لا يعطي شارون أي فرصة للعالم من حوله لأن يلتقط أنفاسه فهو يواصل الضربات تلو الضربات، سواء كانت عسكرية غاشمة ضد الشعب الفلسطيني أو ضربات سياسية قاصمة لمؤيدي السلام والاستقرار في المنطقة.. فمن بناء الجدار الفاصل إلى خطته الاحادية للانسحاب من غزة إلى ممارساته الدموية واغتيال الشيخ احمد ياسين والمذابح البشعة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني إلى زيارته مؤخرا للولايات المتحدةالامريكية حيث حصل على ضمانات امريكية تؤيده في نسف مسيرة السلام من اساسها بعد ما اعلنه الرئيس الامريكي بوش بمطالبة الفلسطينيين بالتخلي عن حق العودة واقامة اسرائيل المستوطنات والتفاوض على اساس المتغيرات الديموغرافية الحادثة وغيرها من التصريحات التي أثارت ردود فعل واسعة كما تركت استياء عربيا عاما وانتقادات فلسطينية؛ فقد اكد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على اهمية وضرورة حق العودة وحصول الفلسطينيين على اراضيهم والعيش في امن وأمان. وأكد المراقبون والمحللون السياسيون وخبراء الاستراتيجية أن تصريحات الرئيس الامريكي لم تؤكد فحسب على متانة العلاقات الاسرائيلية - الامريكية بل وكشفت عن قناعة الادارة الامريكية في عدم اعطاء أي حقوق للفلسطينيين ويؤكد الدكتور السيد عليوة استاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان انه لم يكن احد يأمل في التوصل إلى تسوية عادلة ولكن إلى تسوية فيها قدر من التوازن غير ان تصريحات بوش الاخيرة نسفت طريق التسوية من اساسه وأصبح التفاوض ليس هو الحل الوحيد لتصحيح ميزان القوى وأن الورقة الوحيدة الحالية في يد الفلسطينيين هي الموقف الداخلي والمقاومة فاستمرار الدعم الامريكي لاسرائيل يفتح الطريق على مصراعيه لتصاعد وتزايد عمليات المقاومة فتصريحات بوش اسقطت أي وسيلة أو اسلوب ضغط للسلطة الفلسطينية وأظهرت تحيزا واضحا لاسرائيل وجعلت كل محاولة للتسوية هي محاولة فاشلة، وأكد ان القضية الفلسطينية ليست كلامية ولكنها نضال مستمر مشيرا إلى ان الانتفاضة الفلسطينية عندما اندلعت زلزلت الارض تحت اقدام الاسرائيليين، ومنذ بدء العملية التفاوضية وتتبع اسرائيل سياسة المراوغة يجرون الفلسطينيين إلى عملية تفاوض لا تنتهي في حين يقومون بتغيير الامر الواقع في كل لحظة من بناء الجدار واقامة المستوطنات وطرح الخطط الاحادية الجانب والاستمرار في حفر الانفاق تحت المسجد الاقصى والفلسطينيون والعرب غارقون في العملية التفاوضية. انحياز تقليدي أما الخبير في الشئون الامريكية بالاهرام الكاتب عاطف الغمري فيرى انه في ظل حمى الانتخابات الامريكية يستطيع اللوبي اليهودي أن يأخذ كل شيء ويلقى استجابة واسعة لمطالبه ومما هو اكثر من الدعم والانحياز التقليدي لإسرائيل ولهذا لم يكن غريبا أو مفاجئا ان يعلن الرئيس بوش ما اعلنه حول مطالبة الفلسطينيين بالتخلي عن حق العودة وحق اسرائيل في الاحتفاظ ببعض المستعمرات المقامة في الضفة الغربية عقب انسحاب القوات الاسرائيلية كما قال بوش: (ان الفلسطينيين ينبغي ان يضعوا في اعتبارهم أن أي تسوية يجب أن تضع في اعتبارها العناصر الديموغرافية) فالذين يديرون الحملة الانتخابية للرئيس بوش اغلبهم من اليهود والمتعاطفين مع اسرائيل. وهنا أرى انه لا مجال الآن للحديث عن التسويات العادلة فالتسوية المطروحة الآن تسير حسب مخططات وتوجهات السياسية الاسرائيلية. ولا عجب ان الموقف الامريكي