كثير من المشكلات الصحية قد يكون سببها ظروف اجتماعية، أو عاطفية، أو عدم استقرار نفسي ، بالذات للفئة الغالية التي أحب التعامل معها كثيرا، ألا وهم الشباب ، الذين يحتاجون أكثر من مجرد الأكل والشرب والمصروف اليومي ،إنهم بحاجة لما هو أهم من كل ذلك ،هذه الفئة تحديداً دون غيرها ، واسمعوا لواحدة من تلك العبارات المحزنة ، التي أطلقتها شابة تعاني حزنا واقعيا ، وألماً حقيقياً. قالت: (صدقني يا دكتور عمري ما شعرت إن لدي أمّاً قط ) كلمات بسيطة، لكن كان وقعها على النفس مؤلما جداً ، هذا ما بعثت به إحدى الأخوات الجامعيات ، شابة تتميز بخصال كثيرة تظهر من خلال رسالتها ، منها تحليها بالدين والأخلاق ورجاحة العقل وهي تعاني من السمنة جعلها تأكل لتنسى همومها ، كذلك عرفت أن أمها متعلمة واعية ، ولكن ينقصها شيء واحد. أن تعطي حناناً لبناتها ، كل ما كان ينقص تلك الشابة هو الحنان، نعم الحنان من كلا الوالدين والأم بطبيعتها أكثر قدرة على إعطائه، والبنت في أشد الحاجة إليه من الأم. قد تقول كل أم : هل أنا المقصودة بذلك ؟. لا أعتقد طبعاً، ولسان حالها يقول: لعلك تقصد بعض الأمهات، هداهن الله، أما أنا فلم أقصر عن بناتي بشيء أبداً، ولكن بنات هذا الجيل دائما غير راضيات عن وضعهن ويكثرن الشكوى ، وبعبارة أخرى (دلوعات). . وإلا ماذا تريد ابنتي أن أفعل لها ، نعطيها كل ما تريد من المال لشراء حاجاتها ، ندعوها لمشاركتنا في مناسبات كثيرة لكنها ترفض ، هي تريد صديقاتها فقط ، تحبهن أكثر منا ، تقبل نصائحهن وإن كانت غير سليمة، بينما نحن الحريصون على مصلحتها ، تضرب بنصائحنا عرض الحائط ، بل انها لا تأبه بما نقول ، فتذهب لغرفتها دون أن ترد علينا بالإيجاب أو حتى بالسلب. لماذا ؟ أختي الكريمة. . يا من حملتها وربيتها وتعبت وشقيت من أجل رعايتها ، يا صاحبة القلب الكبير ، يا من أوصانا ديننا ببرِّك ولم يوصك برعايتنا ، يا أمنا الفاضلة الكريمة، مازلت الأم الحنون ولا تزالين مهما كبر الأبناء ، وسيظلون في عينيك أطفالا يحتاجون التوجيه ، ولكن هناك أشياء تملكينها تساوي، بل تزيد على كل العطاءات المادية ، إنها الحب والرحمة والحنان ، ان كل الأولاد بنين وبنات يحتاجون إلى ذلك، فهل أعطيتهم ما يستحقون؟؟ وكذلك أنت أيها الأب الكريم، دعوني أسأل كل واحد منكما: متى قربت ابنتك ذات الخمسة عشر ربيعاً إلى حضنك المليء بالحنان ، وأنت أيتها الأم متى ضممت ابنتك ذات العشرين ربيعاً أشعرتها بحبك لها؟ هل شعرت بأن هذا أمر يصعب أن تفعليه؟ قد يكون جوابك نعم. لأنك لم تجربي ذلك. . هي لا تريد مالا أو كلاما او توجيهات فقط ، قبل ذلك تريد فعلا ينم عن تلك المحبة التي لا نشك في أنها تملأ قلبك تجاهها، هي تجد من زميلاتها بعض عبارات الثناء والتقدير لهذا تميل إليهن ، بينما قد تجد، وبداعي الحرص، بعض العبارات التي فيها نوع من التوبيخ الذي تعتقدين أنه ضروري لتقويمها ، لكن بعض الأمهات لم تجرب الحب والحنان أولا. . نعم إذا أردت الوصول لقلب ابنتك او ابنك أو زوجك فكل ما عليك أن تطرقي باب الحب والرحمة والرفق أولا ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه) وهو قدوتنا فلننظر كيف كان يعامل زوجاته وبناته ، وكيف يرفق بكل الناس كبيرهم وصغيرهم. همسة في أذنك أيتها الأم المباركة، فسأتحدث إليك بشيء من الصراحة، إذا لم تجد ابنتك الحنان منك فإنها قد تجده من الأخريات وأحيانا من الآخرين، أقصد من الشباب الذين يصطادون في الماء العكر ويجيدون العبارات المعسولة، وفي طياتها السم الزعاف، فهل استوعبت ما أقصد؟ لديك الحل، فهل نرى تطبيقه الآن قبل فوات الأوان. . لا تزكي نفسك ولا تتهربي من المسؤولية لشعورك أنك لم تقصري في شيء، ولا تقولي: لا يمكن أن تعمل ابنتي شيئا من هذه الأمور السيئة. . بل يمكن أن تعمل أكثر في سبيل الحصول على الحنان الذي لم تجده في البيت. نعم لا تسيئي الظن، لكن كان عليك أن تربيها على الاقتناع التام بالدين والثقة بالنفس، بحيث يكون ذلك محفوفا بالحنان والحب طوال حياتها، بعدها توكلي على الله وستجدين ابنة ناضجة تستطيع التعامل مع البيئة الخارجية بكل ثقة واقتدار. وتتأكد هذه المعاني هذه الأيام ونحن نعيش دوامة الإعلام السيئ الموجه الذي يحتاج إلى إعداد جيد لأبنائنا، مطلوب منكما معا المبادرة اليوم قبل الغد، لتحقيق سعادتكما وسعادة أبنائكم، وسيشعرون حينها بأنكما قريبان منهم تشاركانهم الأفراح والأحزان ولو كانت بسيطة، وبالتالي سيبثون لكما ما في أنفسهم من هموم وسيخبرانكما ببعض أسرارهم. . عندها تستطيعان تقديم الحل الأسلم من أجل مصلحة أبنائكما، وسيحقق لهم أيضاً الصحة والاستقرار النفسي الذي ينشده الجميع. . (*) استشاري التغذية الاكلينيكية للتواصل مع معد الصفحة [email protected]