الطمع أو الجشع من الصفات الدنيئة التي تنفر منها الطباع، والطمع سلوك بذيء، لأن صاحبه يذل نفسه، ويحطها للحصول على مثل ما عنده بغير حق ليكثره، أو فعل ذلك ليحصل على ما لا يستحقه، والطمع أو الجشع من أخطر السلوكيات التي قد يبتلى بها الإنسان، فما أسباب تفشي الطمع بين الناس وما تأثيراتها على الفرد والمجتمع، وما العلاج الناجع له، والوقاية منه وفق منظور الإسلام الذي وضع حلولاً لكل إشكاليات الحياة؟ كيف يمكن لنا أن نحقق النفور النفسي لدى الناس من صفة الطمع، وما هي النوافذ التي يمكن من خلالها الولوج إلى نفسية أصحاب الطمع لمعرفة طرائق تفكيرهم، ونوازعهم الداخلية، ليمكن معالجتها؟ جاء الإسلام ليخلص البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويقوم السلوك الإنساني ضد أي اعوجاج أو انحراف عن الفطرة السوية، ويقدم العلاج الشافي لأمراض الإنسان في كل العصور القديم منها والحديث، مما حملته العصور الحديثة بتقنياتها ومستجداتها، وهو علاج تقبله كل نفس سوية، ولا ترفضه إلا نفوس معاندة مكابرة، جاهلة، أضلها هوى، أو متعة زائلة. وقد استوعبت الشريعة الغراء كل ما قد يقترفه الإنسان من ذنوب، أو محرمات في كل عصر، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً، أو حتى ما يعتمل في الصدور من مشاعر وانفعالات، وأبانت أسباب تحريمها جُملة وتفصيلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة، إلا ان الكثيرين مازالوا يسقطون في دائرة المحرمات هذه، إما جهلاً، أو استكباراً، أو استصغاراً لها، أو بحثاً عن منفعة دنيوية رخيصة واستجابة لشهوة لحظية، بل إن بعض هؤلاء يحاولون الالتفاف على حكم الإسلام الرافض لهذه السلوكيات، بدعاوى وأقاويل هشة لا تصمد أمام وضوح وإعجاز الإسلام في رفضه لهذه الموبقات التي تضر ليس مرتكبها فحسب، بل تهدد المجتمع بأسره. و«الجزيرة».. تفتح ملف هذه السلوكيات المرفوضة، تذكرةً وعبرةً ووقايةً للمجتمع من أخطار هذه السلوكيات، وتحذيراً لمن يرتكبها من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، من خلال رؤى وآراء يقدمها أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الرأي والفكر من المختصين كل في مجاله.. آملين ان تكون بداية للإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي حرمها الله، قبل ان تصل بصاحبها إلى الندم وسوء الخاتمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد. ففي البداية يقول د. عبد العزيز بن عبد الله الهليل وكيل قسم السنّة وعلومها بكلية أصول الدين بالرياض: الطمع والجشع من الصفات الذميمة التي اتصف بها كثير ممن غفل عن تهذيب نفسه وصيانتها عمّا يدنسها، ولعل من أهم أسباب تفشي هذه الصفة الدنيئة في بعض النفوس ما يأتي: البعد عن تعاليم الدين الحنيف التي حذرت من الطمع والحرص على الدنيا الزائلة، وعدم العناية بتهذيب النفس، وتربيتها على معالي الأمور، والحرص الشديد والشره بتحصيل كثير من ملذات الدنيا، وحب الدنيا والتفاني في جمعها من كل باب. ونتج عن التخلق بهذه الصفة تأثيرات كثيرة سيئة على الفرد والمجتمع، ومنها: الحرص على تحصيل الدنيا من كل باب بغض النظر عن حلها أو حرمتها، وكذلك التباغض بين أفراد المجتمع المتصف بهذه الصفة الذميمة، حيث تكون المولاة لأجل الدنيا فقط، وكذا انشغال القلب بالدنيا، وطرق تحصيلها والتقصير في الواجبات الشرعية، ومنها أيضاً: عدم الرضا عن الرب تبارك وتعالى بما أعطى، ومنها أيضاً: إذلال النفس وإهانتها لأجل تحصيل المطامع التي لا تنتهي. أما كيفية الوقاية والعلاج لهذا المرض النفسي العضال فيكون وفق النقاط الآتية: 1- ترويض النفس على التحلي بخلق القناعة ومحاولة الاتصاف به وحمل النفس عليه. 2- اليأس عمّا في أيدي المخلوقين والتعلق بالله تعالى. 