قديماً وبمثل هذه الأيام من كل عام ينتظر -خصوصاً سكان القرى والمناطق الريفية في نجد وبعض أجزاء الجزيرة العربية- موسم صيد الطيور المهاجرة؛ الذي يأتي ليشكل رافداً غذائياً مهماً في زمن الشح والفاقة، ويكفيهم عدة أيام أعباء تكاليف الطعام الذي أن وجد في سوق الأحساء أو البصرة بالعراق فقد لا يتوفر عندهم ثمنه، ويستعدون لهذا الموسم بما يمتلكونه من أدوات ووسائل صيد بدائية بسيطة قبل توفر بنادق الصيد؛ تعتمد على الشباك والافخاخ ووسائل أخرى تصنع يدوياً لكنها تؤدي الغرض مع كثرة الطيور وانحصار المزارع وقلة الصيادين مقارنة بالزمن الحاضر. أشهرها:الدخل والبزبوز والقماري والصفار والحباري والقطا والكراوين معتقدات خاطئة كان الاعتقاد السائد لظاهرة هجرة الطيور لدى هؤلاء أن هذه الطيور تنزل عليهم من طبقات السماء العليا؛ لتشاركهم موسم التمر، وتعبأ بواسطة محادر أو (زبلان) و(تكب) على جياع وفقراء الأرض؛ جزموا مع ذلك أن ما تحمله من أوراق نباتات وحشرات في أحشائها انما هي من بقايا طعامها عندما كانت هناك؛ فحرصوا على أكلها بقوانصها وأحشائها مثل حرصهم على مص مناقيرها عند اصطيادها بعد ذبحها مباشرة؛ اعتقاداً منهم أن المادة الحلوة التي عادة ما تعلّق بالمناقير من بقايا التمور والفواكه هي من شهد أو عسل مصفى. تخويف الأمهات اسطوانة الأمهات والجدات التي تتكرر على مسامع الصغار -الذين يخشى عليهم من ضربات الشمس ومفاسد الشارع أثناء خروجهم للاصطياد- وقت القيلولة أو «انكفاف الرجل»، تتكرر دائماً بنغمتها المعروفة كل عام وبشكل دائم طيلة الموسم: إياكم والخروج حتى (لا يعضّكم الورر)؛ فإنه لا يفككم إلاّ إذا (...) عجوز الشام (حركة غير مؤدبة يعتقدون انها المخلص الوحيد من عضة هذا الكائن الحرشوفي) وتتصاعد نبرة التحذير: إذا فككم فإن مكان العض لا يشفى إلاّ إذا تمدد المصاب في ظل امرأة حامل لمدة سبعة أيام متواصلة. وسائل الصيد القديمة: الملواح و«النباطة» و«الشباك» و«المفقاس» و«المقمع» وسائل الصيد أدوات أو وسائل الصيد -كما ذكرنا- كانت بسيطة جداً في فكرتها واستخدامها في ظل انعدام بنادق الصيد الحديثة؛ فكانت أولى هذه الوسائل ما يعرف في نجد ب (الملواح) وهو عصا طويلة يزحف بها الصياد إلى طائر أو طيور تتجمع تحت ظل شجرة يأتي من اتجاه مصدر الظل (الاتجاه المعاكس)؛ ولانه لا يرى هذه الطيور يحتاج إلى شخص مساند يراقب من بعيد ويتواصل معه بالاشارة إلى المكان الصحيح لتواجدها، عندما تكون في مجال ضربة العصا التي يهوي بها بطريقة الالتفاف الخاطف بع ما يتلقى اشارة من الشخص المساند في الوقت والمكان المناسب، هناك أيضاً وسائل أخرى متعددة من أشهرها (النباطة) أو (نبَّالة السمينيات) و(الشباك) و(المفقاس) وقرن العنز والسهام وغيرها من الأدوات والوسائل الأخرى، ثم جاءت بعدها البنادق ومنها (القبسون) قبل بنادق الرش والبنادق الهوائية، وهذه النوعية وتسمى أيضاً (المقمع) يستخدم لها سيخ (مدك) يحشى بها ملح البارود يتبع بحصوات صغيرة، ثم يسد بروث الحمار وهي من أشهر البنادق القديمة التي تستخدم في جميع الاغراض في الحرب والسلم. أنواع الطيور الطيور هي تقريباً نفس الطيور المعروفة لدينا ومن أشهرها الدخل والبزبوز والقماري والصفار (الطائر الأصفر أوعصفور الجنة)، وأنواع اخرى عديدة غير طيور