تعقيباً على ما قرأته مؤخراً من طروحات حول آفة التدخين أقول: إنه باتساع التعامل والانفتاح على العمالة الوافدة أصبح المدخنون أكثر، من غير المدخنين، فلا تكاد تدخل محلاً أو مكتباً أو مستشفى أو مصنعاً أو أي مكان إلا وتجد المدخنين، ما عدا المساجد فلم يجرؤ أحد أن يدخن فيها -والحمد لله - وفي غياب الرقابة والتوعية الدينية والصحية والحضارية فلم ترفع راية مكافحة التدخين إطلاقاً بعد أن كانت عالية فوق الأشهاد.. إذ كان يعتبر المدخن إنساناً منبوذاً ومكروهة مجالسته أو الصلاة معه وخلفه.. وكان الناس عندما يشمون رائحة الدخان في الحي كله يبحثون عن مصدره ويوقعون بالمدخن شر العقوبة، ولا يباع إلا سراً، ولا تتوفر إلا الأنواع الرديئة جداً، أما وقد غزتنا الحضارة بجميع أصنافها مع الوافدين من الأجانب والموفدين من أبناء هذا الوطن فأصبح الدخان يحتل مقدمة المحلات الغذائية والمعارض التجارية، وحتى المطاعم والمنتديات، ويا للأسف. هذه نظرة تاريخية ولا يعلمها إلا القليل من أبناء هذا الوطن، أما الشباب والأجيال الأخيرة فيعتقدون أن الدخان أمر طبيعي مثله مثل أنواع الأغذية والمساكن والطرقات موجودة منذ الأزل وأمر مباح. كل ذلك في غياب التوعية والتوجيه حيث قد تجد أن الطبيب الذي يعالجك يدخن والمدرس يدخن وسعادة المدير يدخن وما على الباقين إلا أن يدخنوا تبعاً للقدوات السابقين. وما أن رفعت -والحمد لله- راية مكافحة هذا السم الشنيع الذي أسميه أنا ب (أبي الكبائر) مقارنة بالخمرة والتي تكنى بأم الكبائر حيث إنها تدعو الإنسان لارتكاب المحرمات والكبائر إذا تناولها شاربها. والدخان لا منافع فيه على الإطلاق وإن توهم المدخنون انه يصفي الذهن ويركز التفكير وغير ذلك، فصفاء ذهن المدخن والتركيز عند التدخين يعود لكون المدخن لا يفكر في الحرمان من الدخان لأي سبب كان والامتناع القسري كعدم توفره في تلك اللحظة، أو المنع الكلي لسبب أو لآخر كالعطشان أو الجائع الذي يعتصره الجوع والعطش فلا يجد الغذاء أو الماء وهو في حالة عمل مستمر ويطلب منه القيام بأعمال ذهنية أو جسدية. فالجوع والعطش يتسببان - مع قسوتهما - في منع التفكير أو تشتت الأفكار حتى يتناول العامل المفكر وجبته وتمتلئ المعدة وتسيل الدماء في العروق ويصفى الذهن بعد انقطاع عن الحركة والتفكير بسبب الجوع وقلة الأكل والشرب. فما يعزى من فوائد للدخان هي مجرد أوهام، والدخان عادة وأقبح عادة ولو كشف للمدخن عن صمامات قلبه وعن لون رئته وعمّ ينتظره في المستقبل القريب من أمراض للعظام وشرايين القلب والمخ وتيبس وتلوث في العروق الدقيقة والغليظة لما شرب الدخان مهما كان السبب، والواجب على كل مدخن أن يذهب إلى الطبيب ليجري التحاليل المخبرية على قلبه ورئته ومعدته وشرايين جسمه، ناهيك عن القدرات الأخرى التي تنهار بسرعة بسبب التدخين. لو أن المدخن تمعن في قول الأسلاف من الشعراء الذين قالوا: يا شارب الدخان شاربك لا طال إياك وإيّا واحد جاز دونه وما قيل فيه في قصيدة توبة مدخن: قربه جرب شارب التدخين يا شين ريحة نخاشيشه فعلاً ما أقبح رائحة فم المدخن وأنفه عندما يقترب منك محدثاً أو مسلماً فإنك تشعر بالغثيان والتقزز في حين أن المدخن لا يشعر بذلك ولا يحس به لأنه جزء من الرائحة المنبثقة منه، ولو علم ذلك لهجر المجلس وابتعد عن الناس. المدخنون ومع الأسف الشديد لم يكونوا يعتقدون بضرره للآخرين عندما يشعل أحدهم سيجارته وسط مجموعة أخرى لا تدخن، ويمنعهم الاحترام والخجل من لومه ومنعه بطريقة أو بأخرى، والمدخن لم يكن يعلم ان ذلك الذي يشم رائحته المنعشة هي في الحقيقة رائحة نتنة ومؤذية للآخرين، بل وتضر بصحتهم مثله وأكثر منه. كل ذلك في غياب التوعية والتوجيه والتكاتف وإيجاد السبل لمحاربة (التدخين) أبو الكبائر كما أسلفنا. أما وقد اتجهت النية لمحاربة التدخين فيجب أن تكون صارمة وقوية وعلى جميع الجبهات فكما قلدْنا الغرب بالتدخين واستوردناه منهم ظناً بوجاهته وفائدته، فإنه يجب أيضاً تقليدهم بمنعه وطرق نفس الأسباب والوسائل، بل ونزيد عليها بصفتنا أمة مسلمة نحرم الحرام ونحل الحلال، فقد أحل الله لنا الطيبات من الرزق وحرم علينا الخبائث، ومساهمة في تفعيل