الحديث عن رموز ورواد حركتنا الرياضية حديث له شجون وخاصية عند القارئ لا سيما عندما نتناول سيرة أحد الرجال الأفذاذ الذين ضحوا بمالهم وجهدهم وعطائهم خدمة للشباب والرياضة في حقبة لم تكن الرياضة مقبولة اجتماعيا. والأمير عبدالله الفيصل - أطال الله عمره ومتعه بالصخة والعافيه - هو أول من بنى صرح الحركة الرياضية في المملكة وهو أول مسؤول حكومي رفيع المستوى رعى الرياضة وأسس أول إدارة تعني بالشؤون الرياضية وربطها بوزارة الداخلية باعتبار أنه كان وزيرها في حقبة السبعينيات الهجرية من القرن الفارط. ومن هذا المنطق حرصنا على أن نبحث عن من يسرد لنا هذا التاريخ بصورة دقيقة تكشف للقارئ والمتابع أسرار الماضي.. حيث يمثل المؤرخ الرياضي الكبير الدكتور أمين ساعاتي نموذجا رائعا في عملية رصد التاريخ وتدوينه حيث يكشف ل(الجزيرة) جانبا من حياة رائد الحركة الرياضية الأول الأمير... الشاعر.. الفارس.. الرياضي.. عبدالله الفيصل عبر حلقتين وإليكم نص الجزء الأول: أجرى اللقاء - خالد الدوس البداية مع الفروسية * عرف سمو الأمير عبدالله الفيصل (حفظه الله) الرياضة منذ نعومة أظفاره حيث كانت الفروسية والعرضة السعودية أولى ممارساته واهتماماته الرياضية. * وحينما صدر أمر ملكي عام1370ه بتعيين سموه وزيراً للداخلية اهتم بالحركة الرياضية والكشفية في المجالين الأهلي والمدرسي وكان - يحفظه الله - أول مسؤول حكومي رفيع المستوى يدعم الحركة الرياضية ويحضر مناسباتها ويرعى المباريات التي كانت تقام بين الأندية. * وبعد ثلاث سنوات من تعيينه وزيراً للداخلية أمر عام 1373ه بتأسيس الإدارة العامة العامة للتربية الرياضية والكشافة لتتولى مسؤوليات تنظيم الأندية والإشراف عليها وإعداد المسابقات الخاصة بها وتنظيم مشاركاتها الخارجية.. طبعاً اهتم سمو الأمير عبدالله الفيصل بالرياضة العربية الأصيلة وكان محباً وممارساً للفروسية والعرضة السعودية كما أنه اهتم بالألعاب الرياضية الحديثة عندما كان منشئاً ومشرعاً ومنظماً للحركة الرياضية العصرية. الرياضة في المدارس * عندما وضع جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - على كاهله إعادة تنظيم مجتمع به الجزيرة العربية والعودة به إلى ما كان عليه في عصور الإسلام الأولى من إيمان عميق بمبادئه الإسلامية الخالدة وقيامه على أسس علمية ورياضية وثقافية وعلى مبدأ محاربة الثالوث البغيض (الجهل والفقر والمرض) ففي عام 1343ه أنهى الملك عبدالعزيز فتوحاته الضارية في أنحاء شبه الجزيرة العربية وجعل من مدنها وقراها المترامية بلداً موحداً وشعباً واحداً تحت الراية الخفاقة راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ثم التفت (يرحمه الله) إلى بناء المجتمع السعودي ووضع لبنات كيانه النامي وطفق يبث في مجتمع الجيل الجديد روح الإخاء والمحبة وينشر بينهم حوافز البناء والعمل وينمي فيهم نوازع العلم والرياضة.. ففتح المدارس وفرض العلم وضم الرياضة (التربية البدنية) مادة من مواد العلم المدرسي وأعلن مجانيته وأخذت الرياضة طريقها بين أبناء هذه المدارس في مكةالمكرمةوجدة.. وهكذا عن طريق المدارس عرفت الرياضة البدنية وكان سمو الأمير عبدالله الفيصل يهتم بالرياضة في المدارس ويدفع لها التبرعات وكل وسائل الدعم. باعتبار أن إدارة التعليم قبيل إنشاء وزارة المعارف كانت إدارة من إدارات وزارة الداخلية ووزيرها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل.. آنذاك..! دعم وتشجيع كان سمو الأمير عبدالله الفيصل من أشد المتحمسين لزيادة التنافس بين الأندية لأن التنافس هو العامل الأهم للارتقاء بمستوى الكرة وكان يشجع اللقاءات والمباريات بين الفرق ويقدم الجوائز لها وقد اشتد التنافس في عام 1370ه بين الفرق الرياضية في جدةومكة.. في مرحلة أعقبت الانتعاش الاقتصادي وبلغ حدا اضطرت معه هذه الفرق إلى استقدام بعض اللاعبين المبرزين من السودان وقد بدأ النادي الأهلي بجدة هذا