نهض الصيّادُ في الصباح، ونادى كلبَهُ "بارود". لم يأتِ الكلبُ إليه كعادته. قال الصيّاد: - بارود لم يسمع. وناداهُ من جديد، فلم يأتِ، فقال الصيّاد: - عجباً .. ما به الكلب اليوم؟ إنها المرة الأولى التي أناديه فيها ولا يجيء. هل هو مريض يا ترى؟ أم أنّ خللاً طرأ على أذُنيهِ بسبب الرعد الكثير الذي رعَدتْهُ السماء ليلة البارحة؟! أتى الكلبُ بارود في هذه اللحظة وهو يعطسُ ... فقال الصيّاد: - لقد صَدَقَ ظنّي .. بارود مصاب بالزُّكام. ومع ذلك فسآخذُه معي هذا النهار إلى الصيد. صاح الكلبُ متعجّباً: - تأخذني معك الى الصيد وأنا مُزكّم؟! قال الصيّاد: - أنت إذاً لا تريدني أن أذهب إلى الصيد في هذا النهار المُشْمِس الجميل. قال الكلب: - ذهابُك الى الصيد من دون كلب خيرٌ من ذهابك مع كلب مُزكّم. قال بارود ذلك، وعطسَ عطسةً قويةً سالتْ لها دموعه .. فاقترب الصيّاد منه وقال: - معك حق يا بارود .. لو أخذتُكَ معي الى الصيد فستكون من دون فائدة. لن تستطيع مساعدتي في اكتشاف الطيور وملاحقتها وسيعتبرُني الناس صيّاداً فاشلاً. قال بارود: - كذلك، سيعتبرُني الناس كلباً فاشلاً. قال الصيّاد: - ولأنك مزكِّم يا بارود، فستتعب بسرعة من الركض، وستمشي خلفي، وأمشي أنا أمامك. وسيضحك الناس من ذلك ويقولون "ما هذا الصيّاد الأبله الذي يمشي أمام كلبه؟". قال بارود: - وسيقولُ الناسُ أيضاً: "ما هذا الكلب الأبله الذي يمشي وراء الصيّاد؟". قال الصيّاد: - لا بأس. سأذهب الى الصيد وحدي. علّق الصيّادُ بندقيته في كتفه، ومضى مسرعاً باتجاه الحقول. كان الصيّادُ قد بدأ يتوغّلُ في أحد حقول القمحِ، عندما تبعَهُ بارود بأقصى سرعة يمكن أن يركض بها كلب مُزكِّم. فوجئ الصيّاد ببارود يقفزُ إلى جانبه فهتف به: - أحسنتَ بلحاقك بي يا بارود .. فقد تمنيتُ لو تتبعُني عندما بدأت بالإقتراب من حقل القمح. قال بارود: - سأعملُ على مساعدتك بقدر ما أستطيع. ومضى الصيّاد وكلبه يتقدّمان في حقول القمح الواسعة. كان أحد الطيور يتنقّل بين سنابل القمح عندما رأى بارود يتّجه نحوه. فجمدَ جناحاه من الذّعر. ووقف ينتظر هلاكه بين لحظة وأخرى. لكنَّ بارود مرَّ بقربه من دون أن ينتبه له. فقهقه الطائر ساخراً وفرَّ مبتعداً عن الحقل. طائرٌ آخر، نجا من بارود، فرَّ نحو التلال وهو يهتف: - هذا أغبى كلب رأيتُهُ في حياتي. والطائر الثالث الذي غَفِلَ عنه بارود قال: - هذا أغبى صيّادٍ في الدنيا .. لو أنه اصطحبَ غنمةً الى الصيد لكان أفضل له من اصطحاب هذا الكلب الحمار! وتعب الكلب المريض بسرعة، فراح يمشي وراء الصيّاد. وشاهدهما بعض الناس فقالوا: - ما هذا الصيّاد الأبله الذي يمشي أمام كلبه؟ وقال آخرون: - ما هذا الكلب الأبله الذي يمشي وراء الصيّاد؟ ضحكتِ الطيور، وضحك الناس، وخُيّل للصيّاد وكلبه أن الأشجار وسنابل القمح تضحك منهما، وهما يَعْدوانِ وسط الحقول، والطيور تفرُّ من حولهما من دون أن يتمكّنا من الظّفر بواحد منها. فقد كان بارود يَنْقِزُ كلما فرَّ طائرٌ من أمامه أو من ورائه. وكان الصيّادُ يطلقُ النار على الطيور الفارّة، بعد أن تكون قد ابتعدتْ كثيراً، مما جعل كل طلقاته تخيب! وفي المساء، عاد الصيّاد وكلبه الى البيت، وهما يجرجرانِ أذيال الخيبة. وفي الطريق، قال الصيّاد للكلب: - كان نهاراً جميلاً أليس كذلك يا بارود؟ - أجل .. أجل .. لا أظنّ فصل الربيع سيجودُ بنهارٍ أجمل من هذا النهار. قال بارود ذلك، وعطسَ عطسةً قوية كادتْ تُوقِعُهُ أرضاً! منظر عُصفورةٌ تُصَفِّرُ وجدولٌ يُثرثِرُ وزَهَرٌ منَوِّرُ والحقلُ زاهٍ أخضرُ طِبْنا وطابَ المنظرُ ضفدع الضِّفدعُ ضفدعْ نطَّ ونطَّ ونطّْ حتى بلغَ الشطّْ بلغ الشطَّ ونطّ وفي البحرِ وقعْ بلوووم ... الضفدعُ ضفدعْ