يظل الأمن هاجس الأفراد والمجتمعات في كل مكان، وفي كل زمان، لأنه هو الذي يمنح الحياة قيمتها، ويحفظ سلامتها، وبدون الأمن لا يهنأ الإنسان بسكينة ولا بطعام، يقول تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، ولذا أوجب الله عز وجل للأمة المسلمة أن تبايع قيادة تحقق لها هذا الأمن، فجعل طاعة ولي الأمر من أوجب الواجبات، وفي الجانب الآخر أدرك ولاة الأمر الحكماء أهمية الأمن لرخاء شعوبهم فعملوا بكل طاقتهم لتحصيله. لقد حظيت المملكة العربية السعودية بقيادة رشيدة أدركت المعنى الحقيقي للأمن، وعرفت الطرق الصحيحة لتحقيقه، وهذا الأمر لا يحتاج إلى تأكيد لكن دعونا نؤكده لتطمئن قلوبنا، ولتكن البداية من تلك الكلمة الموجزة التي ارتجلها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني في معرض استقبال سموه في مكتبه برئاسة الحرس الوطني بالرياض قادة وضباط الحرس الوطني إضافة لعدد من المسؤولين الذين قدموا للسلام على سموه وتهنئته بشهر رمضان المبارك، قال سموه: (المملكة ولله الحمد وبإرادة الله عز وجل هي الآن بوجود بيت الله الحرام ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم هي قبلة المسلمين وهي ولله الحمد تقوم بدور إيجابي نحو إخوانها المسلمين في أنحاء العالم.. وهذا واجب عليها ولا قصرت من المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز إلى الوقت الحاضر، أبناؤه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد وخادم الحرمين الشريفين ولله الحمد أدوا واجبهم نحو دينهم ووطنهم وهذا واجب عليهم). كلمات مخلصة من رجل أمين صادق مؤمن تبعث الطمأنينة في قلوب الرعية، وتشي بنبل توجه المسؤولين وحرصهم الشديد على لحمة الأمة، وتمسك وثيق بعروة الإسلام الوثقى. لقد كانت كلمات واثقة مطمئنة ونابعة من عميق شعور بالثقة والإيمان بقدرة الله وبأنها الطريق للنصر بقيادة أسرة فاضلة كان لها عبر مسيرتها الخيرة أطيب الأثر وأعمق الدلائل على حرصها الأكيد على وحدة الأمة، والاعتماد على الله أولاً وعلى الذات ثانياً.. وكان حديث سموه يشير إلى أهم الأمور التي نعيشها الآن، والظاهرة الغريبة التي نشاهدها بدهشة وتبعث على التساؤل: لماذا تأتي هذه الأحداث في هذا الوقت بالذات والأمة العربية والإسلامية تتعرض لأقسى وأبشع الهجمات على الدين وعلى المجتمع العربي والإسلامي من قبل أعداء الله والإنسانية؟. ولماذا يوجد بين ظهرانينا من يسقط في مستنقع الضلال ويساهم في تشويه صورة الإسلام وصورة الإنسان المسلم الذي كان مثالاً للأخلاق الإنسانية وشواهد التاريخ ناصعة تثبت ذلك بالحجة واليقين؟.. ولأنها ظاهرة غريبة عن ديننا وقيمنا وأخلاقنا ومجتمعنا فقد حرص سمو ولي العهد على أن يشير إليها من خلال كلمته الموجزة التي عبر بها عن عمق الفكر السعودي في طريقة مواجهة ذلك الانحراف، ونحن نتابع المجريات على الأرض، ونتابع قدرة قوات الأمن السعودية في ملاحقة ومتابعة الأشرار الضالين الذين يعيثون فساداً ويقتلون النفوس التي حرم الله دون وازع من ضمير، ودون أدنى شعور بالمسؤولية. كلمات عميقة الأثر وعميقة المعاني، تبعث في دواخلنا رغبة أكيدة لدراسة هذه الظاهرة دراسة علمية معرفية، إذ ليس المهم فقط متابعة الضالين والقضاء عليهم بل الأهم أن نبحث عن جذور هذه المشكلة ونعالجها كي نعمل على بترها واجتثاثها من جذورها لأنها بالأصل جسم غريب مريض في جسد صحيح معافى. وهي ظاهرة غريبة لم يعرفها المجتمع السعودي توجهاً أو منهجاً أو حتى ظاهرة مسيسة أو منظمة عبر تاريخه الطويل، ولا كانت في أي يوم من الأيام ولا في أي حقبة من حقب تاريخه، بل نبتت هكذا فجأة كنبات ضار بفعل عوامل خارجية لها غاياتها الخبيثة، همها دحر الإسلام والقضاء على أصول العقيدة من أجل مكاسب رخيصة ومن خلال إغواء الجهلة والمنحرفين واستعمالهم أدوات لتنفيذ مراميهم الحاقدة. ولكن كيف كانت الطريق للوصول إلى تسخير هؤلاء المنحرفين وتضليلهم وإغوائهم؟ من خلال دراسة الظاهرة من روح اعترافات بعض المقبوض عليهم من المشبوهين والمجرمين، ومن خلال اعترافات بعض الذين وجدوا (بعد حين) في سلوك هذا الدرب ضياعاً وانحرافاً عن العقيدة ويحاولون العودة بالبراءة والتوبة نجد بما لا يترك مجالاً للشك بأن الفاعل الأول في تحريض هؤلاء هم بعض الموتورين ممن يدعون النصح، ممن يقومون بتحريف الفتاوى والتفاسير كي يوحوا بأن سلوك الطريق المنحرف هو غاية دينية! وهذا ما يجعل بعض الشباب الجهلة ينقادون وراءهم. ولو قرأنا بتمعن وثيقة اعترافات ذلك الذي قدم رسالته عبر شبكة الإنترنت دون أن يذكر اسمه والتي بين فيها كثير حقائق وما أودى به إلى سلوك طريق الخطيئة لأدركنا أن أكثر معتقداته الخاطئة جاءته عن طريق من يدعون معرفة بالدين والدين منهم براء، والذين يفتون بما لا يعلمون ويحرفون الكلم عن مواضعه وأولئك يبوؤون بغضب الله سبحانه. ومن هذه المعرفة يجب أن نتحرك على الجانب الآخر الأهم، عن طريق المساجد ودور العلم الدينية، أعني أن يحمل المسجد مسؤوليته التي نشأ عليها ومن أجلها منذ أول مسجد بني للإسلام، وكما يعلم الجميع فإن للمسجد الدور الأبرز كمدرسة مؤهلة بتفوق لتعليم العامة شؤون دينهم ودنياهم، والمسجد هو مكان التجمع الأمثل لغالبية الناس في أوقات الصلوات الخمس وفي أيام الجمع والمناسبات الدينية، وأيضاً في حلقات التدريس والدراسة، ومن هذا الإيمان تفرض المسؤولية نفسها على أئمة المساجد والعلماء العاملين المهتدين بنور الله ليكونوا هم الواجهة والصف الأول في تبيان أصول مفهوم الدين ودحض كل المفتريات على الدين بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن هنا أيضا كانت الدعوات الكثيرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وكذلك كل الأمراء والمسؤولين في كل مناسبة لتعريف خطباء المساجد بدورهم الهام، وتشجيعهم على بيان الحقائق والتفسيرات الدينية الحقيقية البعيدة عن التطرف كي ينجو ديننا الحنيف من هجمات الحاقدين المتربصين بنا السوء. والكل يعلم بأن الإفتاء أمر جلل، وليس لأي كان أن يفتي وأن هناك داراً للإفتاء يرأسها المفتي العام للمملكة وهو المرجع الأهم والمخول للإفتاء، وكلنا يعلم جزاء من يفتي بغير علم، ومن يأخذ بالمتشابه من الآيات دون الرجوع إلى أصل التشريع وهو كتاب الله الكريم والسنة المطهرة ومن عجيب الأمور أن لا يفهم هؤلاء المضللون بأن قتل النفس بغير حق بهتان كبير، وأن {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (32) سورة المائدة وهذه آيات بينات لا لبس فيها فكيف يجرؤ أي كان أن يعيث فساداً في أرواح الأبرياء ولأي سبب كان ثم يدعي أنه على دين الإسلام؟. إن المملكة بأولياء أمورها الأوفياء يسعون إلى رفاه الشعب وذلك من خلال بناء خطة اقتصادية متينة وقوية وثابتة فكيف يعمل المنحرفون على هدم هذه البنيان؟ كلنا يعلم أن أعداءنا يتربصون بنا الدوائر، وكلنا يعلم بأنهم يسلكون كل السبل لتحقيق ذلك فهل يكون بعض السفهاء الجهلة المغرر بهم والمضللين من بين ظهرانينا هم الوسائل المسخرة بين أيديهم لتحقيق غاياتهم الدنيئة؟. يقول صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله في كلمته المقتضبة: (أما السنين التالية التي فاجأتنا مع الأسف بالذي حصل من بعض أبنائنا يجرحنا ويؤلمنا لأنهم من أبنائنا، ولكن الشيطان إذا استولى على شخصية الإنسان أفقده كل شيء في الوجود.. حتى الأعمال الخيرة.. حتى ما يفكر بدينه الذي ينهي عن هذه الأعمال السيئة المشينة، وأكثر من هذا وذاك مع الأسف أنهم أساؤوا إساءة ما بعدها من إساءة أبداً وهي الإساءة إلى العقيدة.. عقيدتكم وعقيدة كل مسلم، العقيدة الإسلامية، أساؤوا لها في العالم كله). حقاً إنه حال يجرح القلب، وحقاً أنهم بفعالهم هذه أساؤوا ويسيؤون للإسلام، ولكن الله معنا ويبقى الإيمان بالله سبحانه والحق هو المنتصر. وهذا كله