على مدى أكثر من ألف عام عاشت أوكرانيا في ظل روسيا. ولكن معركة الانتخابات الرئاسية التي شهدتها أوكرانيا على مدى أكثر من ستة أسابيع ووصلت نهايتها في السادس والعشرين من ديسمبر أظهرت أن الأوكرانيين أداروا ظهرهم لموسكو. وقد أصبحت أوكرانيا وهي (الأخ الصغير) لروسيا تنظر غربا في اتجاه الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. فقد أسفرت الجولة الأخيرة من انتخابات الرئاسة عن فوز زعيم المعارضة الموالي للغرب وهو فيكتور يوشينكو على حساب منافسه رئيس الوزراء الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا والذي سبق إعلان فوزه في الانتخابات في نوفمبر الماضي قبل أن تلغي المحكمة العليا نتيجة الانتخابات بدعوى وجود تلاعب وتزوير كبيرين فيها. والحقيقة أن النتائج الأخيرة للانتخابات وفوز يوشينكو يشكل إهانة بالغة لكل من يانوكوفيتش والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على السواء. فالأمر لم يقتصر فقط على نجاة مرشح المعارضة الفائز من محاولة قتل بالسم خلال احتدام معركة انتخابات الرئاسة قبل الجولة الثانية التي أجريت في نوفمبر الماضي ووجه الاتهام فيها إلى خصومه السياسيين ولكن أيضا احتشد عشرات الآلاف من الأوكرانيين في شوارع العاصمة كييف من أجل الاحتجاج على إعلان فوز يانوكوفيتش المزيف في جولة نوفمبر الماضي. واسم أوكرانيا يعني (أراضي التخوم). فمنذ القرن العاشر الميلادي أصبحت أوكرانيا بمثابة حدود روسيا الأساسية. وعندما انهارت الإمبراطورية الروسية في أعقاب قيام الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917 انتعشت آمال القوميين الأوكرانيين في الخروج من فلك روسيا وظهور هوية مستقلة لهم. ولكن سرعان ما نجحت قوات الجيش الأحمر الروسي الشيوعي في السيطرة على أوكرانيا وإجبارها على الانضمام إلى الوريث الشرعي للإمبراطورية الروسية وهو الاتحاد السوفيتي في مطلع عشرينيات القرن العشرين. وعندما قامت الحرب العالمية الثانية ووصلت القوات الألمانية النازية إلى أوكرانيا رحّب الوطنيون الأوكرانيون بهذه القوات باعتبارها قوة تحرير من القمع الستاليني. ولكن الرهان كان خاسرا وانتهت الحرب العالمية الثانية بموت أكثر من ستة ملايين أوكراني. وكان انفجار مفاعل تشيرنوبيل النووي في أوكرانيا في العصر السوفيتي عام 1986 قد أجّج المشاعر المعادية للروس لدى الأوكرانيين. ثم جاء انهيار الاتحاد السوفيتي بعد ذلك بخمس سنوات لتعلن أوكرانيا استقلالها بعد أكثر من ألف عام من التبعية لروسيا. ولكن الآمال الشعبية في استقلال حقيقي لم تتحقق. فالعلاقات الاقتصادية والسياسية بين موسكو وكييف ظلت كما هي تقريبا. وغرقت أوكرانيا على مدى السنوات الثلاث عشرة التي أعقبت الاستقلال عام 1991 في مستنقع فوضى سياسية واقتصادية بسبب الصراع على النفوذ الروسي. وزاد من تعقيد الصراع اعتماد كييف على إمدادات الطاقة القادمة من موسكو. ومن الواضح أن نتيجة الانتخابات الأخيرة كشفت الانحياز التام لكييف إلى جانب أوروبا والغرب على حساب علاقتها التقليدية مع موسكو. في الوقت نفسه فإن توسيع الاتحاد الأوروبي في مايو الماضي وضم ثماني دول من شرق ووسط أوروبا بما في ذلك دول مجاورة لروسيا مثل بولندا يعني وصول منطقة النفوذ الأوروبي إلى حدود روسيا. ولكن ظلال التاريخ ما زالت باقية في سماء أوكرانيا. فمنذ منتصف القرن السابع عشر كانت أوكرانيا وعلى مدى قرن كامل تقريبا مقسمة بين روسيا وبولندا وهو التقسيم الذي لا يزال قائما تقريبا. فرئيس الوزراء يانوكوفيتش يحظى بدعم كبير في شرق أوكرانيا القوي اقتصاديا والذي تسكنه أغلبية تتحدث الروسية. ورغم خسارة معسكر يانوكوفيتش الانتخابات فإن مستقبل أوكرانيا ما زال في يد هذا المعسكر الذي يملك وحده منح الرئيس الفائز يوشينكو الفرصة للانطلاق بالبلاد في طريق الرخاء.