقات توعوية على الحافلات يبين فيها عظيمة وحرمة مكة والمشاعر المقدسة. دائرة الشرك والبدع من جانبها تقول د. شيخة مفرج المفرج الأستاذ المساعد بقسم السنة وعلومها بكلية أصول الدين بالرياض: إنه مما يحزن النفس ويدمي القلب أن كثيراً من جموع الحجيج الذين يدلفون إلى الرحاب الطاهرة بعد أن أنفقوا الأموال وتركوا الأهل والأولاد وتكبدوا مشاق السفر ومتاعب الحل والترحال، نراهم يرتكبون سلوكيات تخالف مقاصد الشريعة في كل وقت وفي الحج على وجه الخصوص ومنشأ هذه السلوكيات في كثير من الأحيان هو الغفلة والجهل وغياب الوعي الحضاري. وتضيف المفرج: وكثير من هذه السلوكيات تعد من المخالفات الشرعية والمعاصي وبعضها قد يدخل في دائرة الشرك والبدع والعياذ بالله مما قد يترتب عليه رجوع الحاج مثقلاً بالأوزار، بدلاً من نيل الثواب وذلك هو الخسران المبين، ولقد أمر الله كل حاج أن يصون حجه عما ينقص أجره ويهدر جهده فقال تعالى: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (197)سورة البقرة. وقال ابن كثير في تفسيره: إن الفسوق هو ما أصيب من معاص من ذبح لغير الله أو تنابز بالألقاب وإن كان ذلك منهياً عنه في جميع الأوقات إلا أنه في الأشهر الحرم أكبر والجدال هو المراء في الحج والمخاصمة. وقد أكد هذا النهي وبين أجر المنتهي رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) متفق عليه. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في كتابه نصيحة هامة لحجاج بيت الله الحرام في تعليقه على هذا الحديث: (أما الفسوق فهو العصيان ويدخل في ذلك جميع المعاصي.. كما يدخل في ذلك التظاهرات والهتافات بالدعاء لقوم أو الدعاء على آخرين أو بالمديح لقوم والذم لآخرين لأن ذلك يسبب شراً كثيراً ومشاكل متنوعة.. ويفتح الباب للفوضى ويخرج بذلك عما شرع الله في الحج من إقامة ذكره والدعوة إلى سبيله والتناصح بين المسلمين والتعاون على البر والتقوى). الاستفادة من البرامج الناجحة أما الأستاذة نائلة السلفي الداعية بالمكتب التعاوني للدعوة والإرشاد بالنسيم، فتقول: يلزم لتلافي وقوع الحجاج في هذه السلوكيات تنمية الحس الوطني والإخاء الإنساني، فدعامة كل نهضة وتقدم هي الأخلاق النبيلة، باحترام مشاعر الآخرين واحترام قدسية المقدسات، وتعاليم الشرائع والأديان وهذا كله يتطلب تثقيف الحجاج في بلادهم وقبل قدومهم لأداء الحج بوقت كاف، على أن يتم وضع برامج وخطط التثقيف والتوعية بالتعاون بين الجهات المعنية في المملكة والمسؤولين في البلدان التي يفد منها الحجاج. وتقترح الأستاذة السفلي إنشاء مركز أبحاث سعودي للمساهمة في توجيه الحجاج القادمين والاستفادة من التجارب الناجحة لبعض الدول في التعامل مع هذه الأعداد الكبيرة من الحجاج في حالات الطوارئ والتزاحم، كما يمكن تنظيم مناشط توعوية للحجاج في محطات الوصول إلى المملكة، توضح أهمية المحافظة على المقدسات واحترام المشاعر المقدسة. وحول الآثار المترتبة على السلوكيات المرفوضة في الحج تقول الأستاذة السلفي: إنها تمثل نقصاً في العبادة والعمل وفيها هدر للجهود والأموال التي تنفق لراحة وسلامة الحجاج، ومضاعفة المشقة والأعباء على العاملين في خدمة الحجاج وتعريض أمن وسلامة الحجيج للخطر، فيمكن تنفيذها بإقامة محاضرات دعوية وعرضها على مؤسسات الحج بلغات مختلفة أو طباعة النشرات التوعوية المختصرة وإقامة شاشات عرض للتعريف بالأخطاء والأخطار وكيفية تجنبها مع تخصيص برامج توجيه للنساء للتعامل مع مثل هذه الأمور، والاستفادة من جميع وسائل الإعلام في التوعية، مع تطبيق برامج التقويم الذاتي لحملات الحج ودراسة النتائج لمعرفة مواطن وأسباب الخلل والعمل على علاجها والوقاية منها. كما يمكن إقامة معسكرات صيفية للشباب والفتيات للتدريب على برامج التوعية في الحج عبر الرسائل والمنتديات والإنترنت، ويمكن الاستفادة من هؤلاء الشباب بعد تدريبهم في تنفيذ برامج توعوية في الخارج.