3- تدبر ما ورد في القرآن الكريم من وصف دقيق لحقيقة الدنيا وأنها متاع زائل. 4- تأمل ما ورد في الأحاديث النبوية من التحذير من الحرص المذموم على الدنيا مثل ما رواه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم). 5- النظر في كلمات سلف الأمة الذين عرفوا حقيقة الدنيا، فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في خطبه: إن الطمع فقر. 6- معرفة أثر الطمع السيئ على القلب والنفس يجعل العاقل يبتعد عنه. وفي الختام نسأل الله تعالى أن يقينا من هذه الصفة الذميمة وأن يطهر نفوسنا من الجشع والطمع، وأن يرزقنا القناعة بما أعطى، وأن يمنح قلوبنا حسن التعلق به وحده. الأسباب والعلاج من جانبها تؤكد د. مها بن محمد العجمي عميدة كلية التربية للبنات بالأحساء للأقسام الأدبية أن الإنسان فطر على حب الحياة وكراهية الموت، وحبه للحياة يساعده على حب كل ما يعين عليها ليحيا حياة هنيئة، والمال هو عصب الحياة، والإنسان مفطور على حبه، وتملكه وجمعه والاستزادة منه، وقد بيّن الله تعالى ذلك بقوله: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}، كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ}، والإنسان يحب المال حباً يفوق حبه للولد والأهل في بعض الأحيان، لذا فإن الله جلّ وعلا قدم المال والبنين في آيات كثيرة، وذلك حين يجتمع فيها ذكر المال والبنين معاً، منها قوله: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}. وقد نظم الإسلام للإنسان طرقاً لتملك المال وجمعه وفق مبادئ قويمة تسعد الإنسان، وتجعل المال نعمة عظمى تستحق الشكر، ولا تجعله بلاء يشقى به الإنسان، ويسبب له الخسران في الحياة الدنيا، والشقاء والعذاب الأليم في الآخرة، إلا أن الإنسان قد يُصاب بآفة على إثر حبه لتملك المال وجمعه ألا وهي الطمع والجشع، وهو سلوك يحط من قدر الإنسان وقيمته، وذلك لأنه يسعى للحصول على الأموال بغير حق للاستزادة والاستكثار، ولعل ذلك يعود إلى أسباب منها: أولاً: ضعف الإيمان بالله تعالى، وذلك لأنه لو علم بأن الله تعالى هو المالك الحقيقي لكل شيء، وأنه سبحانه هو الذي يرث الأرض ومن عليها، والإنسان مستخلف فيما آتاه الله من مال، وملكيته لهذا المال مؤقتة غير دائمة، فهي قاصرة على مدة زمنية تنتهي بانتهاء عمره، فإذا انقضى أجله زالت هذه الملكية، وانتقل المال إلى ورثته، فلو علم بذلك كلّه ما أصيب بتلك الآفة. ثانياً: اعتبار المال غاية لا وسيلة، والحقيقة أن المال وسيلة لغايات تتعلق بمصلحة الفرد والجماعة، وهذه الغاية هي الوظائف التي ينبغي ربط المال بها وإنفاقه فيها، والوظيفة الأساسية للمال هي أن ينفقه الإنسان على نفسه، ومن يعول دون إسراف ولا تقتير، ثم إنفاقه على المحتاجين في صور مختلفة منها: الزكاة التي هي أحد أركان الإسلام، وهي حق للفقراء على الأغنياء، والصدقات التي تسخو بها نفوس أصحابها ابتغاء مرضاة الله دون منِّ أو أذى. ثالثاً: حب السيطرة واستغلال الإنسان لأخيه، والسعي لتملك المال وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. رابعاً: غلبة الحضارة المادة على حياة الإنسان وتأثيرها على سلوكه. خامساً: مخالطة الأشقياء وضعاف النفوس. إن الإسلام يسمو بأخلاق المسلم ويدعو إلى التحلي بمكارم الأخلاق في معاملته للناس، وذلك لأن الأخلاق هي الجانب التطبيقي للمسلم في سائر أعماله ومعاملاته وعلاقاته بالناس، كما أنه - أي الإسلام - يدعو إلى إقامة مجتمع فاضل ليصير أفراده أخوة متحابين مترابطين