إن من جميل صفات التشريع الإسلامي تلك المرتكزات التي يقوم عليها من السهولة واليسر والسماحة والتخفيف؛ إذ راعى حال جميع أفراده وتفاوت قدراتهم واختلاف أحوالهم وطاقاتهم، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وفي التوجيهات المحمدية والإرشادات النبوية نجد الحرص منه عليه الصلاة والسلام على عدم الإثقال على الأمة، وسلوك جانب التيسير في سائر الأحكام التشريعية في العبادات والمعاملات، وكافة التكاليف الدينية، وحث عليه الصلاة والسلام على الزواج وهو زمام محورنا هنا؛ ليحفظ المسلم نفسه عن الوقوع في المحرمات والمخالفات، وليقطف مصالح الزواج ولينعم كل المجتمع بنتائجه وثمراته وقد دعا عليه الصلاة والسلام إلى إزالة كافة العقبات التي تقف في طريق الزواج وتيسير الطرق الموصلة إليه، ومن أهمها المهر وبين صلى الله عليه وسلم أن تخفيف الصداق يجلب الخير للزوجين ويضفي على حياتهما أجواء من السعادة والهناء. إن أعظم النكاح بركة أيسره مئونة، إن للمتغالين في المهور آثاراً سلبية ونتائج عكسية؛ فالزوج حينما يلزم بدفع صداق عال ومهر غال يشق على نفسه في توفيره ويتكلف في جمعه فيقترض من هذا وذاك ويتحمل الديون التي تثقل كاهله وتقلق راحته، ويسعى في جمع المهر أوقاتاً طويلة ثم يدفعه لزوجه أو ولي أمرها. هذا وبعد أن يدخل بها ويمضي معها فترة ليست طويلة وبعد ما يحين موعد السداد في الديون يكتشف أنه عاجز عن الوفاء لكل ما اقترضه وغير قادر على سداد ما استدانه، ويؤدي ذلك إلى كرهه لزوجته لأن توفير صداقها هو الذي أغرقه في تلك الديون، فتكالبت عليه الهموم وتنصرف رغبته عنها فإن تلك الديون شكلت له عقبة واقفة في طريق سعادته وبقيت ناراً تتلظى في فؤاده، وكم نادى الدعاة وخطباء المساجد والمصلحون وكم رددوا من المواعظ والدروس والنصائح التي أصغت إليها أسماع بعض الأولياء ولم تنصت لها قلوبهم ؛ حيث دعوا إلى تخفيف المهور وأكدوا على ضرورة تيسيرها ، وبينوا الأخطار الناجمة عن المغالاة فيها فكم من شاب عقد العزم على إكمال نصف دينه فاعترضت له هذه العقبة فصدمته فتوقفت آماله وتحطمت رغباته وشكا إلى الله حاله، وكم من فتاة تتوق إلى تكوين أسرة وإنجاب أولاد، فحال وليها بينها وبين تحقيق آمالها وذلك باشتراطه مهراً غالياً كلما تقدم أحد لخطبتها. لقد أصبحت مشكلة غلاء المهور أمراً يؤرق كثيراً من الشباب والفتيات ، ويقلق الأيامى من الذكور والإناث وما ذاك إلا لجشع بعض الأولياء وتنافسهم في جمع المال من هذه الطريقة طريقة المغالاة في المهور والطمع المادي الذي ترسب في قلوبهم، فلم يدركوا أهداف الزواج ولم يعطوه اهتماماً لمقاصده السليمة وأهدافه النبيلة والله المستعان وعليه التكلان.