يشكل الموظفون العموميون في الأجهزة الحكومية نسبة ضئيلة في حجم القوى العاملة، إذ لا تتجاوز نسبتهم (12%) من العدد الإجمالي للقوى العاملة في المملكة ووفقا للكتاب الإحصائي السنوي رقم (39) الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة فإن إجمالي العاملين في القطاع الحكومي بلغ (746) الفا، منهم (677) ألف سعودي يشكلون نسبة (90%) و(69) ألفا غير سعودي يشكلون نسبة (10%). وإذا كان الموظفون في الدولة يعتمدون (100%) في مصادر دخلهم على الراتب الشهري، فإن تطلعهم الدائم إلى الحصول على الحوافز يأتي في مقدمة اهتماماتهم الوظيفية، لاسيما ممن يشغلون تلك الوظائف الواقعة في المراتب الدنيا من السلم الوظيفي أو وظائف المستخدمين أو وظائف بند الأجور، ممن لا يتجاوز الحد الأدنى فيها للراتب (1500) ريال، وإذا كانت رواتب موظفي الدولة تشكل نسبة ضخمة جدا من اعتمادات الميزانية، فإن ذلك يعتبر أمراً طبيعيا لأن هذه الرواتب تمثل وجهاً من أوجه النفقات العامة، ولهذا يعتبر الباب المتعلق بالرواتب من أهم أبواب الميزانية، لما تشكله تلك الرواتب من اعتبارات مالية ونظامية واجتماعية، فهي الأساس لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة لجزء كبير من الموظفين، كما أنها ذات تأثير كبير في الوضع الاقتصادي بشكل عام. وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن موضوع زيادة الرواتب، وبدأ الكل يتطلع إلى ما سوف تسفر عنه هذه الأماني وهذه الشائعات فأصبح الموظف حائرا بين أن يعيش في أحلامه بتحقق هذه الزيادة وبين كسر خاطره بعدم تصديقها!! إن موظفي الدولة لم تمر بهم مثل هذه الأحلام وهذه التطلعات نحو زيادة الرواتب، ولعل ما دفعهم أكثر إلى ذلك، هذا الحديث عن الفائض العام في الميزانية وهذه المكرمة التي تفضلت بها الدولة - أيدها الله - نحو زملائهم العسكريين بمنحهم راتب شهرين، وإن كان الجميع يدرك أن هؤلاء يستحقون أكثر بعد هذا الجهد وهذا التفوق في خدمة الوطن وتحقيق أسباب الراحة والأمن للمواطن، لكن لسان حال الموظفين (المدنيين) يقول: نحن لا نحسد هؤلاء إطلاقاً، وإنما نرجو أن يعمنا الخير والبركة معهم. إن آخر زيادة في الرواتب كانت عام 1401ه، وآخر تعديل للسلم الوظيفي حصل عام 1415ه عندما تفضل خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وأصدر أمره الكريم بإضافة خمس علاوات على سلالم الرواتب الوظيفية مما كان له أبلغ الأثر في نفوس الموظفين، وفي استقرار الوضع الوظيفي. ويدرك الجميع أنه خلال السنوات الماضية حصلت تطورات وتغيرات اقتصادية اصبح فيها الموظف عاجزاً عن الوفاء بالتزاماته لاسيما مع تدني مستوى التعيين في الوظيفية نتيجة تزايد الإقبال عليها، وبقاء الموظف دون ترقية سنوات طويلة تجعله يتوقف عن الحصول على العلاوة الدورية مما يجعله كثير التطلع إلى زيادة الراتب. فهل الزيادة مناسبة الآن؟ وما الأفضل في تحقيقها؟ وكيف تكون الزيادة مفيدة لذوي الرواتب القليلة؟ يجب أن ندرك أولا أن زيادة الرواتب ولو بنسبة ضئيلة جداً ستكلف الميزانية أرقاما ماليا كبيرة، وسيكون لها تأثير مباشر في زيادة بعض الأسعار، ولهذا لابد من دراسة واقعية للموضوع. فلو زيدت الرواتب مثلا بنسبة (25%) فمن المستفيد هنا؟ هل هو الموظف الصغير الذي يتقاضى راتبا بين (1000 - 4000) ريال، أم الموظف الكبير الذي تجاوز راتبه (15000) ريال؟ أوجدوا مقارنة في هذا لتعرفوا الفرق كم هو كبير؟!! إن الموظفين في المرتبة العاشرة حتى الأولى يشكلون نسبة (83%) من إجمالي عدد الموظفين، وهؤلاء هم الذين يجب أن يتجه القرار لخدمتهم. إن الجميع يتطلع إلى زيادة الرواتب لكن يجب أن تكون هذه الزيادة مدروسة بحيث يستفيد منها كل الموظفين بشكل جيد، لأن تحقيق الزيادة بالنسبة المئوية لا يخدم صغار الموظفين ممن تستهدفهم الزيادة أصلا، وبالتالي يشكل ذلك زيادة أعباء عليهم. لابد من إيجاد توازن في ذلك، مع الحرص على مراعاة العدد الأكبر من الموظفين وهم من يقعون في منتصف السلم الوظيفي. ومن هذا المنطلق فإن الأخذ بزيادة الراتب وفقا للنسبة المئوية العامة ليس هو المناسب، ولا يحقق الغرض. إن الأفضل في تقرير الزيادة أن تكون من خلال تعديل وإحداث البدلات، بحيث تصرف للجميع بصورة متقاربة، مع مد درجات السلم الوظيفي إلى خمس درجات، وذلك على النحو التالي: أولا: بدل النقل الشهري: أليس يصرف للجميع ما بين (400 - 600) ريال بمبلغ ثابت؟ لماذا لا يرفع هذا البدل ليصبح (800 - 1200) ريال حسب المرتبة وبنفس المقياس السابق. ثانيا: إيجاد (بدل خاص) تحت أي مسمى، يوزع إلى ثلاث فئات، ويصرف للجميع بصرف النظر عن المرتبة التي يشغلها الموظف، وذلك وفق الآتي: الفئة الأولى: من لهم خدمة عشر سنوات فأقل (1500) ريال. الفئة الثانية: من لهم خدمة من عشر سنوات إلى عشرين سنة (2500) ريال. الفئة الثالثة: من لهم خدمة أكثر من عشرين سنة (3000) ريال. ولو ضربنا لذلك مثلا لتبينت الصورة أكبر. فالموظف الذي بالمرتبة السادسة الآن بالدرجة السابعة راتبه الأساسي (5195) ريالاً، مع بدل نقل (600) ريال، يتقاضى شهريا (5328) بعد خصم مستحقات التقاعد، ولو أضفنا له زيادة في الراتب مقدارها (25%) لأصبح راتبه الأساسي بنفس الدرجة =(6493) ريالا، فيكون مجموع ما يتقضاه مع بدل النقل - (6509) ريالات، فالزيادة التي يحصل عليها في دخله الشهري تعادل (22%) بمبلغ (1165) ريالاً. بينما لو عاملناه وفق المقترح المطروح هنا فسيكون راتبه على النحو التالي: الراتب الأساسي = (5195) + (1200) بدل نقل + (1500) بدل خاص يكون صافي الدخل الشهري بعد خصم مستحقات التقاعد - (7428) ريالا، وهذا يعني أن دخله زاد بمقدار (2100) ريال، أي بمعدل (40%) تقريبا. وهكذا الحال كلما قلت المرتبة كانت الزيادة أكثر، وقد تصل الزيادة لمن يشغلون المرتبة الأولى والثانية أو مراتب المستخدمين أو فئات بند الأجور ستصل نسبة زيادة دخلهم لأكثر من (60%) دون تأثير على الوضع العام في السلم الوظيفي. ولو قارنا هذا بموظف يشغل المرتبة الثالثة عشرة بنفس الدرجة وله خدمة أكثر من