الذي جاء مخالفا للاجماع الدولي ويمثل حماية كبيرة للإسرائيليين ولا يهتم هنا بالشرعية الدولية أو مبادئ القانون الدولي فامريكا تتبع سياستها المعروفة وهي الكيل بمكيالين وتسير على منهج ازدواجية المعايير. سابقة تاريخية واشار الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى ان تصريحات بوش تمثل سابقة تاريخية لم يدل بها أي رئيس امريكي على مدى 56 عاما هي عمر النزاع العربي - الاسرائيلي وقال انها تنسف كل الثوابت الامريكية للحكومات الامريكية السابقة في التعامل مع قضايا الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. واضاف ان هذه التصريحات التي عبرت عن انحياز كامل لامريكا ورئيسها بوش إلى جانب اسرائيل اكدت أن شارون نجح في زيارته الاخيرة لواشنطن ان يحقق اكثر مما كان يفكر فيه وانه بهذا الموقف الامريكي الجديد انقذ حكومته من الانهيار بعد اتهامه بالفساد ومعارضة شركائه في الائتلاف الحاكم لخطته بشأن فك الارتباط والتي حظيت بدعم بوش وادارته. ولا شك ان لجوء شارون لواشنطن والتأييد الامريكي لخطته في هذا التوقيت بالذات يحقق مكاسب لكلا الطرفين بوش وشارون فالرئيس الامريكي يحتاج إلى ارضاء اسرائيل لكسب الصوت اليهودي في الانتخابات الامريكية في نوفمبر القادم كما يريد استغلال خطة شارون والدعم الامريكي لها ليظهر ان ادارته تقوم بجهود لتحريك عملية السلام وحل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي كما ان شارون في حاجة إلى الدعم الامريكي لخطته في مواجهة خصومه في حزبه وحكومته وخارجها وإنقاذ حكومته من الانهيار والسقوط. وقال جاد: ان شارون حقق في زيارته هذه ثلاثة مكاسب مهمة ظهرت من خلال تصريحات بوش اولها حصوله على ضمانات امريكية حول اجهاض حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى داخل حدود اسرائيل وثانيها اقرار شرعية الجدار الفاصل كوسيلة لحماية اسرائيل مما يسميه شارون الارهاب والمكسب الثالث هو موافقة واشنطن على ضم المستوطنات الاسرائيلية الكبيرة في اراضي الضفة الغربية إلى حدود اسرائيل التي ستحدد في اطار التسوية مع الفلسطينيين، وهذا كله إلى جانب المكسب الرئيسي والاساسي من هذه الزيارة وهو دعم امريكا لخطته للفصل من جانب واحد هذه المكاسب الشارونية كلها تهدد بنسف خريطة الطريق التي صاغتها اللجنة الرباعية الدولية وانهيار حلم الدولة الفلسطينية. وأوضح ان هذا الموقف الامريكي المنحاز سيحقق هدف شارون من خطته احادية الجانب وهو الابقاء على الوضع الراهن بالنسبة للتسوية مع الفلسطينيين لفترة طويلة مع فرض واقع جديد على الارض يؤدي إلى تغيير الثوابت الفلسطينية وقد نجح شارون في الحصول على دعم امريكي لتحقيق ذلك بعد تصريحات بوش الاخيرة التي عبرت عن موقف غير مسبوق من قضيتين من قضايا الحل النهائي للنزاع وهما الحدود واللاجئون. وأضاف ان شارون حصل بالفعل على اكثر مما كان يتوقع في هذه الزيارة فابعد ما كان يأمل فيه من بوش ان يتعهد بدعمه ولو في الخفاء اما أن يتم ذلك بصورة علانية فهذا لم يكن متوقعا خاصة ان الرئيس المصري مبارك كان قد سبق شارون بزيارة إلى واشنطن وأجرى مباحثات مع بوش حول هذه الموضوعات ولا شك ان هذه المستجدات ستؤدي إلى مزيد من تدهور الاوضاع في المنطقة والى مزيد من الانتهاكات الاسرائيلية وربما تدخل عملية السلام إلى نفق مظلم بعد ان ظهر جليا بما لا يدع مجالا للشك عدم نزاهة الوسيط الامريكي وانحيازه