عندما يقرأ أحدنا ويطلع على أسماء المتورطين في الأحداث الإرهابية الأخيرة، والتي تنشرها وزارة الداخلية في أعقاب كل جريمة تستهدف الأبرياء من مواطنين ومقيمين يتبين أن الجميع يشتركون في أمر واحد وهو أنهم جميعاً متعلمون أي أنهم التحقوا في بداية حياتهم بالدراسة وترعرعوا في مدارسنا بل إن معظمهم قضى فترات طويلة في تلقي العلم بين جنباتها ومن المعروف أنه لا يوجد في مناهجنا ما يحث على العنف والإرهاب، فهذه المناهج هي التي خرّجت علماءنا وأدباءنا ومثقفينا ووزراءنا وجميع من يعمل من أبناء هذا الوطن بمختلف مستوياتهم وهذا ما يدعو للاستغراب، ويجعلنا نتساءل عن مكمن الخلل ونبحث عن القصور الذي جعلهم عرضة للانحراف، وهيأ عقولهم لتصبح تربة خصبة للآخرين كي يبثوا سمومهم فيها ويسيروها لتحقيق مآربهم الدنيئة ومخططاتهم العدوانية، وأول ما يتبادر لذهن الباحث عما سبق هو أن هناك خللا في البيئة المدرسية أوجد فرصة سانحة لأولئك الإرهاربيين في أن يستغلوا تلك العقول الناشئة لتحقيق ما يريدونه، ولايخفى على المتابع لما يحدث في مدارسنا هذا الخلل والذي يتمثل في جانب مهم ألا وهو الخلل في الجانب التربوي، أي أن الجانب التعليمي والمتمثل في المناهج الدراسية لا دور له في ذلك الإرهاب، بل هو الجانب التربوي، فالملاحظ أن التركيز في مدارسنا في جانبه الأكبر يتمحور حول العملية التعليمية ويركز عليها كمحور رئيسي، فكل ما يجري داخل أسوار مدارسنا يتمحور أغلبه حول سير العملية التعليمية، فالتعاميم والدورات والأنشطة التي تقام كلها في الغالب تدور في فلك التعليم مهملة أمر التربية إلا في القليل! وبالرغم من أن وزارة المعارف قد انتبهت لهذا الأمر وتدراكته من خلال إضافتها لعبارة التربية لمسماها وأصبحت وزارة للتربية والتعليم إلا أن هذا التغيير لم ولن يحدث أي تطور في العملية التعليمية ما لم يصاحبه تعزيز على أرض الواقع، كإضافة بعض المناهج التي تركز على الجانب التربوي بشرط أن يكون ذلك الشيء مركزاً في المرحلة الابتدائية أكثر من أي مرحلة أخرى لأننا لا نضمن أن الطالب سيواصل دراسته بعد المرحلة الابتدائية وأيضا تحقيقا لمبدأ من شب على شيء شاب عليه. ومع أن الوزارة اهتمت (ظاهرياً وشكلياً) بهذا الجانب من خلال إيجادها لمرشد طلابي في كل مدرسة إلا أن ذلك لم يغير من الأمر شيئا، فبالنظر إلى واقع العمل الإرشادي في مدارسنا يتبين لنا صرف هذا الجانب عن هدفه الحقيقي من خلال إشغال وقت المرشد الطلابي بأعمال كتابية وإدارية لا علاقة لها بعمله الأساسي!! بالإضافة للمتابعة اليومية للواجبات الدراسية ومستوى الطالب (التعليمي) في الغالب! وبالاطلاع على اللائحة التي صدرت أخيراً بخصوص السلوك والمواظبة وما تضمنته من إعطائهما أهمية أكثر من السابق من خلال تخصيص مائة درجة لكل منهما، إلا أن ذلك لا يغفل الدهشة التي تتولد لدى المطلع على كثرة السلوكيات الخاطئة التي حوتها اللائحة، فبالرغم من أن هذه السلوكيات ليست في الحقيقة ضرباً من الخيال بل هي موجودة فعلاً في الواقع المدرسي، وما حصرها في لائحة واحدة إلا لتنظيم العقوبات المترتبة