في كل موسم ينضج فيه التمر ويتوفر بكثرة والجو يعتدل وتنكسر الحرارة، نتذكر الطيور المهاجرة التي نسميها (النزل) والصيد، ولدينا قناعة أيضا أن الصيد مهارة وفن وتضحية وشهامة وفزعة وليس عبثا، لقد قام به الصيادون لسد الحاجة للغذاء عونا لأهلهم يبذلون ما في وسعهم من جهد لكي يحصلوا على شيء من الغذاء. اليا لفونا من المقناص زعالي أحد مدح بندقه وأحد يعذربها كنا مجموعة الصغار والشباب بل وبعض الكبار، نستعد لتلك الفترة وننتظرها بترقب، ونحن على موعد معها كل عام من طلوع سهيل وكثرة التمور في النخيل، وغالب ما نصيده هي الطيور المهاجرة النزل، التي تعبر أجواء بلداننا غريبة ليست من طيور البيئة المستقرة، ولا نراها إلا في هذا الوقت وهو شهر أغسطس بالذات وسبتمبر، غير متتبعين لمواسم صيد أخرى ولو كان فيها أنواع من طيور النزل، لأن هذا الوقت هو أبرزها عندنا، ولأن معظم الشباب يستعدون ببنادقهم بشكل شبه جماعي وقد صار تقليدا يتكرر في الإجازة، فكل أب قد اشترى لولده بندقية ذات الرصاصة الواحدة ونسميها بندقية هواء، فليس فيها بارود ولكنها تعمل عن طريق دفع الهواء للرصاصة، ونعتقد بأنها أقل ضررا من غيرها لهذا يحملها الصغار، وفي القرية لدينا ما لا يقل عن 30 بندقية من هذا النوع ونسميها أم صتمة، أما من هم أكبر سنا فيحملون بنادق أقوى منها كالشوزن الربع والنصف والكاملة، والساكتون ذات الرصاص المعتمد على البارود.ومن أهم الطيور التي نسميها (نزل ) والتي تتوفر في وسط الجزيرة وبالذات في البساتين والنخيل وتكثر من بداية موسم الحصاد إلى بداية الوسم: طيور الصعو ويكثر وقت الحصاد وهي شبيهة بالمسلق الذي يكثر وقت الوسم، ولكنه رمادي اللون وهي طيور صفراء البطن صغيرة كالعصفور، وصيدها صعب ومتعب ويعزف عنه الكثيرون لهذا السبب، ونظرا إلى أنهم لا يرون تكاثرا للصعو ذي اللون الأصفر يقولون بأن بيضه يذكّر ولا يشاف، فصار هذا القول مثلا شعبيا للشيء الذي يذكر ولكنه لا يكون واقعاً فنقول مواعيد فلان أو هذا الشيء (مثل بيض الصعو، يذكّر ولا يشاف). على أن أسهل وأكثر ما يصاد من الطيور هي الدّخل، بكل أنواعها الصغيرة والكبيرة وشيوخها وما يلحق بها، وكلما كان الطائر أكبر حجما وأكثر لحما وأسمن وأوفر شحما وأثقل وزنا صار الاهتمام بصيده أرغب واكثر، وغالبا لا يميز الشباب بين أنواعها المتعددة فيدرجونها ضمن مسمى الدخل. والكبير منها يتتبعها الصيادون ويتركون غيرها مما يضيع الوقت معه من الدخل صغير الحجم. ومن الطيور أيضا طائر السمان، وليس بكثرة الدخّل، ومن أهم الطيور طائر القميري المشابه للحمامة، وهي أجود ما يصاد وأوفر لحما وأثقلها وزنا وأقلها شحوما. ومن الطيور ايضا الخواضير، وليس الحرص على صيدها إلا لكبر أجسامها وإلا فإنه لا يصل إلى جودة القميري أو بقية الطيور من حيث لحمها والرغبة فيها، وينزل بعض من الغرانيق ذات اللون الأبيض التي تتخذ أعالي الأشجار والنخيل مكانا لوقوعها، وقل أن تكون في أغصان سفلية، لهذا يصعب صيدها، وهي أكبر الطيور التي تحط في قرانا، ونستمتع بصيدها وإن كانت غير شهية اللحم ولا طيبة المذاق والرائحة فرائحتها غير مستساغة مقارنة بالقميري والدخل. ومن الطيور التي نبحث عنها ونرغب في صيدها ونحتال لها طائر: الصفارى، وهي نوعان، نوع أصفر البطن أسود الجناحين، ونوع ليس فيه صفار، والأولى نسميها شيخة صفاري. ومن الطيور أيضا والتي تكون في الوديان والجبال وخارج المزارع: القطا والكروان والدراجل، وغيرها مما يعرف أنواعها المهتمون بها. طيور عديدة كثيرة الأنواع تهاجر عنا وقد نقصنا منها الكثير، وتروح