سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشيخ الشريم في خطبة الجمعة: الشريعة الإسلامية جاءت موافقة لبقية الشرائع السماوية لحفظ الضرورات الخمس دعا المسلمين بتقوى الله ومراقبته واعتبر عدم القناعة مظنة للكبوة:
دعا إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم المسلمين بتقوى الله عز وجل ومراقبته في السر والعلن والاستعداد ليوم المعاد لأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها يوم أمس في المسجد الحرام عباد الله ان تنافس الناس في نيل مطامع الدنيا لهو الديدن المعهود في غابر الأزمان وحاضرها وانه ليزداد هذا التنافس مع الطمع كلما ازداد اللهث وراء المكنون من زينتها ومفاتنها حتى ان النفس المغامرة لتشرئب أمام السراب في القيعة تحسبه ماءً وليس بماءٍ وما ذلك إلا من شدة ولع الناس بالدنيا وزخرفها وان على رأس هذه المفاتن المال الذي أودعه الله بين عباده يتناقلونه فيما بينهم يبيعه بعضهم لبعض ويرابح بعضهم لبعض يجد الناس في هذا المال طاقات متفتقة بين الحين والآخر في اذكاء المضاربات والمرابحات حتى يصبح التنافس والتهافت سمة من سمات مغامرات الناس ومخاطراتهم وكأنهم بذلك يفرون من فقر محقق يدعون إليه دعا حتى وقعوا فيما حذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم- بقوله:( فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم). وأوضح أن هذا التنافس المحموم لم تسلم براجمه من أوخاذ الظلم والبهتان والكيد والحسد وأكل أموال الناس بالباطل إذ ما من تنافس يخرج عن إطار الاعتدال والتوسط ألا وتكون العواقب فيه وخيمة والآفات المتكاثرة عليه أليمة ومن هنا تنشأ الفتنة بين الناس فيبغي بعضهم على بعض ويلعن بعضهم بعضاً وهذه النتيجة انما هي مصداق لقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (ان لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال). وبيّن أن كره الفقر وحب الغنى أمران فطريان والشريعة الغراء لا تقف كالحة في وجه الفطرة التي فطر الله الناس عليها ولكنها في الوقت نفسه تبرز كمصححة للمسار حاثة على الاعتدال في كل شيء حتى في المال لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد استعاذ بالله من شر الغنى والفقر. وأكد أن الإسلام لم يحث قط على الفقر لان الفقر كاد يكون كفراً ولم يحرض الناس على اللهث الأعمى وراء المال لأن الإنسان قد يطغى أن رآه استغنى وقد ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ان الساعة لا تقوم حتى يفيض المال وان من المقرر المشاهد في هذا الزمن كثرة المال وتنوع موارده وامتلاء الساحة بالأطروحات الاستثمارية والمساهمات الربحية مما جعل الناس يتهافتون إليها تهافت الفراش على النبراس حتى انها لم تدع بيتاً إلا واصابته بدخنها وليس هذا هو العجب عباد الله فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبرنا بهذا التنافس وانما العجب حينما يكون هذا الانكباب والانغماس في حمئة الطفرة المالية لدى المستثمرين عارياً عن الأناة والوضوح والفرز بين ما أحله الله وبين ما حرمه وأن تكون غاية الكثيرين التحصيل كيفما اتفق دون النظر الى الضوابط الشرعية والقواعد المرعية في ابواب المعاملات بين الناس بيعاً وشراءً ومرابحةً وان مثل هذه المعرة لم تأتِ بغتة دون مقدمات بل إنها رجع صدى لقلة العلم وضعف الحرص على استجلاب المال من طرقه الواضحة البيّنة من حيث الحل والحرمة. واعتبر أن ما نشاهده اليوم من عروض استثمارية متنوعة يعتريها شبه وشكوك بل يعتريها ظن راجح بأنها ملتاثة بشيءٍ من الطرق المحرمة في المعاملات انما هو يذكرنا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:( ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ من المال بحلال أو بحرام). وقال إن الثورة المالية الهائلة في أوساط المستثمرين قد ولدت شيئاً من المحن والمشاحة والدعاوى إضافة إلى الاعسار المفاجئ والخسائر المتراكمة التي تحل ببعض الفرص الاستثمارية فتشتعل على إثرها الخصومات والنكبات جراء تلكم الحملات التي لم تكن محض مصادفة مع الاعتراف بأنها غالباً ما تكون مفاجئة وهذا كله يجعلنا نؤكد على توضيح بعض الأمور وتجليتها لمن اصيبوا بالعمى في هذا الميدان واستنشقوا غباره