صدق الله الحي القيوم - { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } .. نعم.. هو الموت ما منه ملاذ ومهربٌ.. متى حطَّ ذا عن نعشه ذاك يركبُ نشاهد ذا عَيْنِ اليقين حقيقةًً.. عليه مضى طفلُ وكهلٌ وأشيبُ ولكن علا الرانُ القلوبَ كأننا.. بما قد علمناه يقيناً نكذبُ استحضرت الآية الكريمة، ووجدتني أردد بتلقائية مع ابن عثيمين أبياته تلك بعد أن هاتفني أحد الإخوة معزياً بوفاة فضيلة الشيخ محمد بن علي السعوي الأستاذ بمعهد بريدة العلمي وإمام وخطيب جامع الراشد في مدينة بريدة؛ حيث كان لي شرف مزاملته في الدراسة بذلك المعهد وفي كلية الشريعة بالرياض، وكان - يرحمه الله -نعم الزميل وأكرم به من صديق صدوق؛ حيث عهدته في مقاعد الدراسة جاداً في طلب العلم طموحاً لنيل المعالي حتى حاز قصب السبق فيها، فهو المربي القدير والعالم الفاضل والعابد الورع والخطيب المفوه، وكم سمعته يردد قول الشاعر. لأستسهلنَّ الصعب أو أدرك المنى فما انقادت الآمال إلا لصابرِ وها هو يوافيه الأجل وهو في مسعاه لنيل درجة الدكتوراة، وكان عفا الله عنه يحث زملاءه وطلابه على مواصلة الدراسة؛ حتى يظفروا بشهادة الدراسات العليا، وأن يكون رائدهم طلب العلم لذات العلم.. وكم عتب عليَّ كثيراً في تأخري عن نيل تلك الشهادة بعد ان حصلت على درجة الماجستير قبل فترة. حيث أدرك بثاقب بصيرته أهمية حمل تلك الشهادة لطلبة العلم الشرعي. فكان - يرحمه الله - يعيش همَّ إخوانه وطلابه، بل وهمَّ الأمة الإسلامية. ظهر ذلك جلياً من خلال دروسه وخطبه ومحاضراته، فالصدق والوضوح وجزالة العبارة والقدرة على تحديد الهدف وإيصال الفكرة مع ما يعضدها من جمال الطرح وسلاسة الأسلوب، كلها وغيرها سمات أسهمت في انجفال الناس وتقاطرهم إلى دروسه وخطبه، يؤطر ذلك سيرة الشيخ العطرة بخلقه الرفيع وحكمته وهدوئه ونضارة العلماء وهيبتهم التي كانت تعلو محياه الأمر الذي أكسب حديثه عن قضايا الأمة والمجتمع وأحداث الساعة القبول والارتياح لدى عامة المتلقين، فرحم الله شيخنا الذي نحسبه والله حسيبه، ان الله حبب اليه الناس بعد ان أحبه، كما نسأله سبحانه أن يسكنه فسيح جناته ويتغمده بواسع رحمته، وأن يلهمنا وذويه الصبر والسلوان، وأن يحسن للمسلمين العزاء في فقد الأئمة الأعلام الذين مضوا والأمة اليوم أحوج ما تكون إلى علمهم وحكمتهم. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } وعزاؤنا ما قاله العلاَّمة الشيخ سلمان بن فهد العودة : الأمة الإسلامية أمة ولود ودود معطاء لاتزال غضة الأهاب موفورة الشباب ، قادرة بإذن الله على تعويض النقص الذي يطرأ عليها كل حين.. ومصير الإسلام مربوط بمصيرالأمة لا بمصير فرد ولا جماعة ولا مؤسسة ولا حتى دولة؛ الإسلام أكبر من كل ذلك.. فالحمد لله أولاً وأخيراً.