كالجسد الواحد، وربط الإنسان بعقيدته يولد عنده الشعور بالمراقبة، ويتعمق في وجدانه إحساس الخشية من الله، وهذا ما يقوي في نفسه الإرادة الذاتية للكف عن الطمع والاكتفاء بما بين يديه، كما أن تغيير البيئة الفاسدة، ومخالطة الصالحين ومصاحبتهم، يعود النفس على حياة الشرف والطهر والكرامة، كما أن تعليق القلوب بأسباب الآخرة، وصيانتها من أسباب الدنيا سبب في تخليصها من الحرص والرغبة، وذلك أن النفس مبنية على الطمع، فإذا خوفت بعقوبة ما بين يديها من الاستزادة من أمور الدنيا، حملها ذلك على القناعة والرضا ودفعها إلى الطمع في الآخرة والاستزادة من أسبابها. قيل لحكيم: ما آلة الطمع، وجماع آفاته؟ قال: الشره والحرص، وهيجان الرغبة، فعلى أيها أوقعت النفس طمعها أحضرت أداتها، وجمع آلتها، وجدت في طلبها، فإذا قهرت صاحبتها على موافقة هواها استعبدته فأذهلته وأذلته، كما أن تعويد النفس على البذل والإنفاق سبب لتخليصها من الجشع والتعلق الشديد بالمال، قال تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}. إن تحديد صلة الإنسان بالمال - من حيث اكتسابه وتملكه والانتفاع في إطار ما شرعه الله والطرق التي رسمها الله في القرآن الكريم وبيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم - هو الضمان الوحيد لإنقاذ الناس من شرور الطمع وسيطرته، وهو الكفيل بهداية الإنسان إلى الخير والتراحم، والتكافل الاجتماعي، ومحبة الآخرين. والطمع سبب من أسباب الظلم بين الناس وبخص حقوقهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله)، وذلك لأن الطامع الجشع يتسبب في أخذ مال بغير حق، وهذا من الظلم الذي حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)، وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى الله كأنها شرارة)، وقوله: (دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه). من صفات الجاهلية أما د. عماد بن زهير حافظ الأستاذ المشارك بكلية القرآن الكريم بالمدينة المنورة، فيشير إلى أن الجشع والطمع صفتان ذميمتان من صفات الجاهلية، لما لهما من الضرر البالغ بمصلحة الفرد والمجتمع والأمة، وتؤدي إلى أسوأ المفاسد وأرذل الآثار، فالذي انحرفت فطرته وتغلب على سلوكه الطمع نجده لا يأبه بما حرم الله تعالى من المكاسب، ويبذل في سبيلها دينه وعرضه. وهناك صور من البيع والتكسب يسعى إليها الطامعون، ولا تهمهم إلا مصالحهم الشخصية، مع ما يترتب عليها من عظيم الضرر، والإفساد على المجتمع والأمة والفرد، منها: بيع الأشياء المحرمة، كبيع المخدرات، والخمور، ولحم الخنزير، والمعازف، والصلبان، وأوراق اليانصيب وغيرها، ومنها بيع الغرر، وهو بيع الأشياء الاحتمالية التي لا تدرى عاقبتها، هل تحصل أم لا؟ وذلك كبيع السمك في الماء، والطير في الهواء، وغيرهما مما لا يتحقق وجوده ولا قدرة للبائع على تسليمه، ومنها أيضاً البيع على أساس الغبن والتلاعب بالأسعار، وكذلك البيع على أساس الاحتكار كأن يخفي التاجر ما يحتاج إليه الناس حاجة ضرورية، ليتحكم في السعر في الوقت المناسب كالمواد التموينية بشكل عام، وما يلحق بهذا البيع بيع الحاضر للبادي، ومنها كذلك البيع عن طريق الغش، فيظهر صاحب الطمع الشيء الذي يريد بيعه على خلاف حقيقته، دون علم المشتري، ويدخل فيه التطفيف في الكيل والميزان. ومن صور الطمع البيع أو الشراء عن طريق السرقة والاغتصاب، والتكسب، كذلك عن طريق الربا والميسر.. كل هذه التعاملات هي صور من صور الطمع التي حرّمها الإسلام أيّما تحريم لما لها من الآثار السيئة المفسدة لضمائر الناس، وأخلاقهم، وإدخال الضرر على مجتمعاتهم وأمتهم. فحري