المواسم الأخرى، ومنها الحباري والقطا والكراوين أو السمقان، والتي يتعذّر اصطيادها بغير البنادق عدى القطا الذي يخادعه الصيادون بحوض ترابي يملأ بالماء ينصب حوله شبكة وينسفها الصياد بواسطة حبل يمسك برأسه أثناء اختبائه داخل حفرة أو عشة بالقرب منها عندما تتجمع عند حوض الماء وهي وسيلة مشهورة ومعروفة وبامكان الصياد ان يصطاد بين 10 إلى 50 طائر أكثر أو اقل في المرة الواحدة، ويعتمد ذلك على حجم وتثبيت الشبكة فقد تقتلعها الطيور وتحلق بها إن لم تكن بالحجم والتثبيت المناسب. يتجنبون صيد طائر «قبّار أمه وأبوه» و«حمامة قيس» ويخشون مقولة «بشّر نتاف الريش بالعمى»! مشبب وفي كل قرية أو مدينة هناك أشخاص يعرفون ببراعتهم في الاصطياد في أي من هذه الوسائل، ويطلق على الحاذق منهم (مشبب)، وبعض هؤلاء عند اصطياد أي طريدة بتخضيب وسيلة الصيد التي يستخدمها مثل (عقب) البندقية بدم الطريدة للتباهي والتبارك، ويعتقدون أيضاً أن الطريدة تتبع بأخرى يصطادها مباشرة عندما يفعل ذلك، ومن القصائد المشهورة التي قيلت في ذلك: لي بندق ما صنعها الصانع التالي من دقة (المارت) انحال مقاضبها شريتها بالثمن يوم ارخص المالي إبميه وعشرين ما يمهل بغايبها الله يرحمك يا عود شراها لي من واحد جابها للسوق جالبها حديدها واذكر الله كنه ريالي كن الحيايا تلوى في مقاضبها امشببه رميها ماض له افعالي امخضب عقبها من لفظ شاربها اقف بها بين ربعي وامنع التالي لا خاف ولد الردي ما احتال يزهبها كم مرة قد ضربنا منجم خالي وكم جملة فرقتها من ربايبها وليا لفونا من المقناص زعالي أحد مدح بندقة وأحد يعذربها بشرتهم بالعشا من عقب مقيالي القايدة مع مرد الكوع ضاربها اضرب بها الوعل لاجاله تهنفالي ابو حنية كبير الراس شايبها ذبحت عشرة بها والظل ما مالي والحاديه روحت تثلغ مضاربها توزيع الصيد يتزامن هذا الموسم مع موسم جني التمور الشحيح الذي لا يمتلكه أغلب الناس، لكن موسم صيد الطيور يكفيهم أعباء جزء كبير من تكاليف المعيشة لأشهر الموسم الاثنين أو الثلاثة، وجرت العادة أن الصياد يتقاسم مساء كل يوم مع جيرانه وأقاربه كمية الصيد التي حصل عليها، وعادة ما تكفي له ولعدد من الجيران، ويذكر ل»الرياض» «أبو بدر» أحد الذين عاشوا أواخر المرحلة انه كان يصطاد بثلاثة وسائل، وهي الشباك والمفقاس والنباطة معدل يومي يصل إلى 200 طائر مختلفة الأحجام يتقاسمها مع ثلاثة من جيرانه من الأقارب ممن لا يوجد بينهم صياد، ويتذكر كيف كان ينتظر هؤلاء وأطفالهم بلهفة وترقب قسمتهم اليومية مساء كل يوم. الصيد تحول إلى تجارة وإنشاء مزارع واستراحات على طرق الطيور وشراء أجهزة تقليد الأصوات أخلاق الصيد مثلما كانوا يتحاشون اصطياد بعض الطيور المحظورة في ثقافتهم وعرفهم، مثل طائر الهدهد الذي يطلقون عليه (قبّار أمه وأبوه) و(حمامة قيس) التي يعتقدون أنها لا تزال تنوح وتبكي الشاعر (قيس بن الملوح) صباح كل يوم وتسجع بصوتها الشجي مرددة (يا قيس قم)، أي انهض من قبرك لتلحق بليلى، فهم أيضاً محكومون بأخلاقيات وآداب هذه الهواية التي كانت صنعة، فهم لا يقتلون طائر يرقد على بيض أو يربي أفراخاً ولا يصطادونه إذا ما وجدوه داخل المنزل أو دخل عليهم ليستظل أو يشرب، ولا في حلكة الظلام إذا ما دخل الليل ويقولون عنه (دخيل)، كذلك لا يوجهون بنادقهم