تُغرِّد الأطيارُ مع أنسامِ الصباح وتَهتفُ الأشعارُ أنغامَ الفلاح وتُنشِدُ الأسمارُ أحاديثَ النجاح وتنفِثُ الأزهارُ أكاليلَ الصلاح إليكَ يا وطني، يا نسمةَ فؤادي، يا بسمةَ ودادي، بِكُلِّ تباشيرِ الحُبِّ الدَّفِين، وتغاريدِ الوِدِّ المَتين، وتَراتيل الشوق الرَّصِين، إليكَ أهدي كلماتي، وأحكي عباراتي خفَّاقةً برَّاقةً، مِن قلبٍ جَذلان يَصبُو الأصالةَ في بوادِيها، ويَرنو العراقة مِن فيافيها، ويَشدُو الثقافة في روابيها. أحبك يا وطني المعطاء، يا من علمتني البذل والسخاء، وغرست فيَّ الوفاء، فأثمر الغراس بالولاء، منذ امتطى عبدالعزيز صهوته، والخير في ربا التوحيد يهديها، منذ أسفرت شمس التُّقى مشرقة، وراية التجديد تسمو والخير يرويها، باتت ضروب العلم في عيشنا أنساً، في روضنا زهراً، والمزن تسقيها. قدمت لي الكثير والكثير ولم أجازيك ولو باليسير، فلو تلفتُّ يميناً ويساراً لوجدت خير وطني يتدفق عليَّ بنبع صاف، وخير وارف، ولو حلقت بين أحضان تاريخك لوجدت أني أعبق بين مسيرة عطرة مزهرة، بين ماضٍ مجيد، وحاضر جديد، وكأني أضاهي السحاب، وأرباب المداد بما خطه من أمجاد وجهاد، من مسيرة التوحيد إلى مسيرة التجديد، حقّ لي أن أخطَّ ببناني مسطراً ذلك التاريخ الحافل بالبطولات، العامر بالانتصارات والتضحيات، حتى أصبحت بلادي مملكة مهابة، وستواصل هذا التنامي السامي إلى ذرى السمو والعلو بإذن الله. ذلك التاريخ الذي يمد رحابه بين عهدين كل منهما توِّج بالنصر، ونسج بالفخر، ومزج بالتَّبر، حتى أصبح ماضيه منارة لناظريه، و هداية لقاصدين من محبيه، وأصبح حاضرة الزاهر كالدُّر الناضر في بحر زاخر. حقاً إنه وطن عظيم، عظيم بحاكمه، عظيم بشعبه، عظيم بأرضه.. فها نحن نرى بلادنا نسيجاً مركباً بالوحدة والتآلف، كيف لا؟ والشريعة أساسها، والقرآن دستورها. أنت يا وطني ملاذ في حالك الأمم، أنت المنى والهدى من يساويك، باتت خمائلك كأحلي ما نظرت عيناي في الدنيا، أفلا نجازيك؟ يا موطن العلياء والحب عن كثب، يا مسرح الآمال والعلم ناديك، يا مشعل العلم يا روض العبير يا مرفأ الإخلاص للجيل حاديك، همم وعلم وفهم في نسائمك، كرم وحلم وسلم في أراضيك، أين الفرزدق والأعشى؟ أما علموا؟ أن الثقافة نهج في نواديك، رجوا عكاظ وذا المجاز ومجن، وفي بلادي اليوم أمثال تحاكيها، أين المثنى والمداد؟ أو ما دروا؟! أن السنا والقنا وسم في أراضيك، خلَّفت جيلاً صار العلم مقصده، صوب المعالي فكره، أفلا أناجيك؟ فَهْدٌ سرى بالمهج في كل ناحية، موصولة بوشاح الحب ترويك. قد ازدان هذا الوشاح بخيوط العسجد الهتَّان والزمرد الفتَّان، فأصبح دررا تسطع في سماء الوجود وبرقاً يلمع في رخاء العهود. لقد كنت يا وطني وما زلت رمزاً للرخاء والنماء ولم نعهد فيك الذل والبخل، حمل مسيرتك أفذاذ أبطال فكانوا خير عطاء وقت البلاء، وخير نماء لعصر الصفاء. ولكن ما الذي ثار في البلاد، فأثار الشجون والدمع الهتون؟ ما هذه الزوبعة الفتاكة التي تقودها فئة ضالة قد عاثت في الأرض فساداً وألحقت دماراً، وأزهقت أرواحاً، وقتلت أطفالاً، كم أبكت عيوناً وأدمت نفوساً؟!. من هؤلاء الشرذمة الأشرار؟! قد هجروا دينهم، وتنكروا لوطنهم، وهدموا أنفسهم بمعول الأفكار المضللة! قد تاهت دروبهم، وأخطأت مقاصدهم، فعارضوا أولي الألباب، وجانبوا الطريق الصواب، وألحقوا الخراب، والرهبة خلف كل باب. بيد أنك يا وطني ماضٍ قدماً في تخطي الصعاب، لمكافحة الإرهاب، لتعم البسمات، وتزول الحسرات، فرعاك الإله، وبارك سيرك بجهود قادتك، وأنهلك الرحمن من نسائمه لتسمو جنان الخير في روابيك.