الاستقدام لأول مرة في تاريخ الأندية السعودية حيث استقدم أول دفعة من اللاعبين السودانيين في عام 1370ه ثم حذت حذوه الفرق الأخرى في عملية الاستقدام من السودان.. ثم تسابقت الأندية إلى مصر واستقدمت منها مجموعة من اللاعبين المصريين وفي مقدمة هذه الأندية.. الأولمبي والثغر (الأهلي حالياً) والوحدة ، ظل هذا التدفق عشر سنوات حتى جاء وقت أصبح فيه قوام الأندية اللاعبون المستقدمون (المحترفون) فسبب هذا إحراجاً للمسؤولين الذين بادروا باتخاذ بعض الإجراءات لتنمية المواهب السعودية كإنشاء دوري الوطنيين على كأس ولي العهد بتقليل عدد اللاعبين غير السعوديين. إنشاء أول جهاز حكومي للرياضة * من المؤكد أن الأمير عبدالله الفيصل كان يرى أن الأندية الرياضية هي الإطار الأهم لبداية تنظيم النشاط الرياضي والأهلي.. ولذلك رأى ضرورة إنشاء جهاز يرعى الأندية وينظمها ويؤسس مسابقاتها ويؤهلها لتمثيل المملكة العربية السعودية حيث تعتبر الإدارة العامة للشؤون الرياضية والكشافة بوزارة الداخلية بداية قيام الأجهزة الحكومية بمهام ومسؤولية الإشراف وتطوير وتنظيم الحركة الرياضية الأهلية في المملكة وقد كان وراء إنشاء أول إدارة حكومية تشرف على وتنظم الحركات الرياضية الأهلية وهو صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل باعتباره كان وزيراً للداخلية آنذاك.. وقد أراد - يحفظه الله - أن ينظم النشاط الرياضي الأهلي بإنشاء جهاز التربية الرياضية والكشفية ليكون ملحقاً بوزارة الداخلية حيث كانت الخطوة الأولى أن طلبت وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية من وزارة المعارف المصرية ترشيح خبير يساعد في عملية تنظيم الحركة الرياضية السعودية في القطاع الأهلي. الاستعانة بالخبراء الأجانب * وتلبية لهذا الطلب ندبت وزارة المعارف المصرية الأستاذ مصطفى كامل منصور ليعمل في المديرية العامة للتعليم في وزارة الداخلية السعودية - طبعاً كانت وزارة الداخلية قبل إنشاء وزارتي الصحة والمعارف - بمثابة ثلاث وزارات في وزارة واحدة أي أن وزارة الداخلية كانت تضم - ضمن أجهزتها - مديرية الشؤون التعليمية ومديرية الشؤون الصحية بالإضافة إلى أجهزة الداخلية. طبعاً.. اشترك الخبير الأستاذ مصطفى كامل مع زملائه من الخبراء السعوديين في المديرية العامة للتعليم في إنشاء أول جهاز حكومي يناط به مسؤولية تنظيم الإدارة العامة للرياضة البدنية والشكفية وفي عام 1373ه صدر أمر ملكي بإنشاء وزارة المعارف وإزاء ذلك تم فصل المديرية العامة للتعليم من وزارة الداخلية لتصبح نواة قيام وزارة المعارف. ولكن الأمير عبدالله الفيصل - وزير الداخلية آنذاك - أبقى جهاز الإدارة العامة للرياضة البدنية والكشافة ضمن أجهزة وزارة الداخلية حيث عين الأستاذ عبدالحق مال مديراً لهذا الجهاز ومن المهام الأولى التي قامت بها هذه الادارة هو وضع أول نظام للحركة الرياضية والكشفية في المملكة.. وقام هذا النظام بتنظيم العلاقة بين الأندية والجهاز الحكومي الجديد كما كان من أوائل مهامها إنشاء الاتحاد السعودي لكرة القدم والاتصال بالاتحاد الدولي لكرة القدم لكسب الاعتراف الرسمي بالاتحاد السعودي. الشؤون الرياضية بدأت ب50 ألف ريال * عندما أنشئت إدارة الشؤون الرياضية بوزارة الداخلية كانت تستهدف - كما أشرت آنفاً - تنظيم وتطوير الأندية بصورة مباشرة كما نص على ذلك قانونها وتدبير شؤون الحركة الرياضية في جميع أنحاء المملكة طبعاً لم يكن إشرافها فقط على أندية المنطقة الغربية بل جميع المناطق صحيح أن الشؤون الرياضية لم تستطع أن تلبي الكثير من طلبات انضمام الأندية في الرياض والشرقية والمدينة وهذا يعود لسببين: * الإمكانات المتواضعة للشؤون الرياضية وهو ما تشير إليه ميزانيتها السنوية والتي قال لي عنها - والكلام على لسان الضيف - سمو الأمير عبدالله الفيصل: إنها لا تتجاوز ال50.000 ريال. * إن قبول طلبات الانضام يخضع لعامل النضج الفني وتحقيق شروط القبول