بأهل الإسلام أن يحذروا من هذه الصور، وأن يكونوا يداً واحدة على الذين يحاربون الله ورسوله، بطمعهم وجشعهم وبعدهم عن المعاملات الشرعية السمحة التي تهب المجتمع أمناً وسلامة في الفكر والسلوك، والله الموفق لما يحب ويرضى. السبب والتأثير ويبيّن الشيخ أحمد بن عبد العزيز الرصيص الداعية بمركز الدعوة والإرشاد بالرياض أسباب تفشي الطمع بين الناس وهو عدم القناعة والرضا بما قسمه الله للإنسان، فتجده أبداً في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه ذلك ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبّه إلى هذا السبب ووصف من سلم منه بالفلاح فقال: (قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه) رواه مسلم. هي القناعة فالزمها تعش ملكاً لو لم يكن لك منها إلا راحة البدن والتطلع إلى ما هو فوق الإنسان في أمور الدنيا ويعلل الإمام النووي - رحمه الله - ذلك بقوله: (لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو بقاربه).. شرح مسلم، وكذا الاشتغال الزائد بأمر المستقبل حتى يكون هو هاجس الإنسان وهمّه الأول عليه يصبح عليه يمسي مما ينبت الطمع في القلب فيصير لا يبالي بعد ذلك أخذ المال من حلال أو حرام وينسى أن الله عزّ وجلّ تكفل لكل نفس أن تستوفي رزقها قبل أجلها ولكنها الغفلة. وعن تأثيرات الطمع على الفرد والمجتمع يقول الرصيص: إن الطمع والحرص الزايد على الدنيا يفسد على المرء دينه وإذا فسد دين الفرد فسد دين المجتمع ولا حول ولا قوة إلا بالله وقد نبّه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) الترمذي، بل إن الأمر قد يزيد عن مجرد الإفساد في الدين إلى إخراج الإنسان من دائرة عبودية الله ويدخله في دائرة عبودية الدنيا والمال ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) رواه البخاري، وقد وصف صلى الله عليه وسلم من ابتلي بهذا الداء وهو الطمع وحب الدنيا الزائد بأنهم أصبحوا عبيداً للدنيا والدرهم والعياذ بالله. علاج الطمع وأما علاج هذا الداء وهو الطمع فيوضح الشيخ الرصيص أقوال أهل العلم في ذلك ومنها الاقتصاد في المعيشة والقصد في الإنفاق فمن أراد القناعة والسلامة من الطمع فلا بد أن يسد على نفسه أبواب الإنفاق التي لا حاجة له فيها والتي هي من الفضول، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما عال من اقتصد) رواه أحمد والطبراني، كما أنه إذا تيسر له في وقته الحاضر ما يسد حاله ويكفيه فلا يكن شديد الاضطراب كبير التعلق بالمستقبل وأن يستيقن أن رزقه لا محالة آتيه وما عليه إلا بذل السبب وصدق الله: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، وأن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء وما في الطمع والجشع في ذلك الجري وراء الدنيا لا ينتهي أبداً فطالب الدنيا لا يشبع منها مهما آتاه الله، وكذا أن يتفكر في تنعم الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم من أراذل الناس والحمقى ثم ينظر إلى حال الأنبياء والصالحين حتى يهون عليه الصبر على القليل والقناعة باليسير وإخراج الطمع من قلبه، وأن يعرف أن هذا المال ليس مجرد نعمة يتنعم بها في الدنيا ولن يسأل عنها يوم القيامة بل عليه أن يعرف ما في جمع المال من الخطر على الإنسان كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن سيسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وأن يعلم أيضاً أن مجرد الوقوف للحساب هو أمر عظيم فكما ورد في بعض الأحاديث أن أهل الجنة من الفقراء يدخلونها قبل الأغنياء بخمسمائة عام كما عند الترمذي وابن ماجة، وما ذلك إلا انتظارهم للحساب.