عائدة علينا فنستعد لها كل موسم، تهاجر من المناطق الباردة إلى ما دونها من العروض الدفيئة، كالعراق والشام وشمال أفريقيا وسواحل البحر المتوسط وجزيرة العرب، ولو تتبعنا هجرتها لوجدناها طيلة العام تشهد رحلات فيها ذهاب وعودة من وإلى المناطق الدفيئة أو الباردة، وقد لا ننتبه لأنواع كثيرة منها سوى فترة أغسطس وسبتمبر على وجه التحديد، كما نركز على طيور هذه الفترة لا لشيء إلا أنها تتوافق مع فترة إجازات المدارس، وفي وقت يشكل العمل في النخيل تظاهرة كبرى من أهل القرية كلهم. ولم يكن لدى المجتمع ومحبي الصيد في بداياتهم وسائل صيد مصنوعة كالبنادق، ولكن يستخدمون أدوات بسيطة وصيدها ضئيل جدا، من ذلك ما يصنع من جريد النخل على شكل قوس يسمونه (المفقاس) في طرفه خيط يمر بثقب، وعندما يقع الطائر الصغير على العود يمسك الخيط برجله على هيئة كماشة فيمسك به حياً، وهذه طريقة صيد يقوم بها من يقيم طيلة يومه بين النخيل، كذلك عملوا النباطة، وتصنع من عود الأثل على شكل y يربط فيها مطاط يؤخذ من عجلة السيارة أو الدراجة، وينبط بها الحصى على الطائر فتصيبه فيسقط، وقد يذبح وقد يموت قبل ذلك وأغلب ذبح الأطفال يتم بعود صلب. والصيد بهذه الوسائل القديمة قليل، ويمكن أن نقول عنه: صيد متوازن مع مكونات البيئة، لا يصل إلى مرحلة الصيد الجائر ولن يصل، ويفي بالغرض الذي هو الغذاء وإرضاء هواة الصيد وما في نفوسهم من ولع مطاردته سواء بطير أو بواسطة السلق وكلب الصيد أو حبائل وغبية توضع في طريقه، ولا يسبب والحالة تلك مشكلة بيئية، ولكن جاءت البنادق مؤخرا فمال الميزان ناحية الصيد الجائر أحيانا والإضرار بالحياة الفطرية. وفي موسم الصيد وكثرة طيور النزل، تترك طيور البيئة الدائمة جانباً لا يلتفت لها، وهي عصافير المزارع واليمام والحمام الخضاري والقوبع والحمّر وأم سالم وما له صفة الاستيطان الدائم في المكان، وتتجه الأنظار لطيور النزل بكل أنواعها لسمنها. وللصيد جانب آخر غير طيور البساتين الحالية، هذا الجانب كان تاريخيا بدأه الأجداد للغرض نفسه وهو توفير الغذاء، ولكنه يتم في الصحراء وحول موارد المياه وفي الوديان وبين الأشجار البرية، تتم فيه مطاردة الأرانب والوعول والمها والغزلان والحبارى وأنواع عديدة يتم الترصد لها، وجل ما يذكر في القنص والصيد من هذا القبيل. ونختم الحلقة الأولى بقصيدة المقناص لفراج بن ريفة، ولها شهرتها وقد تغنى بها من قبل من يطرب لها وللمقناص قصائد متقاربة المعاني متشابهة منها ما تغنى به مطلق الذيابي (سمير الوادي) ومنها ما أنشد بعده. والقصيدة طويلة ومنها: لي بندق ماصنعها الصانع التالي من دقة المرك نحال خشايبها عطو الطويله عريب الجد والخالي وابن الردي لا تخلونه يزول بها بيدي قرار تكف الجمع لانهالي طويلة ناحل مقدم خشايبها واضرب بها الوعل لا منه تهيا لي أبو حنية كبير الراس شايبها لا ثار بارودها للي العود متالي منها الريايا مقطعة نشايبها ضربت عشر بها والفي مامالي والحادية روحت تثلغ مضاربها واقف معا لابتي ومنع بها التالي لا هاب ولد الردي معاد يزهبها على أن الأهم هو توظيف بندقية الصيد فيما ينفع كتوفير العشاء له ولمن معه فقد صاد كما قال، عشر قبل الظهر وقبل أن يميل الفي. وهذا مدح لمهارته، وليس الهدف هو قتل الصيد من طير وغيره والتشهي بالتصويب عليه وإجادة رميه، كما يفعله بعض الهواة، فهو يقول: اليا لفونا من المقناص زعالي أحد مدح بندقه وأحد يعذربها [بشرتهم بالعشا] من عقب مقيالي والقايدة مع مرد الكوع ضاربها ضربت عشر بها والفي مامالي والحادية روحت تثلغ مضاربها