أتذكر وأنا صغير ذلك الصندوق الكبير الذي إذا فتحه أحد وجد صندوق آخر ويظل على إصراره حتى يفتح آخر صندوق الذي بطبيعة الحال يكون صغير جداً وحين لا يجد شيئاً يتولى راحلاً فقد عرف سر هذا الصندوق أو هذه الصناديق ، ولكن الناس مختلفون في شوقهم لكشف الأسرار فالبعض قد لا يفتح أول صندوق وآخر قد يصل للصندوق الثاني ثم يتوقف عن الكشف ،ربما يختلفون بسبب اختلاف حاجاتهم لأن البعض يحتاج لاكتشاف السر والآخر لا يرى أنه ذا أهمية . ولكن أيضاً بعض الأشياء تكون أجمل حين تكون سراً أو غيباً كما هي الجنة ، وهذا عرفته بعد بعض الأسفار فمثلاً قد نسمع عن بلد ما وعن جمالها فنتشوق للذهاب لها وحين يتحقق هذا الحلم نجد أن هذه البلاد جميلة بالفعل ولكن قد انطفأ الشوق وصارت شيئاً بدرجة طبيعي أو عادي ، وكذلك هي السيارات الفارهة قد نتمنى أن نملكها فحين نملكها لا نرى الفرق كبير بالدرجة التي تصورناها قبل أن نملكها ، ولكن الجنة كما نؤمن بذلك فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . نفس النظرية أستطيع أن أطبقها على الرجال أو النساء ولكن بطريقة مختلفة هذه المرة ، فالرجال لا تستطيع أن تكتشفهم بسهولة بل يتطلب ذلك المعاشرة والرفقة والسنين والسفر والضيق والفرج وربما لا تكتشف هذا الرجل بكل ما يحوي من أسرار فضلاً عن المتغيرات التي تطرأ على الأفراد يوما عن يوم ، أيضا هي المرأة حين تكون محجبة وقد غطت جميع جسدها فلا نستطيع الجزم بالملامح التي خلف تلك العباءة مهما جمحنا بخيالنا ، وهي بهذا تكون أكثر خصوصية واستقلال بنفسها فهي تخص نفسها و محارمها فقط إلى حد ما وزوجها قد يعرفها أكثر ، ولكن أيضا الرجل حين يرى زوجته أول مرة لا يستطيع الحكم عليها أو حبها أو كرهها فهو لم يكتشف كل أسرارها وربما وجد فيها ما لم يجد في أجمل النساء بل ربما يراها هي الأجمل بعد مرور الوقت ، فوجدت أن كل شيء يحتاج للصبر لنكتشف أسراره وليس بالضرورة أن نعرف كل الأسرار فبعضها تكون أجمل بأسرارها وهذا يساعدنا على الصبر عليها أكثر وهذا مما ميز الله به الكون فجعله كثير الأسرار وأخفاها على الناس لكي لا نمل منه ونظل نتفكر في أسراره ونشتغل به ونحيي سنة التفكر التي حثنا عليها الله جل وعلا في القرآن الكريم في مناسبات كثيرة منها ذكره أفلا يتفكرون ، أفلا يتدبرون ، .. ويصف المؤمنين بالذين يتفكرون ، كما في قوله : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران فهذا طريق لمن وجد أن هذه الحياة مملة وأراد أن يخرج من سجنه الفكري لكي يرى عجائب خلق الله ولو في نفسه كما قال جل وعلا : (وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) ق فلنتفكر في كل شيء ولنحتسب الأجر ونعرف الله أكثر بالتفكر في مخلوقاته . عبدالرحمن بن محمد الحيزان