اطَّلعت على ما كتبه الأستاذ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ في عدد الجزيرة رقم 11504 في زاويته (شيء من) وقد تكلَّم فيها عما يعتقده بأن الشعر العامي هو الأقدر على التعبير عن الأحاسيس من الشعر الفصيح. والذي دفعني إلى الكتابة إطلاقه الدعوة في سياق حديثه إلى تدريس الشعر العامي أكاديمياً، وأما كونه يعتقد بضرورة الشعر العامي وقدرته فله ما يعتقد. وسوف أقف مع الأخ الكاتب بعض الوقفات فأقول: عندما دعوت إلى تدريس هذا الشعر فهلاَّ بيَّنت لنا مسوِّغات هذه الدعوة فأي فائدة تُرجى من تدريس شعرٍ مضطرب لا تحكمه قاعدة؟! وأيُّ جيل سوف يتخرَّج وقد تشبَّع من هذا الشعر المفتقد لأصول اللغة وأدواتها الرئيسة؟! ثم هل نحن بحاجة إلى الابتعاد أكثر عن لغة الذكر الحكيم أكثر من المسافة التي نحن فيها الآن؟! وقد وجدت نفسي في غاية الدهشة عندما قرأت قوله في معرض حديثه: (واحتقار الشعر العامي لدى بعض مثقفينا هو موقف لايمتُّ للأدب والشعر.. فهم يرفضونه ليس لمحتواه، وإنما رفضاً للغته لأسباب أيديولوجية. رغم أنَّ اللغة التي يرفضونها هي لغتهم المحليَّة) فأقول لا غبار في أن الرفض ليس موجهاً إلى ما يحتويه هذا الشعر فمنه ما يحمل همًّا إسلامياً أو وطنياً أو اجتماعياً سامياً ولكن تبقى اللغة التي يُعبْر بها عن هذا الشعر ما هي ضوابطها؟ ثم إن الشعر إنما هو انعكاس للحالة الثقافية للأمة كما نجد ذلك في العصر العباسي وخاصة الصدر الأول منه، فهل ترى أيها الأستاذ الكريم أن هذا الشعر العامي هو خير من يقدِّم انطباعاً عن حالتنا الثقافية؟ أفلا ترى أيها الأستاذ الكريم بأن هذا الشعر الذي دعوت إلى الاحتفاء به قد أصبح - وخاصة في الآونة الأخيرة- مطية سهلة حتى ليخيَّل إليك أن نصف المجتمع أصبَح شاعراً، وما عَليك إلا أن تنظر إلى ذاك الكم الهائل من هذا الشعر الذي قد خُصِّص له المَطبوعات الخاصة به، ومع ذلك فهو في معظمه لم يقدِّم ما يمكن أن يرتقي بذائقة المتلقي.