منصوص عليه في اللائحة. الإنجازات في عهد الشؤون الرياضية * في ضوء الإمكانات المتاحة فإن الشؤون الرياضية استطاعت أن تحقق انجازات هامة.. فقد اشتركت المملكة العربية السعودية في الدورة العربية المقامة في الاسكندرية عام 1953م حيث مثلها عبدالحق مال مدير الشؤون الرياضية الذي خلف مصطفى منصور تمثيلاً إدارياً فقط.. وهذا أول اشتراك للمملكة في الدورات الرياضية.. طبعاً المال لم يمكث طويلاً في هذا الحقل فعين محمد الطرابلسي خلفاً له نظراً لانتقال أعماله من إدارة الجوازات.. فابتعثته وزارة الداخلية إلى مصر لمدة ستة أشهر للاطلاع على النظم الرياضية الحديثة مع دراستها على يد الاتحاد المصري واللجنة الأولمبية المصرية.. وعاد الطرابلسي وهو مدجج بمعلومات كثيرة عن الإدارة الرياضية.. وأجرى تنقيحات على النظام الأول وصنف الأندية إلى ثلاثة مستويات وفتح المجال أمام جميع الفرق كما شكل لجاناً رياضية أهلية في الطائف والمدينة المنورة بطريقة الانتخاب. * وأوفدت الوزارة برئاسة الأمير عبدالله الفيصل.. أول بعثة حكام إلى مصر ثم أعدت العدة لإقامة الدوري التجريبي الأول تمهيداً لإدخال نظام الدوري العام لأول مرة في المملكة على كأس جلالة الملك، وبطولة دوري الكأس على كاس سمو ولي العهد... ولم يجر الدوري التجريي على بطولة الدوري أو الكأس.. بل أجريت مبارياته بالنقاط لشحذ روح المنافسة والتجربة بين المتبارين.. كما استقدمت الإدارة المدربين عبدالرحمن فوزي ولبيب محمود من مصر للمشاركة في وضع لبنات الوضع الرياضي الجيد الذي كان يهدف إليه رائد الحركة الرياضية الأول حيث قاما بتدريب الأندية الكبيرة وأشرفا على أول دورة داخلية تقام في المملكة لتخريج حكام سعوديين في كرة القدم طبعاً كان التحكيم في تلك الحقبة موقوفاً على الحكام المتعاقدين وفوزي ولبيب محمود يعتبران أول المدربين المستقدمين من الخارج لتدريب اللاعبين السعوديين. تجربة جديدة * عقب نجاح الدوري التجريبي أصدرت الإدارة الرياضية في عام 1376ه قراراً رياضياً بعمل (فترة حرة) لاستقالات اللاعبين وانضمامهم.. وهي أول فترة نظامية حرة في تاريخ المملكة.. حيث خصص لها شهر ذي القعدة نصفه الأول استقالات ونصفه الثاني انضمامات.. يستقيلون من فرقهم إذا رغبوا وينضمون إلى فرق أخرى إذا رغبوا وكانت هذه الفترة عملية غربلة للأندية التي عادت فنظمت صفوفها تمهيداً للدخول في نشاط جديد وعندما أوشكت الشؤون على نشر جداول أول دوري في تاريخ المملكة دعيت إلى الاشتراك في دورة بيروت العربية عام 1957م بموافقة من سمو الأمير عبدالله الفيصل فتم تأخير الدوري هنية واشتركت المملكة بفريق كرة القدم وفريق تنس الطاولة. أسماء في الذاكرة * كان سمو الأمير عبدالله الفيصل حريصا على تنظيم أول مجلس إدارة في تاريخ الاتحاد السعودي لكرة القدم في20ربيع الثاني 1375ه تحت اسم اللجنة العليا لاتحاد كرة القدم (مجلس إدارة كرة القدم من السادة: الأستاذ إبراهيم إسلام، الأستاذ عبدالعزيز جميل، الأستاذ عمر شمس، الأستاذ حسين عرب، الأستاذ محمود عوض، الأستاذ عبدالله بحيري، الأستاذ عبدالمجيد شبكشي، الأستاذ خالد أبار، الأستاذ مصطفى كامل منصور. وفي الواقع أن ما يؤخذ على الاتحاد السعودي في ذلك الوقت أنه لم يقم بإنجازات تذكر ولم توضع له تشكيلات ولوائح تقنن أعماله وتحدد وظائفه ومهامه.. ولكن الحركة الرياضية الأهلية لم تستمر طويلاً في حوزة وزارة الداخلية فعندما صدر تشكيل وزاري جديد عام1380ه تولى سمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن (رحمه الله) وزارة الداخلية بدلاً من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل طبعاً الأمير الأمير مساعد بن عبدالرحمن رأى أن الأندية الرياضية ليست من مسؤوليات وزارة الداخلية وإنما هي أقرب لأن تصبح من مسؤوليات وزارة المعارف وإزاء ذلك تم نقل الشؤون الرياضية عام 1380ه تحت مظلة وزارة المعارف باسم اللجنةالرياضية العليا . ..يتبع