عملية مكافحة التدخين أرى ان يتبع لهذا منهجاً يليق بقدسية هذه البلاد الكريمة ودينها العظيم وعادات وتقاليد أبنائها منذ الأزل والحمد لله. ويسرني أن أقدم اقتراحي بالخطة المتكاملة لمنع التدخين ومكافحته لكونه أذى يصاحب الشباب بل والشيبان أحياناً - وما أكثرهم - ومساعدة الآخرين على أنفسهم، وتتكون الخطة من الآتي: 1- تكوين هيئة عامة لمكافحة التدخين، يكون المسؤولون فيها من المدخنين القدامى وأصحاب التجربة الذين هداهم الله للإقلاع عنه بعد القناعة بمضاره. ويكون لهذه الهيئة تشكيل رسمي كما يلي: أ - الإدارة. ب - الإعلام والإرشاد، المرئي والمسموع والمكتوب. ج - الإشراف والمتابعة على التنفيذ. د - البحث والتطوير لوسائل المكافحة. ه - التنفيذ والجزاء والمكافآت. وكما هو واضح من خلال هذه المسميات فلكل قسم واجبه ويمكن تفصيل ذلك من خلال وضع الدراسة المتكاملة والموافقة عليها والأمر بتنفيذها. 2- المصادر المالية لهذه الإدارة ومواقع التدخين: أ - من عوائد رسوم التدخين بأنواعه (سجائر، شيشة، جراك، معسل) وغيرها حيث تجمع كافة الرسوم وتحول لهذه الإدارة لتقوم بواجبها، وتصرف منها المرتبات للعاملين والمكافآت للناشطين من المواطنين المتعاونين مع أعضاء الهيئة. ب - من عوائد العقوبات على المدخنين المخالفين لتعليمات منع التدخين حيث تفرض غرامة مالية على المدخن في الأماكن الممنوعة وتخضع لتقدير الهيئة عند تشكيلها. ج - عوائد منع التدخين من مخالفات المحلات التجارية التي تبيع الدخان بأنواعه عند مخالفتها التعليمات وتقدر قيمة المخالفات من الإدارة. د - يخضع تسويق التدخين لنظام تحديد مواقع البيع، فيمنع بيع الدخان بالتموينات والبقالات والمطاعم وأسواق التموين، ويحدد له مواقع (أكشاك) أو (قمرات) صغيرة في الشوارع الرئيسية لبيع الدخان ومشتقاته وبكميات محددة تنفد في نهاية اليوم ولا تبيع إلا بالعلبة وليس بالكرتون أو الجملة وبفواتير مخصصة لهذا الغرض. ه - تحديد مواقع التدخين في المطاعم والمطارات والدوائر الحكومية، وتصمم هذه المواقع لتكون لائقة بالتدخين ودون أن تزود بأي خدمات أخرى كالمشروبات أو المأكولات، أما المطاعم فتخصص مكاناً من المطعم للمدخنين بعيداً عن غير المدخنين، مع ملاحظة إعطاء امتياز لأماكن غير المدخنين من حيث التجهيز. و - الشوارع القريبة من المساجد يمنع التدخين فيها إطلاقا ويعتبر من الأماكن المحظورة في جميع المدن. 3- لما كان السبب المهم في انتشار عادة التدخين وتنوعه في المملكة هو من الوافدين في جميع أنحاء العالم، فإنه يقترح التأكد من أن المتعاقد الراغب في العمل غير مدخن، يمكن السماح له بالعمل في المملكة، اما العمالة الموجودون، فلا يجدد عقد المدخن إلا إذا قرر تركه، وإذا غادر المملكة فلا يعود حتى يتعهد بتركه للتدخين، والتأكيد على عدم استقدام أي مدخن من الخارج كما هو الحال في مرضى (السل) والإيدز وغيرها. 4- تستقبل الهيئة جميع التبرعات من أصحاب الخير والذين يتضامنون مع هذه الهيئة، وكذلك تستقبل كافة الإرشادات والأفكار التي تساهم في مكافحة التدخين. 5- يسمى العام 1425ه عام مكافحة التدخين، ولا ننصح بمنع استيراد التدخين، فيمكن استيراده كما هو الحال ولكن ترفع رسوم الاستيراد إلى خمسين ضعفاً لقيمة المادة مع عدم خلط الدخان بأنواعه مع المخدرات التي عقوبتها الإعدام. 6- تساهم الشؤون الإسلامية وخطباء المساجد ووسائل الإعلام كالصحف جميعها والإذاعات والقنوات التي تنتمي إلى المملكة العربية السعودية بوضع دعاية من خلال برامجها بصورة مستمرة توضح أخطار التدخين، وذلك بصورة مستمرة ويومية. 7- تعطى مكافأة لكل صاحب فكرة لمنع التدخين أو متعاون ليكشف عن المدخنين والمخالفين للتعليمات. 8- تنتشر أفرع الهيئة في جميع مدن المملكة، بعد تشكيل الهيئة الأساسية في الرياض. 9- تتولى وزارتا الصحة والثقافة والإعلام مهمة تنظيم الهيئة والإشراف عليها مباشرة وتتعاون الهيئة مع كافة الوزارات والهيئات الحكومية الأخرى والشركات وكافة المصالح الحكومية والخاصة. 10- هناك تفاصيل أخرى لدى الموافقة على هذه الفكرة سأقدمها لتفعيل هذه الهيئة وتشجيعها. والله من وراء القصد،،، محمد علي الجار الله