تقريبا كل يوم نصبح على غلاء في الاسعار وكأن القلوب قد قست وملأها الطمع والجشع في عرض الدنيا الزائل باستغلال حاجة الناس والتربح بلا سقف على حسابهم، ففي الأسواق من لا يلتزمون الامانة وتمكن الجشع منهم وسيطر الطمع على نفوسهم فلا منفعة مقابلة لتلك الزيادات وكأنهم نزعوا من قلوبهم معاني الرحمة وهؤلاء لا خير فيهم وتتبرأ منهم ذمة الله تعالى. ان تلاعب بعض التجار بأسعار السلع التي يحتاج إليها الناس فيه اضرار بالناس وخاصة الفقراء، وهذا منهي عنه شرعاً لأنه من الظلم الواضح البين الذي امر الله بالبعد عنه، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا..) وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). الإسلام يحث على العمل الشريف والأمانة في الأخذ والعطاء، وعلى ضرورة الإحساس بالآخرين والتراحم بين أفراد المجتمع بقيم التيسير على المعسرين والتكافل وترك الغش والاستغلال والجشع في الربح، وفي نفس الوقت يحث على ترشيد الاستهلاك والحض على الاقتصاد في النفقة والمعيشة والتحذير من التبذير والإسراف. لقد أمر الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم بالتراحم والترغيب فيه وبجانبها التحذير من الاستغلال الممقوت كي يمعن الناظرون في الآثار الطيبة لقيم التراحم، والآثار السيئة لبشاعة الاستغلال فيكون لهم من هذا الوضع ما يتمسكون به من فضائل وتتحقق إنسانيتهم ويسيرون في الحياة بخطوات متوازنة بناء التعاون الذي تنعم به الحياة، فلا نجد آية من آيات التحذير من الاستغلال الا وبجانبها آية أو آيات تعلي من شأن البذل والمعونة والتراحم، ومن ذلك قوله تعالى (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم). في هذا ايضا يحثنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على ان نكسب كسباً مشروعاً، فيتلاقى كل من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على هدف واحد اغلا وهو مشروعية البيع الحلال ومشروعية التجارة المباحة، ومشروعية الكسب الطيب الذي اباحه الله سبحانه وتعالى وكذلك تحريم أكل المال بالباطل، والمال الذي فيه شبهة حرام، وتحصيله بطرق ملتوية وغير ذلك من انواع الكسب غير المشروع فأهل الطمع وأهل الجشع يغتنمون الظروف ليرفعوا الاسعار، ولا ينظر بعضهم الى واقع بعض بنوع من المحبة والتراحم. قال صلى الله عليه وسلم: (قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه) وكذلك يقول صلى الله عليه وسلم (رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى). وفي كل الأحوال اين حماية المستهلك من هذا الجمع المتزايد بالغلاء في كل شيء؟. قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه عن فضل اليسر والسهولة في عملية التجارة : "كان رجل يداين الناس، وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسراً فتجاوز عنه لعل الله ان يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه". وللامام الشافعي رحمه الله: لا تمنعن يد المعروف عن احد مادمت مقتدراً فالسعد تارات واشكر فضائل صنع الله اذ جعلت إليك لا لك عند الناس حاجات