عشرين سنة لوجدنا ما يلي: الراتب الأساسي الحالي = (13435) + بدل نقل (600) وصافي دخله الشهري - (12826) ريالا بعد خصم مستحقات التقاعد. لو زاد راتبه (25%) لأصبح دخله الشهري = (15282) ريالا، بمعنى أن نسبة الزيادة التي تحققت في دخله فعلا = (19%) فقط. اما مع الزيادة المقترحة في البدلات فسيكون وضعه كما يلي: الراتب الأساسي (13435) + (1200) بدل نقل + (3000) بدل خاص يكون صافي الدخل الشهري - (16426) ريالا بعد خصم التقاعد، وهذا يعني أن دخله الشهري زاد بمقدار = (3600) ريال ، أي بمعدل ((28%) فقط أيهما هنا أكثر استفادة؟ أليس الذي في المرتبة الادنى هو الأكثر دون أن يضر الإجراء بشاغلي المراتب العليا..؟ حيث سيحقق لهم ذلك في النهاية زيادة أكثر من المعدل المقترح (25%).. فنحن هنا أبقينا على نسبتهم أو تزيد، وبنفس الوقت رفعنا مستوى ذوي المراتب الأقل. وهذا ينطبق على جميع الموظفين من ذوي الكادرات الخاصة كالخاضعين لنظام القضاء ونظام هيئة التحقيقة والادعاء العام وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات والوظائف التعليمية والوظائف الصحية وغيرها. إن هذا المطروح سيحقق نتائج إيجابية، أهمها: 1 - أن الاستفادة ستكون شاملة وفقا للحد الثابت من الراتب الأساسي لكل موظف، أي أن الزيادة هنا فيها تناسب عكسي وفقا للمرتبة. 2- أن التعديل في البدلات قابل للتصرف فهو غير ملزم عند حصول أي ظرف طارئ في الميزانية لا سمح الله، بخلاف ما لو كانت الزيادة في الراتب الأساسي، حيث لا يمكن فيها التعديل. 3 - أن هذه الزيادة في البدلات لا تحمل صندوق التقاعد أي مبالغ، كما أن مجموعها العام وإن كان يبدو في الظاهر أنه أكثر، سيكون أقل مما لو كانت النسبة بالثابت (25%). 4 - أن هذه المعادلة عالجت موضوع ثبات بدل النقل، والذي كان قائما من سنين طويلة وفق القيمة التقديرية للمواصلات، بينما هو لا يمثل الواقع ولا قريباً منه لأن المبلغ المحدد في السلم كان على قياسات عام 1401ه أي قبل أكثر من أربع وعشرين سنة. 5 - أنه تم استحداث بدل جديد، وهذا يؤخذ به في جميع الدول، بل إن سلم الوظائف العسكرية بالمملكة يأخذ بتنوع البدلات. 6 - تحفيز الموظفين على تقديم الأفضل من خلال تحقق الرضا الوظيفي. 7 - أن مد السلم لخمس درجات أخرى سيخفف الضغط على طلبت الترقية، ومن حصول تضخم في الإدارة المتوسطة والعليا، بدأت آثاره السلبية تظهر على الهياكل التنظيمية للأجهزة الحكومية، وقد يصعب التخلص منه. أرجو أن أكون قد وفقت في هذا الطرح، وإن كنت أدرك أن الأمر قابل للنقاش، وأن ما يطرح لا يعني التسليم به، وإنما هي مجرد استنتاجات لما قد يدور في الأذهان، وما يدفع إلىذلك هو هذا الشعور لدى الجميع من حرص الدولة - أيدها الله - على رفاهية المواطن وتحقيق تطلعاته، فهذه واحدة من القضايا التي ركز عليها خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني - حفظهم الله - في أكثر من مناسبة باعتبار راحة المواطن عندهم هي الهدف. وبالله التوفيق. سليمان بن محمد الجريش