لا يلغي أبداً دور المواطن، فالمواطن مسؤول أيضاً بأن يكون واعياً وحذراً وعيناً ساهرة على أمنه وأمن الوطن وأن يكون معيناً للسلطات في متابعة وملاحقة هؤلاء الأشراف قبل أن تبطش أياديهم الملطخة بالدماء بأفراد الشعب وممتلكاتهم وأموالهم. وكذلك دور المدرسة والبيت في عملية التوعية بمعنى أن يتكاتف المجتمع كله للتصدي لهذه الظاهرة الخبيثة واقتلاعها بلا رحمة ولا هوادة. لقد أكد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة بما لا يدع مجالاً للشك بانحراف هؤلاء، وهو المرجع الديني الأول المعتمد عليه، نبه إلى طاعة أولي الأمر، وأن هناك مسالك سلمية كثيرة للتعبير عن معارضة أو اختلاف في الرأي، ويبقى الحوار الموضوعي والحجة الحق هي الغالبة، أما أن يتصرف كل فرد على هواه ويعترض بطريقة عنيفة لا تخدم غير أعداء الدين والوطن، وتعيث فساداً وتقتل الأبرياء وتدمر المال العام والخاص فهذا دون شك سيبعث على فوضى كبيرة سيطال أذاها كل فرد من أفراد هذه المملكة، ناهيك عن غضب الله سبحانه وعقابه الرادع في الدنيا والآخرة.. وحث سماحته كل مارق بالتوبة إلى الله وترك هذا الطريق السيئ، وأن لا يكونوا عوناً لأعداء الإسلام على بلاد الإسلام وأهل الإسلام. ومن غريب القول أن يدعي هؤلاء الضالون أنهم فئة معارضة، وهل هكذا تكون المعارضة؟.. ألم يقل الله تعالى في كتابه الكريم {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (38) سورة الشورى، ويقول تبارك من قائل {وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59) سورة النساء فأين سبلان الحوار!؟. يقول سماحة المفتي العام في ذلك: (الأصل أن الخروج على ولي أمر المسلمين ومعارضته وخلع بيعته والتأليب عليه كل هذا من كبائر الذنوب وعظائم الأمور، ونحن ندعو كل من سلك هذا السبيل إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ويعظم الكتاب والسنّة أن يتوب إلى الله ويترك هذا الطريق السيئ الباطل والله تعالى يقول: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (82) سورة طه والنبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن وجوب طاعة الإمام والحفاظ على البيعة وحرم الخروج عليه ومعصيته..)، فأين بعد هذه الحجة يقف المدعون؟. ويتابع سمو ولي العهد الأمين على العهد كلمته مبشراً المجتمع السعودي الوفي فيقول: (وأبشركم يا إخوان بلدكم عزيزة بإرادة الله ما دمنا متمسكين بالعقيدة الإسلامية، أبشركم لن يأتيكم إلا كل خير مهما كان، مهما تكالبت عليكم بعض الدول، ولكن أحب أن أطمئنكم بأن بلادكم ولله الحمد مستقيمة ومستقرة، وكل يوم زيادة عن اليوم الثاني ولله الحمد بتمسكها بعقيدتها وأخلاقها ووطنيتها وهذا ولله الحمد واجب عليكم كلكم). ويعلن سموه بثقة وتأكيد بأن أوضاع المملكة داخلياً وخارجياً بخير وأن الوضع مستقر وأن الدوائر لا بد تدور على البغاة الحاقدين ويبعث الثقة والحماسة في قلوب الرجال.. فيقول: (أما خارجياً فلله الحمد مهما دنسوا مهما حكوا ومهما قالوا فإن بلادكم ما اهتزت ولن تهتز ولا يمكن تهتز أبداً لأنها ولله الحمد مركز قوة، مركز عقيدة وإيمان وإخلاص دين ووطن وصبر وعمل، هذه بلادكم ولا تخشون إلا ربكم، أنتم لستم ضعفاء، أنتم أقوياء بربكم، أقوياء بشخصياتكم، أقوياء بإيمانكم، أقوياء بعقيدتكم بإخلاصكم بشرفكم ولله الحمد). بوركت يا سيد الرجال صدقاً وقولاً وفعلاً، ونحن من وراء أولياء أمورنا كالبنيان المرصوص نعلن ولاءنا لحكومتنا الشامخة وعلى رأسها مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني وللمخلصين فيها يداً واحدة على طريق الخير والإيمان بشريعة الله سبحانه الذي حاشا أن يخذل الصابرين الصادقين، سائلين المولى أن ينصر قيادتنا الرشيدة حتى تدحر آخر ذرة من ذرات الفتنة والشر ليعم الأمان والأمن على العباد وبلاد الحرمين الشريفين كما عرفها وألفها الناس دائماً بالأمن والآمان، إنه سميع مجيب.