أو وسائل صيدهم إلى طائر يقع فوق جدار أحد الجيران أو باتجاه أبواب منزله، ويرددون مقولة مأثورة (بشّر نتاف الريش بالعمى) يؤمنون بأن نتاف الريش -أي الصياد- المسرف بالاصطياد يصاب بالعمى الكامل آخر عمره. بشرتهم بالعشا من عقب مقيالي القايدة مع مرد الكوع ضاربها تجاوزات غير مقبولة وكانت تحكمهم جملة من المثاليات والسلوم الأخرى التي يفتقدها أو يجهلها العديد من هواة الصيد اليوم، خصوصاً صغار السن الذين تجاوزوا أعراف وآداب الهواية التي تنهى على سبيل المثال عن اذاء الناس وإيقاع الضرر بالممتلكات، وتحديداً المرافق العامة ومعدات وآليات المزارع التي يقصدونها، بعدما صارت بعض الجهات الرسمية في القرى والمحافظات تتلقى شكاوي بعض المزارعين الذين أعطبت بعض معداتهم ببنادق هؤلاء الصيادين أثناء توجيهها إلى طائر يقع على إحدى تلك المعدات؛ حتى أن بعض استدعاءات حصر الأضرار تضمنت مبالغ بمئات الآلاف؛ نتيجة اصابة بندقية موجهة لطائر قد لا يتجوز وزنه 300 جرام، ومن هؤلاء «أبو حسن» صاحب مزرعة في الأسياح أُعطب له «مرش محوري» و»كيبل كهرباء» وجه له احد الصيادين بندقيته الشوزن أثناء وقوع بعض الطيور عليه؛ فاصطاد الطيور لكن بندقيته اخترقت المحوري واحدثت ثقوباً وتدميراً في أنابيب الألمنيوم، وتكرر عنده ذلك في أكثر من موقع، ومن المقرر أن تنظر إحدى المحاكم قضيته بعدما تمكن من معرفة المتسبب. ومن السلوكيات غير المقبولة توجيه البندقية إلى طائر فوق سور منزل مأهول أو شجرة داخل أسواره، ومن المواقف المضحكة والمؤلمة في الوقت نفسه ما ذكره ل»الرياض» «أبو مشعل» عندما اصطاد بعض الصيادين صغار السن طائراً كان يقع فوق شجرة داخل أسوار منزل مسكون في الثالثة ظهراً؛ فكان من الطبيعي أن يسقط الطائر داخل المنزل عندما ترجلوا من سيارتهم، وأخذوا يطرقون الباب بقوة في ساعات القيلولة، مطالبين من أصحاب المنزل إخراج الطائر؛ إلاّ أن صاحب المنزل العجوز الذي تكرر عليه مثل هذا الطلب خرج عليهم هائجاً بعصا غليظ ففروا وتركوا له الطائر. تجارة الصيد بعدما تحولت الهواية عند بعضهم إلى تجارة واستثمار حتى صرنا نسمع عن محميات صغيرة ومزارع بعضها في صحاري مقطوعة تقع على ممر الطيور العابرة، وعلى خط هجرتها تؤجر بالأجر اليومي أو الموسمي على هواة الصيد بمبالغ كبيرة تصل إلى 1000 ريال في اليوم الواحد يستخدم داخلها وسائل صيد جائرة، وأجهزة تقليد أصوات ونداءات الطيور الحديثة لاجتذابها ليلاً إلى حتفها على تلك الأصوات المختلفة (يصل بعضها إلى تقليد أكثر من 200 نوع من الطيور المعروفة)؛ لتقع في الشباك المنصوبة حولها. ويذكر احد أولئك ل»الرياض» انه يستأجر مزرعة صغيرة في منطقة الشمال يغطي جزءاً منها بالشباك، وفي الأيام التي يكثر فيها مرور الطيور وتسمى بلغة الصيادين (هيضة) يصحو ليجد ما اصطادته شباكه يفوق 800 طائر بمختلف الأحجام والأنواع، ويعمد بعضهم إلى تبريدها وتخزينها، ثم بيعها على زبائن مخصصين وعلى بعض الفنادق فئة خمس نجوم بعد ما صارت الطيور البرية جزءاً رئيساً من موائد الطبقة الارستقراطية، وعلية القوم في المناسبة الخاصة يروج لها عن طريق الإعلانات التسويقية تحدد سعر الطائر الصغير (الدخّل) زنة 60 جراماً تقريباً بين 5 إلى 8 ريالات، والصفّار والقماري (الحمام البري) من 30 إلى 40 ريالاً.