* أزعم ان هناك عزوفا من لدن بعض كتابنا عن الخوض في مسائل فكرية تتجاوز أفق الاهتمام العام بالشأن المحلي، وهم يستلهمون مادتهم من تداعيات محلية تتصل بهموم المواطن واحتياجاته، ولذا تتجه أقلامهم صوب الأجهزة البيروقراطية، وخاصة تلك المتصلة بالمواطن مباشرة. *** ومع التقدير سلفا لهذا النوع من الطرح، والتسليم بأهميته في كثير من المواقف من جهة، وضرورتها لهياكل البنية الادارية: أجهزة وأداءً وأفرادا، من جهة أخرى، الا ان هذه المشاركات تبقى في ظني المتواضع بعيدة عن الإثراء الفكري المقصود. *** وبمعنى أكثر دقة، أقول انه ليس كل من خاض في شؤون بيروقراطية الشأن (العام أو الخاص) مفكرا، وليس كل ما يكتب في هذا النطاق فكرا, هذا لا ينفي الحقيقة القائلة بأن كثيرين ممن يحتلون ساحة الابداع الفكري في بلادنا، -وهم قلة على أي حال،- دخلوها عبر بوابة الخطاب المحلي ، ان صح التعبير، تناولوا من خلاله هموم المواطن وتطلعاته، طمعا في الإصلاح والارتقاء بخدمات الأجهزة المعنية الى ماهو أفضل,, ورغم ذلك كله، يبقى هذا الخطاب مشحونا بالنزعة البرجماتية الإصلاحية، وليس فكرا، يشبع فضول العقل,, ويستنفر طموح المفكر. *** المحطة الثانية: * هناك قراصنة فكر,, مثل قراصنة المال والعرض والحريات، والمضحك المبكي معا في عمليات السطو الفكري مقولة يرددها ابطال هذا الفعل المهين عند تماثل نَصّ أحدهم مع نَصّ آخر سبقه في الظهور، فيقول ان هذا التماثل يدخل في باب توارد الخواطر ، ومقولة كهذه هي دون شك مغالطة مكشوفة، وتبرير للذنب بأسوأ منه! *** الجميع يدرك ان ما يسمى بتوافق أو توارد الخواطر أمر وارد بالنسبة للأفكار في عموميتها المطلقة، لكنه غير وارد مطلقا بالنسبة للألفاظ والحروف وعلامات التعجب والاستفهام! انني أدعو باسم الكلمة المثقفة في هذا البلد، ان تبادر الجهة المسؤولة في الدولة الى حماية الكلمة من زلة الاغتصاب لها من قبل فئة من الناس استغلوا طيبة ابن هذا البلد أو جهله أو كليهما في تبرير او تمرير محاولاتهم التي تنكرها كل الأعراف. وحمدا لله بعد كل شيء ان في هذا البلد من يقرأ فيتذكر، ويملك الشجاعة والفضيلة ان ينكر المنكر، ويوصي بالمعروف! *** المحطة الثالثة: * اهدتني الكاتبة الصحفية الاستاذة هداية درويش سلمان نسخة من بِكرها القصصي المسمى اغتيال ، وهو عنوان القصة الأولى في الكتاب. وقد سعدت بقراءة هذه المجموعة القصصية، وكان مصدر سعادتي أمرين: اولهما: الاكتشاف بأن الكاتبة تجيد الركض في مسار القصة ، ترسم من خلالها لوحات جميلة لهموم الناس! والثاني: شفافية العرض، حتى لقد خيل الي وانا اقرأ القصة الأولى اغتيال ، وكأنني استمع الى زفرات نورة المغلوبة على مصيرها تخترق فضاء الوجدان,, تارة تستسلم صابرة لعربدة محمد وتناقضاته,, أملا في غد معه أسعد حالا,, وأخرى تستصرخ صبرها ألا يزين لها البقاء داخل جدران ذلك المعتقل المترف الذي سيقت اليه باسم الزواج! *** وأتساءل عن المتسبب في اغتيال سعادة نورة: أهي الأخت الكبرى التي حرضتها على القبول بمشروع الزواج رغم صغر سنها، ورقّة عودها,, وبراءة وجدانها، أم الأهل,, الذين لم يمارسوا بديهية السؤال المسبق تعرفا على هوية محمد,, سِنّاً وطبعاً وسلوكا,, قبل ان يلقوا بابنتهم بين مخالبه,, ليغتال فيها ابتسامة الربيع، والرغبة في عقد مصالحة مع الزمن!! *** المحطة الأخيرة: * طُلب مني مرة أن أبدي رأيا حول الملاحق الأدبية التي تجتهد في طرحها بعض صحفنا المحلية، ورغم انني لست مؤهلا لطرح رأي كهذا، الا انني لم اتردد في القول بأن الملاحق الأدبية مفيدة لا ريب، لكن يمكن ان تؤتي ماهو أفضل: * اذا نأت عن الحشو واجترار مسائل عافها الناس سمعا وقراءة. * اذا اجتهدت في استنباط قضايا جديدة أكثر التصاقا بهواجس الفكر,, والمفكرين، واستقطبت لهذا الغرض كتابا وكاتبات لهم حضور مبدع في الساحة.