ما أكثر فواجع الأيام وأكدارها وما أكثر أحزانها ومنغصاتها وهذا ديدنها تضحك وتبكي وتبتسم وتكشر بأنيابها.. بعد ظهر يوم الخميس الموافق 21 من شهر رمضان 1425ه ودّعت الأسرة في مقبرة النسيم بمدينة الرياض أحد رجالها الأفذاذ ذلك هو العم صالح بن حسن بن صالح أبا حسين الذي أصيب في أواخر شعبان من هذا العام بمرض مفاجئ أُدخل على أثره المستشفى ولكن أيامه في الدنيا قد انتهت وأجله قد حان وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع والموت حق وسنة الله في خلقه، والموت كأس وكل الناس شاربه {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} ، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ {34} كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} . كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلةٍ حدباء محمولُ *** فما شاء الله كان، وما لم يشأن لم يكن، ولا رادَّ لقضائه ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } .. لقد رحل الفقيد عنا بعد عمر تجاوز الثمانين عاما قضاها في طاعة الله والأعمال الصالحة وطلب الرزق الحلال، وقد وُلد في (أشيقر) بمنطقة الوشم وانتقل مع والديه وإخوته إلى الرياض في النصف الثاني من القرن الماضي، وتربى هو وأخواه محمد وعثمان في بيت علم ودين وخلق ونشأوا نشأة صالحة .. فقد كان والدهم العم - حسن بن صالح - أحد طلبة العلم على يد الشيخ ابراهيم بن صالح بن عيسى (مؤرخ أشيقر المشهور) في كثير من فنون العلم، وحافظاً للقرآن الكريم، ومؤذناً في مسجد الشمال ببلدته أشيقر قرابة 50 عاماً قبل أن ينتقل إلى الرياض فلا غرابة أن يتحلى أبناؤه بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة. *** .. ولهم مآثر يشكرون عليها ولعل أهمها تجمع أقاربهم وجيرانهم عندهم في منزلهم بعد صلاة عيدي الأضحى والفطر مباشرة فتقدم لهم مائدة العيد واستمر ذلك في منزل الفقيد رحمه الله حيث إنه أكبر إخوانه. ولقد كان بيننا وبين الفقيد دوريَّة أسبوعية منذ حياة والدي - رحمه الله - نلتقي بعد صلاة العشاء استمرت عقوداً من الزمن عرفت من خلالها سجاياه الحميدة وطباعه الفريدة .. لقد كان شخصية بارزة في الأسرة عرفت فيه السخاء والكرم، وبشاشة الوجه، ولين الجانب يستقبل ضيوفه وزائريه بحرارة وترحيب وتقدير للصغير والكبير. *** والفقيد وإن رحل عنا ببدنه إلا أن ذكره الحسن وأعماله الخالدة ستبقى في ذاكرة معارفه ومحبيه .. يقول حاتم الطائي: أماويّ إن المالَ غادٍ ورائحُ ويبقى من المال الأحاديثُ والذكر أماويَّ إن المال، مالٌ بذلته فأوله شكرٌ وآخره ذكرُ ويقول ابن دريد: وللفتى من ماله ما قدمت يداه قبل موته لا ما اقتنى وإنما المرءُ حديثٌ بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى *** لقد كان من الرعيل الأول والجيل المكافح ورحيلهم خسارة كبرى وفادحة عظمى، جيل أخذت لبناته تتهاوى وتتساقط كتساقط الأوراق الذابلة من الشجر. يتساقطون على الدروب كأنهم ورق الخريف يهزه الاعصار جيل كافح من أجل البقاء، جيل زُرعت في دروبه الأشواك فصمد، جيل يندر أن يجود الزمان بأمثالهم علم وتاريخ وتجارب وحكم. هنيئاً للفقيد فقد اختاره الله إلى جواره في أفضل الأيام والشهور أيام شهر رمضان. وعزاؤنا أنه أنجب أبناءً صالحين نرجو أن يحذوا حذوه ويسيروا على نهجه فوالدهم خير مدرسة علمته الحياة .. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته وألهم أبناءه وبنته وزوجته الصبر والسلوان. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.