يدرك ولاة الأمر -حفظهم الله تعالى- أن على عاتق كل معلم أمانة تنشئة جيل يغرس بذرة التطور في جنبات هذه البلاد -حفظها الله تعالى- التي تنتظر بكل شغف ما سيقدمه هؤلاء الطلاب، ويترقبون كل ما فيه مصلحة أبناء هذا البلد.. ولكن أريد أن أضع نقاط المصداقية ونقيض العمل داخل أسوار المدارس من قبل شريحة من المعلمين وحديث المجالس وما يدور فيه من نقد و بلبلة وما شابه ذلك.. الأمانة قد انقرضت ولم يبق لها شأن يعرف في هذا الوقت وليس على حساب المعلمين فحسب بل الموظفين أيضاً.. ورسالتي ليست للمعلم الناجح أو الموظف الذي يدرك موقفه ويعرف مفهوم الأمانة فهو لا يحتاج إلى دليل أو توجيه أو تبصير، فهذا هو القدوة بمعناها الحقيقي والمعلم الناجح هو ذاك المعلم الذي يسعى دوماً لإرضاء ضميره أمام الله سبحانه وتعالى قبل كل شيء لإدراكه العميق بمعنى الإخلاص والمصداقية في العمل المتزن الذي لا يشوبه رياء أو مثالية مزيفة وتقديم كل ما هو جديد في تخصصه والبعد عن المضايقات النفسية للطلاب، فهو يدرك أن هؤلاء مازالوا في طور التعلم ويحتاجون إلى معلم سمح وانبساطي في التعامل وليس أسلوب التحقير والازدراء يأتي بصورة مع الطلاب وصورة أخرى مع مدير المدرسة وهؤلاء هم الدخلاء على بئيتنا التعليمية للأسف. لقد أصبحت مهنة التدريس مهنة تجارية للأسف من قبل بعض المعلمين وهذه هي الطامة الكبرى إن لم يتدارك الأمر من قبل وزارة التربية والتعليم.. لنأخذ شريحة من معلمي مادة اللغة الإنجليزية الذين أجدهم بكثرة في ساعات الذروة الذين هم شريان المجتمع الحالي، كثير منهم للأسف قد سخر نفسه بالمرابحة مع الطلاب وجعل التدريس مهنة تجارية ونسي أنه لم يوضع في هذا المقام إلاّ لهدف يسمو بالرقي بالطلاب نحو المسؤولية تجاه بلدهم الذي يتعطش لرويتهم نحو مستقبل مشرق. لنأخذ المعلم هذا قبل الامتحانات ونشر الإعلانات في كل حدب وصوب كما سطرها لنا هاجد في عدد الجزيرة 11783 الموافق 20-11 وهذا والله هو الحاصل والمعمول به على مرأى الجميع دون رقيب أو حسيب.. والبعض منهم يتعمد صعوبة الأسئلة في أعمال السنة حتى يجبر الطالب بالالتحاق بالدروس الخصوصية، وبعبارة أخرى (شبح المنازل) وهذا هو الحاصل في هذه الأيام وقد شمروا سواعدهم للمنافسة على حساب أبنائنا الطلاب، ولماذا يلجأ المعلم لهذه الطريقة ؟. في الحقيقة هي لعبة يلعبها على الحبلين حبل المثالية أمام مدير المدرسة الذي سوف أتطرق له في نهاية المطاف وحبل التخويف للطلاب بالرسوب إن لم يلتحقوا بهذه الدروس وهذه ليست صورة مبالغ فيها أبداً والواقع يقول كذا!!.. وهناك تناقض كبير من هؤلاء المعلمين الذين يتسارعون من أجل كسب أكبر عدد من الطلاب ويفتحون أبوابهم على مصراعيها ليل نهار، واستقبال هؤلاء النشء من أجل وسخ دنيا لساعات متأخرة من الليل.. فكيف بك أن تشرح لطالب لا يعرف القراءة ولا الكتابة ولا يعرف يفرق بين قواعد الصوتيات ولا ضمائر الفاعل التي يبني عليها الجملة في هذه المادة التي تحتاج إلى شهور لكي يستوعب الطالب الشرح، فهي ليست وليدة اليوم! وقد تكون عبارة عن ساعات قبل بدء الامتحانات وأحياناً بعد صلاة الفجر مباشرةً !! كيف يستوعب الطلاب المنهج كاملاً في الساعات المحدودة آنفة الذكر؟.. نجزم جميعاً أن سياسة التلميح تلعب دوراً كبيراً هنا، وهذا هو المغزى من هذا كله. إذاً الهدف ليس إيصال المعلومة فحسب بل أمور تجارية لا غير، وهناك آخرون منهم للأسف مازالوا ينتهجون هذه الطريقة العقيمة والمخجلة أمام الضمير الإنساني، وعندما نسأل عن مستوى أبنائنا نجد أن هناك مرضاً يدعى (الدروس الخصوصية