على ممارستها ومساعدة الهيئة المدرسية في التعامل معها والقضاء عليها، أقول بالرغم من ذلك تصيبنا الدهشة من حدوث مثل هذه السلوكيات الخاطئة حتى أن المرء يصاب بالحيرة هل هو في مدرسة تعنى بالجانب التربوي أم في غابة يمارس البعض فيها سلوكياته الخاطئة كما يشاء!!! فمن السلوكيات التي حوتها اللائحة ما يلي:- إثارة الفوضى داخل محيط المدرسة!!. اعتناق المذاهب الهدامة!!. ممارسة السلوك الشاذ!!. العبث بممتلكات المدرسة أو تعمُّد إتلاف أو تخريب شيء من تجهيزات المدرسة أو مبانيها!!. حيازة أو توزيع أو عرض المواد الإعلامية الممنوعة!!. تزوير توقيع ولي الأمر والوثائق الرسمية والأختام!!. تهديد إداريي المدرسة أو معلميها أو إلحاق الضرر بممتلكاتهم!! إلحاق الضرر المتعمد بممتلكات الآخرين!!. حيازة أو استخدام الأسلحة أو ما في حكمها!! وغيرها كثير، مما يجعل المرء يتحير ويتساءل هل من الممكن أن تصدر مثل هذه الأمور من شباب لم يتجاوزوا العقد الثاني من أعمارهم!! والأدهى من ذلك أنها تحدث في مكان ما كان ينبغي أن تحدث فيه ولكن!! لذلك يجب على وزارة التربية والتعليم أن تولي عمل المرشد كل اهتمامها وتيسر له أداء مهمته على الوجه الأكمل حتى يتصدى لمحاربة تلك السلوكيات الشاذة والمنحرفة ويعمل على غرس المفاهيم الصحيحة منذ الصغر، ويهتم بالتنشئة السليمة للجميع انطلاقاً من دوره الذي يوجب عليه ضرورة القيام بتوجيه الطالب وإرشاده إسلامياً في جميع النواحي النفسية والأخلاقية والاجتماعية والتربوية وغيرها، وأن يقوم بممارسة التوجيه والإرشاد الوقائي الذي يعتبر من أهم أنواع الإرشاد التي يتوجب عليه القيام بها من خلال توعية وتبصير الطلاب حول الآثار السيئة التي قد يتعرض لها بعضهم من خلال تحذيرهم من مغبة الوقوع في ممارسة تلك السلوكيات وبيان أضرارها على الفرد والمجتمع، وكما هو معروف فالوقاية خير من العلاج، كما يمكن ان يعطى كامل الحرية في أن يمارس دوره في تطبيق ما تعلّمه على أرض الواقع فيما يختص بالتوجيه والإرشاد الديني والأخلاقي، وكذلك التوجيه والإرشاد الاجتماعي الذي يهدف إلى التنشئة الاجتماعية من خلال تعويد الطالب على ممارسة الاتجاهات الإيجابية مثل حب الآخرين والتعاون معهم فيما فيه صالح المجتمع، فالمدرسة جزء من المجتمع وما يحدث في المجتمع من سلوكيات خاطئة وتوجهات متطرفة من الممكن أن ينتقل عبر البعض إلى داخل أسوار المدرسة ويسبب خللاً في العملية التربوية وبالتالي يؤثر على العملية التعليمية حيث هما وجهان لعملة واحدة. وأخيراً يمكن للوزارة أن تطور عمل المرشد الطلابي، وتحفزه على القيام بدور أكبر يتمثل في أن يتجاوز عمله المتضمن متابعة الطالب من داخل أسوار المدرسة إلى خارجها وألا يقتصر عمله على ساعات الدوام الرسمية، ولن يتحقق ذلك إلا بإيجاد الحوافز المشجعة له لأن يقوم بذلك، فما يقوم به من عمل هو أهم وأكبر مما يقوم به مدير المدرسة الذي يحظى باهتمام منقطع النظير من لدن الوزارة، فهو لا يبتغي إلا القليل مما توليه الوزارة للمدير!! * مدرسة تحفيظ القرآن الكريم برفحاء.. منطقة الحدود الشمالية