ما فتئت المرأة تتباكى على ضياع حقوقها، وإهمال وجودها، سواء على المستوى الرسمي، أو الاجتماعي الفاعل المؤثر في القرارات التي تحدد أطر الحياة الاجتماعية نفسها، بل لا تكاد وسيلة إعلام محلية أو دولية إلا وترى أن المرأة لدينا مغيّبة تغيباً مقصوداً، وتفرح المرأة بهذه (الفزعة الإعلامية)، وتبدأ بالتنظير عارضة كل الإمكانات العلمية والطاقات الإبداعية (المكبوتة)، وتُرجع عدم ظهور هذه الإمكانات والإبداعات إلى عدم وجود الفرصة، والحيف الواقع على هذه المسكينة، ونحن بدورنا نُصدّق هذه المأساة أيما تصديق. الندوة العدلية التي أقيمت مؤخراً برعاية سامية، تم الإعداد لها بجهود استثنائية، بحيث خرجت بتنظيم رائع متقن، أجمل ما فيه وجود إعداد خاص بالمرأة المشاركة والمتابعة لتلك الندوة التي حتماً ستتعرض للشؤون القضائية للإنسان بما فيها شؤون المرأة. في اليوم الأول للندوة كنا اثنتين فقط.... انتظرت لعل التأخير هو السبب.. لكننا بقينا اثنتين، وفي الفترة المسائية اقتصر حضور المرأة على واحدة فقط هي أنا، حيث كنت وحيدة في قاعة (طويلة عريضة) أعدت لاستقبال العشرات من النساء! قلت في نفسي لعل الدعوة لم توجه لهن، لكنني تذكرت أن الدعوة كانت عامة وموزعة في كل مكان، بل أرسلت لكافة الجهات الرسمية والشعبية. قلت لعل الأمر سيختلف غداً، لكننا بقينا اثنتين في اليوم الثاني أيضاً، وعدت واحدة في المساء أيضاً.... وانتهت أيام المؤتمر الحافلة بالمسائل القانونية، والأنظمة العدلية، ولم يزد عدد الحاضرات في أي يوم عن اثنتين....! كان السؤال يتردد عبر المايكروفون، إن كان لدى الحضور النسائي أية أسئلة أو تساؤلات، وفي كل مرة كنت أنظر من حولي فلا أرى أحداً... وللعلم فقد كانت قائمة النساء مجهزة بكل الضيافة الحميمية الأصيلة: القهوة - الماء - التكنولوجيا - الترجمة الفورية بمختلف اللغات... كل شيء حضر... فقط وحده غاب صوت المرأة، بل حضور المرأة! فأين يا ترى المرأة المسكينة المظلومة صاحبة الإمكانات التي تبحث عن فرصة لإثبات وجودها، وطرح قضاياها وشؤونها على بساط البحث؟ أين المرأة التي تبحث عن ذاتها في هذا الوقت الذي تتم فيه العملية الإصلاحية وبتوجيهات سامية صريحة وواضحة؟ بل أين المرأة الباحثة عن المعرفة لحدودها وشؤونها القانونية، وما يتوقع لهذه الشؤون والحدود من تغيير أو تعديل أو تكريس؟ بل أين المرأة العتيدة في لجنة حقوق الإنسان التي يفترض فيها أن تكون في الصف الأمامي للنساء اللواتي يعولن على هذه اللجنة الشيء الكثير، خاصة وان رئيس هذه اللجنة كان من المشاركين في الندوة؟ أين القطاع النسائي الخاص، والأكاديمي، والتربوي، وأساتذة القانون والشريعة من النساء في الجامعات، والمنظرات - وما أكثرهن -؟ كلهن موجودات بيننا في كل وقت، ولكن حينما كان لنا فيهن حاجة في الندوة العدلية التي جاءت في وقتها... ضاعت هؤلاء من أوقاتهن، ولم يعدن موجودات.... وتاليتها!!