أو كما يحلو أن نسميه شبح المنازل) ينتظرهم، وقد اعتمد كثير من الطلاب على هذا الأسلوب العجرفي.. ويجب على جميع شرائح المجتمع أن يجتثها من جذورها، علينا أن نتدارك الخطر قبل وقوعه. والنقطة الأخرى التي تتسم بالأمانة المفقودة وهي أن بعض المعلمين يجعلون من الطالب الصالح والطالح سواء في التميز، وتجد أن معنى التفوق معدوم في نفسيات الطلاب المتميزين، إن العدل والإنصاف في توزيع الدرجات يعتبر أمانة أيضاً، وهذا موضوع جانبي فلا يستحق كل طالب خمس درجات من أعمال السنة، فهناك الفروق الفردية بينهم وهناك التميز وهناك الجدية في تلقي العلم وهكذا.. ومما يؤسف له أن ولي أمر الطالب الذي يعتبر المحور الأساسي في بناء لبنة التعليم كثير منهم للأسف لا يهتم بأبنائه كثيراً ولا يعلم أين يدرس ابنه وفي أي مرحلة وأي صف وهذا هو الحاصل.. وولي الأمر للأسف يبحث عن الدرجات ولا يهمه المستوى، فالدرجات أعمت أبصارهم 14- 15 ترضية ويكون المعلم معلماً ناجحاً ومثالياً في نظره، لكن أقل من عشرة يعتبر المعلم فاشلاً وعديم الأمانة في نظره القاصر المتدني، وهناك تناقض كبير، فإذا أخذنا ذلك أن بعض المعلمين هداهم الله يلجأون إلى هذا المنوال لكي يكسبوا ولي الأمر وكذلك من الملاسنة ويحمي نفسه من ذلك والبعد عن حشرجة إجازة الصيف من تصحيح وما شابة ذلك.... والأمانة وأداؤها تبقى للضمير الحي وعند نهاية الدراسة تجد الكثير منهم قد أرخى سدولهم عند باب المدرسة للسؤال عن ذلك المعلم الذين لم يسعف أبناءهم بالنجاح ويعتبر معلماً فاشلاً ولا يجيد التعامل مع الطلاب، وهكذا من ويلات الكلام والقيل والقال.. وهنا سؤال يطرح نفسه أين أنتم في بداية الدراسة؟.. ولماذا لا يسأل أحد عن ابنه؟.. لماذا الاتكالية على الغير تجارة - استراحات - عقارات - مضاربات في الأسهم.. نعم هي الحقيقة لا غبار عليها.. هنا نصيحتي لهؤلاء أن يتابعوا أبناءهم أولاً بأول ولا يغتروا بالدرجات المزيفة والخداع الكاذب، فكل هذه الدرجات أسلحة خفية من قبل المعلمين لكي يحموا أنفسهم من ويلات الملاسنة والشكوى وما شابه ذلك. وهنا سؤال يدور في ذهن القارئ الكريم.. أين دور مدير المدرسة في هذه الحالة؟.. نقول إن بعض المديرين يغط في سبات عميق، وقد أنسجت عليهم خيوط العناكب وهم آخر من يعلم.. وهؤلاء قد تكالبت عليهم المثالية للأسف والابتسامة المصطنعة التي يرجى من ورائها مصالح شخصية من قبل شريحة من المعلمين ونسوا أن الذي يعتبر في قمة الهرم التعليمي هو الطالب بحد ذاته الذي بحاجة ماسة إلى وقفة صادقة من إدارة المدرسة من إقامة مجلس الأباء قبل الامتحان حتى يعرف أولياء الأمور مستوى أبنائهم، ولكن للأسف إن بعضاً من مديري المدارس يتهرب من الحقيقة حتى لا ينكشف غطاء التلاعب وعليه تقديم كل ما هو جديد والحديث عن مدير المدرسة والتشجيع والتحفيز لهم من هدايا وما شابه ذلك، وهؤلاء ينتظرون الجديد بكل شغف وطول نفس. نعم الأمانة إذا عدمت في المجتمع ليس لها بديل يذكر وليس هناك أمر يمكن أن يجاري الأمانة، الحقيقة التي راح ضحيتها أجيال من شبابنا ومازالوا في المرحلة الثانوية والجامعية يواجهون المُر والعلقم من صعوبات التعلم بشتى تخصصاتها ويعضون على أصابع الندم على الأيام الخوالي.. والمسؤول الأول والأخير هو المعلم بما تعنيه الكلمة ولا يحتج بعدم تهئية الجو المناسب والظغوط، أجزم أن كل معلم لدية فائض من الحصص وإن لم يكن فعليه مراقبة الضمير قبل كل شيء والله يجازي من أحسن عملاً. يقول الله سبحانه تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)} سورة الأحزاب.