وذلك من خلال الوصايا التالية الوصية الأولى ان أمور العباد وأموالهم مبنية على المشاحة والمؤخذة فالمستثمرون في الجملة عمي البصائر أمام صاحب الاستثمار ما دام رابحاً موفقاً لا يسألونه عن صغيرة ولا عن كبيرة ناهيكم عن المبالغة في مدحه والثناء عليه والاعجاب به فاذا ما خسر وكبا انقلبوا على وجوههم شاتمين له ومدعين عليه والواقع يؤكد موالاتهم له في الغنم ومعاداتهم له في الغرم. الوصية الثانية ان الأصل في أموال الناس وحقوقهم الحرمة فلا يجوز الاعتداء عليها أو المماطلة والتفريط فيها أو الوقوع في التأويلات المبررة بالتصرفات الممنوعة فيها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وعند مسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( بما تأخذ مال أخيك بغير حق). الوصية الثالثة ان القناعة والسماحة في ميدان التجارة أمران مندوم إليهما اذ هما مظنة البركة كما أن الطمع والجشع وعدم القناعة مظنة للكبوة وقلة البركة لان للتجارة ثورة كثروة الخمرة تأخذ شاربها حتى ينتشي فاذا انتشى عاود حتى يصير مدمناً لا يفيق من نشوة المغامرة والطمع حتى يستوي عنده حال الخمار والافاقة ولات ساعة مندم ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:( من يأخذ مالا بحقه يبارك له فيه ومن يأخذ مالا بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع فالسماحة والقناعة هما رأس البركة والرحمة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -( رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى). الوصية الرابعة وهي تصحيح لبعض المفاهيم المغلوطة لدى بعض المرابحين حيث يظنون أن المعاملات المحرمة لا تكون محرمة إلا إذا شابها صورة من صور الربا وأن أي معاملة خالية من الربا فهي حلال وهذا ظن خاطئ بل إن المعاملات المحرمة أعم في السبب في ذلك لأنها في الحقيقة ترجع الى ثلاثة قواعد اولاهن قاعدة الربا بأنواعه وصوره والثانية قاعدة الغرر بأقسامه وأنواعه والثالثة قاعدة التغرير والخداع بألوانه وأحواله، وهذا أمر قل من يتفطن له من التجار والمرابحين لان المعاملة قد تحرم بسبب نقصانها شرطا من شروط صحة البيع المعلومة وان لم تكن على صورة ربا، فالبركة كل البركة في الكسب الحلال والمحق كل المحق في الكسب الحرام أما الوصية الخامسة فنوجهها إلى من ائتمنهم الناس على أموالهم في الاتجار والمرابحة ان يتقوا الله فيها وان يسيروا في اتمامها على الوجه المباح والوضوح والخضوع لما أحل الله فيها والبعد والنأي عن أي موضع ريبة أو شبهة أو تفريط أو إهمال او استغلال ثقة الناس بهم في أن يتصرفوا فيها على غير ما وضعت له فإن من نوى أن يفي بحقوق الناس كان الله معه والعكس بالعكس. وقال فضيلته إن الشريعة الإسلامية قد جاءت موافقة لبقية الشرائع السماوية لحفظ الضرورات الخمس وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال فالبيع والشراء والمرابحة كلها تندرج تحت ضرورة حفظ المال وانطلاقاً من حفظ هذه الضرورة فإن الشارع الحكيم لم يدع الفرد المسلم حراً في التصرف المالي دون ضوابط لان لا يخرج بالمال عن مقصده الذي اكرم به بني آدم من كونه نعمة ومنة الى كونه نقمة على صاحبه ووبالاً يسأل عنه يوم القيامة فقد صح عن الترمذي وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال:( لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع وذكر منها وعن ماله من أين اكتسبه وفيما انفقه) فالواجب على كل مسلم أن يدرك حقيقة المال وانه سلاح ذو حدين وليحذر أشد الحذر أن ينقلب عليه فتنة وبلاءً لان الله جل شأنه قال عن المال {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (28) سورة الأنفال، فالواجب على ولاة الأمور والعلماء والمختصين في المعاملات المالية أن يكون لهم جهود ملموسة في حفظ هذه الضرورة من خلال وضع الضوابط الشرعية والمصالح المرسلة لتكون سياجاً منيعاً يحول دون العبث بأموال الناس ولاجل أن تقلل من ضحايا المرابحين المتهورين والبسطاء المغامرين ولان لا تكون السوق المالية كلاءً مباحاً لكل ساذج يرعى حول حماها وذلك حماية للحقوق والمصالح ودرءاً للمفاسد والعبث بأموال الناس يقول الله تعالى {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.