ما أجمل أن يعيش الإنسان مع المبادئ والمثل ليل نهار يتغذى بالأخلاق الحسنة ويتنفس البقاء والأمل لا يغير جلده أو يلبس قناعاً مزيفاً يرائي به غيره .. ولكن ماذا لو تخلى الإنسان عن تلك المبادئ والمثل؟ أتراه يحيا حياة سعيدة هانئة؟ أتراه يرقى إلى سلم العلا والرفعة؟ ويصل إلى مراتب الشرف والمجد؟ هناك من لديهم ضمائر ميتة لم يحلقوا في عالم المثل والمبادئ هؤلاء .. يعيشون عيشة الألم، فالليل بالنسبة لهم أرق والنهار ما هو إلا كد ونكد لأن الحياة لا تمثل لهم سوى الراحة والأمان، المادة والمال، المنصب والأولاد، السلطة والجاه مع كونها قشوراً زائلة وسراباً خادعاً!! وعلى النقيض تماماً هناك من يحملون بين جوانحهم قلوباً نقية صافية وعقولاً نيرة وضمائر حية .. هؤلاء الحياة بالنسبة لهم حب صادق، أخذ وعطاء، تضحية وبذل .. ثقة وطمأنينة .. الحياة أيضاً لهؤلاء أولها قناعة وآخرها هناء وراحة متمثلين قول الشاعر: هي القناعة فالزمها تعش ملكاً لو لم يكن لك منها إلا راحة البدن فالقناعة راحة للبدن وسعة في الرزق وإحساس بالخير يخطو صاحبها وكل قوافل الثقة تسير خلفه، وشريان الحلم يغذي خياله، يسافر به عبر الزمن بلا حدود ليصل إلى ما يريد بأمن وسلام!!! مسكين من لم يحلق في سماء المثل والمبادئ والأخلاق!! إنهم دخلوا الحياة وسيخرجون منها دون أن يعرفوا أجمل وأرق ما فيها لأن صدورهم الضيقة المسجونة في قيد البغض والحقد وحب الحياة لم تترك لهم مجالاً ليروا الوجود جميلاً والحياة هنيئة .. فقد اختُطفت منهم السكينة الهادفة، وأحيلوا إلى أشلاء في أتون الظلام .. إن هؤلاء بحاجة إلى أن تشرئب نفوسهم بمنارات المثل والمبادئ لتضيء لهم الأمل في دروب لم يعرفوا فيها سوى العتمة. إن هؤلاء ما زالوا يلوكون الكسل ويلفظون الإهمال، أفعالهم تلك يمجها ذوق الإنسان المسلم، بل إن الشمس لتغمض عينها أسفاً وهي ترى تلك المثل الخيِّرة وهذه الأخلاق الفاضلة قد اندثرت من الوجود وتوارت خلف أقنعة الزيف والخداع والتملق للآخرين .. ليس ثمة أروع من أخلاق حسنة ومبادئ سامية ونفوس مطمئنة واثقة راضية بما أعطيت وما أقسى أن تُفقد تلك الأخلاق، حينها نرتطم بجبل ثلج يدمر دفء قلوبنا ويشعرنا بخيبة الأمل فتكون حياتنا عناء بلا راحة وظمأ بلا ظلال!! إن من يستغني عن المثل العليا يصبح كنخلة خاوية صلبها الدهر فلم يعد لها حراك، بل إن براثين الطغيان المتأرجحة على جماجم أولئك شوهت الأخلاق الجميلة والصفات الإنسانية الرائعة فاختفت أهازيج الفرح وتعمقت روح المعاناة لتخلق نوعاً من الآلام والآهات في حياتهم!! إن الإنسانية الحقة أن نبحث جاهدين عن مبادئ دينا السمحة وعن أخلاقنا الحسنة وأن نزين بها نحورنا وأن نقول لأولئك المهتمين بالحياة والغارقين في وحلها .. خذوا عالمكم لا نريده!! اشبعوا بالمادة!! اغرقوا في طينها ووحلها فنحن والحمد لله لا نعرف السباحة في الوحل. سنحافظ بكل ما نستطيع على مبادئنا ونحلق في سماء التفاؤل والمثل وستظل الأخلاق سقاؤنا والحب أنيسنا والقناعة كنزنا والمبادئ غطاؤنا حتى تبحر سفينتنا وتصل إلى شاطئ الأمان بكل اقتدار دون أن تتقاذفها الأمواج وتدفع بها الظروف والأقدار كيفما تشاء!!! فهنيئاً لمن كانت المثل العليا قرينته والأخلاق الحسنة ديدنه متمثلاً قول الشاعر: فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فمن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا