كثيرون منا يتوقون لمعانقة الأمان ذاك المعنى الذي لا يُرى، ولكنه يُحس، ويشعر به المرء لمجرد إحساس ينتابه، إن الإحساس بهذه الكلمة الصغيرة المعنى تشعرك بأنك ملكت العالم بأسره، واستطعت أن تتخطى الحواجز المنيعة فهو بمثابة جواز سفر نفسي يحلق بك أينما تريد بدون أي قيود ولديك إقامة على أي أرض حطت نفسك بها فترتاح من عنائها وتطمئن! والبعض يبحث عن هذا المعنى خلال سنوات عديدة مضت وربطت بين زوجين، وأثمر هذا الرباط أروع وأجمل ثمرة وهي الأطفال زينة هذه الحياة! لعل كلماتي هذه لم تخرج من فلسفة كاتب له نظرة متعمقة في الحياة، أو مجرب خاض تجربة مريرة، ولكن من منظور واقع ملموس حي نراه صوراً مكسورة أمام أعيننا مثل فيلم قصير نعيده بواسطة ذاكراتنا، فأحيانا نرى ما نريده برؤية أكثر وضوحاً ودقة، وأخرى نخذل فيها فلا نرى منها شيئاً ونحاول إعادة الكرة مرات ومرات، حتى نبصر الحقائق جيداً، عندها تتضح لنا الأشياء ونرى ما نريده جلياً بين ركام الحقائق! في رحلة هذا الخيال، تتبدل قيم ومعان كثيرة كانت سائدة وكنا نتعلمها ونتدارسها ليست في مدارس العلم، ولكنها لقنتنا إياها أبجدية الحياة، وأوقفتنا على عتبتها لحظات بل ساعات، وعندما نستجدي تلك الذاكرة سنجد هناك الكثير من اللقطات المتداخلة المبهمة التي بحاجة إلى توضيح! أناس نصدم بواقعهم بعد مرور سنين طوال وتتضح هشاشة أفعالهم أكثر، عندما تطمع النفس ولا تقنع باليسير الذي سُخر لها، ويصبح لهثهم خلف سراب الامل المضمحل وقد يطول المشوار، وتتخبط دروبهم، وهم يبحثون في رحلتهم الجديدة عن حلم كان من وهم ويحال دون الوصول إليه، وتدور عجلة الزمن ونجد أنفسنا قد وقفنا على أول الدرب الطويل ونضحك على أنفسنا ونوهمها بأننا حققنا شيئاً، ولكن تضيع كل القناعات الحقيقية ونفقد قيمة مهمة عندما لا نقنع بالقليل وخاصة مع النفس التي تجمح وراء الأشياء البراقة. عندها ندرك كم كلفتنا حياتنا القصيرة من جهد وعمر وكرب وتتعثر تلك الخطى ونعود نادمين نجر أذيال الهزيمة ونفقد أجمل مبدأ وهو القناعة، لأن النفس ضعفت أمام غزيرة المادة وتناست أكبر وأجل من ذلك وأخذت تسابق الزمن، ولم تدرك سوى مبدأ الاستحواذ بدلاً من البذل والعطاء، وما زالت الحياة تلك المدرسة الكبيرة التي يتخرج فيها المتعلم بشهادة التجربة والخبرة والحكمة! هذا ما تصوره لنا الأيام، فقد ضاعت اسمى قيمة في الحياة وهي الحب تحت وطأة المال، لأنه أصبح في زماننا هذا ارخص عاطفة، ولا يعرف سوى المصالح فقط فالنفس غلبها هوى التملك والطمع والسعي خلفه، فانهارت قيم عديدة واختنقت فضائل جمة رائعة، طمسها الإنسان تحت شعارات (اعطني.. اعطيك) حتى في أقدس علاقة بين الزوجين فلم تعد هناك أية مشاعر محسوسة، ومن يتعامل بها فقد أصبح يحيا في عالم غريب مليء بالأوهام! مرفأ الحياة بنواميسها تمضي في ثبات إلى أن يرث الأرض ومن عليها، ولكن النفوس الضعيفة هي من تخضع للتغير والتبدل