التام لاسرائيل. تحول خطير ويؤكد خالد الأزعر الكاتب والمفكر الفلسطيني أن تصريحات الرئيس الأمريكي بوش في المؤتمر الصحفي مع شارون حول خطة شارون احادية الجانب واللاجئين وحدود 1967 تعبر عن تحول خطير في السياسة الأمريكية ازاء النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي حيث تحمل اعترافا ضمنيا بدعم أمريكا لاحتفاظ اسرائيل بالأراضي التي احتلتها قبل 37 عاما وبأن المستعمرات اليهودية الرئيسية في الضفة الغربية يجب ان تبقى وهي المرة الاولى التي يقول فيها رئيس امريكي: ان من حق اسرائيل الابقاء على عدد من مستعمراتها في الضفة الغربية، هذا بالاضافة إلى اجهاضه حق عودة اللاجئين. وقال: ان هذه التصريحات تمثل انهيارا لحلم الدولة الفلسطينية التي كان قد وعد بها بوش قبل ذلك والتي نصت عليها خطة خريطة الطريق التي انهارت هي الاخرى بعد اقرار خطة شارون احادية الجانب ودعمها من قبل الولاياتالمتحدة وهذا في حد ذاته يمثل تعديا خطيرا على الحقوق والثوابت الفلسطينية التي نصت عليها الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة من قبل بين الفلسطينيين والاسرائيليين. واشار الازعر إلى ان أي وعود امريكية بعد ذلك حول الدولة الفلسطينية لن يكون لها معنى وحتى خطة خريطة الطريق التي وافق عليها المجتمع الدولي كله سيتم تفريغها من معناها اذا نفذ شارون خطته احادية الجانب بدعم امريكي لأن هذا معناه ان الدولة الفلسطينية التي يتحدث عنها بوش وشارون ستقام على 42% فقط من الاراضي المحتلة وهذا غير معقول بالمرة. وأكد الازعر ان تصريحات بوش الاخيرة سابقة تاريخية وهي تصريحات مرفوضة بشدة من الفلسطينيين والمجتمع الدولي وتمثل انتهاكا آخر يضاف إلى انتهاكات امريكا واسرائيل للشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي وقرارت الاممالمتحدة ومجلس الامن التي اقرت بحق الفلسطينيين في اقامة دولتهم المستقلة وحق اللاجئين في العودة وعدم شرعية المستوطنات الاسرائيلية، مشير ا إلى ان هذا الموقف الامريكي الجديد الذي يؤكد الانحياز الكامل إلى جانب اسرائيل يثبت ان امريكا لا تصلح ان تكون راعية لعملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين وأنها ليست سوى راعية لاسرائيل ومصالحها الخاصة في المنطقة. واعتبر الازعر ان تصريحات بوش كانت بمثابة اعلان وفاة لكل الجهود والاتفاقيات السابقة التي تم التوصل اليها طوال مسيرة عملية السلام بما فيها خطة خريطة الطريق وان هذا الموقف الامريكي لم يترك خيارا امام الفلسطينيين سوى المقاومة بعد أن ثبت فشل عملية السلام وأن تطبيق خطة شارون وتمادي امريكا في انحيازها لاسرائيل سيشعل الاوضاع في الاراضي المحتلة والمنطقة وستزيد من تفاقم الاوضاع لانه ما من طرف فلسطيني، سواء كانت السلطة الفلسطينية أو منظمات المقاومة، سيقبل بهذه التصريحات أو هذه الاجراءات. وطالب الازعر بضرورة تعزيز وحدة الصف الفلسطيني خلال الفترة المقبلة لمواجهة هذه المخططات والانطلاق من مشروع سياسي وطني فلسطيني واحد يتوحد عليه الشعب والسلطة ومنظمات المقاومة ويستند إلى قرارات الشرعية الدولية ويؤكد الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها اقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس وحل مشكلة اللاجئين وفقا لقرار الاممالمتحدة رقم 194 وعدم تقديم أي تنازلات تضر بهذه الحقوق في أي مفاوضات مقبلة مع الاسرائيليين.