العالم واسع والبشر كثيرون.. ولكن أين نجد ذوي القلوب الرحيمة التي لو وزعت حبها على العالم لما اكتفى وطلب المزيد. فالقسوة تهشِّم القلوب. فإذا أسدل الليل ستاره على العليل ما أطوله.. وعلى الجريح ما أقساه، وعلى الغريب ما أوحشه؛ فالنوم لم يجد لعيني طريقاً.. فأخذت أعيد الأيام وهي تعيدني.. تحرك قلبي.. وتجلت صورة القسوة أمامي.. وذكرت قوله تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}. فحياة كل إنسان تبدأ من نقطة واحدة ومرحلة واحدة من مراحل عمر الإنسان.. ولاختلاف بيئتنا تختلف تربيتنا، ولاختلاف تربيتنا تختلف سلوكياتنا.. ولاختلاف سلوكياتنا تختلف طرق تعاملنا مع الآخرين. فتبدأ حياتنا من صالة الانتظار...!! ومن ثم نستقل القطار الذي يسير بنا عدة مراحل من مراحل العمر، والأهم من كل هذا.. الطبيعة.. هذا الكائن الحي.. فخلقه الله سبحانه وتعالى سوياً مستقيماً قلبه وجميع جوارحه على الفطرة.. فقال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه.. أو يمجِّسانه). هذا جانب من الفطرة، أما من جانب السلوك المكتسب.. سواء كان هذا السلوك المكتسب إيجابياً أو سلبياً ، فأثره كبير على تصرفات الكائن الحي.. وذلك بعد مرور القطار ومراحل عدة من العمر.. يكون عقله قد أدخل مخزوناً وافراً من نوعيات البشر الذين أحاطوا به.. فلمس من أحاسيسهم ونظراتهم ما يمكنه لمعرفة ما إذا كان هذا الإنسان يحمل بين جوانحه رقة متناهية من الأخلاق أم يحمل عنفاً ووحشية اتجاه من يحيطون به. وهذه النوعية القاسية تتزايد بازدياد دوافع الشر من غيرة وأنانية وحقد.. وبالتالي تكون شخصية تحمل بداخلها كل أنواع القسوة. رفقاً أيها القساة...!! كفٌّوا عن بذر الأحقاد.. والتفرقة بين الأحباب.. وتشتيت أحاسيس الأصدقاء.. رفقاً أيها القساة..!!! كفى خداعاً وخبثاً.. وإساءة وكذباً. رفقاً أيها القساة..!!! يا من تعيشون بصدأ مشاعر الكراهية داخل قلوبكم.. تفضحكم ابتسامتكم الصفراء.. رفقاً أيها القساة..!! يا من تنبشون في لحوم ضعاف البشر.. ما هذه الوحشية؟ وما هذه القسوة المجسَّدة في قلوبكم.. المنقوشة في عقولكم.. المنسابة في عروقكم.. ما هذه القسوة..؟! أفذاك الذي يقسو على الآخرين يدعى إنساناً..؟! والذي يحمل على إذاقة البشر أنواع العذاب يدعى إنساناً..؟!أصعب شيء في الدنيا أن تكتشف حقيقة لا تريد أن تعرفها.. ولكن.. هل من المعقول أن تعيش مغفلاً..؟ وإن كنت تحاول تجاهل ما يحدث كل يوم أمامك من ضياع الأحاسيس الندية.. إلى متى هذه القسوة..؟! إلى متى يقهر الإنسان الإنسان...؟! رفقاً أيها القساة.. يا من تحملون كل الأدران والأحقاد.. فهل تعون..؟!