الوداع قاس.. هو أقسى كلمة يسمعها محب.. لكن حين يكون وداعاً (يتجدد بعده لقاء) فهذا هو الأمل.. وأطلقت لقلمي العنان حتى يمضي ليخط على أوراقي.. لم تمسكه.. يداي كي يمضي.. بل أجراه شعور في أعماقي. قد يعجز الإنسان عن إيصال مشاعر اختلجت في فؤاده.. قد لا يحسن الإفصاح.. قد يتيه بين الانحراف بحثاً عن لغة تعبر عن الوداع.. هكذا حال الدنيا؛ اجتماع وافتراق، ومن منا لم تؤلمه لحظات الفراق وجموع العناق؟ نشرق بدموع الفراق فلا نستطيع ان نبث المشاعر والآلام والاحزان.. ما أقسى الألم وما أشد لوعة الفراق.. تتزاحم تلك المشاعر.. تضطرب تلك الأحاسيس.. تتساقط تلك الدموع، ويشعر ذلك القلب بمرارة الفراق.. ولكن أمل اللقاء يطرق باب ذلك القلب. يصادف الإنسان في دروب الحياة وجوهاً مشرقة ونفوساً جميلة أثيرة عنده، وقد لا يتصور.. يوماً من الأيام أن يجد تلك الوجوه الغالية، ولكن لا بد ان يحين الفراق علينا، فالحياة لا تدوم على حال، ولو كانت كذلك لأصبحت مملة، وقد تكون لحظات الوداع من أصعب.. اللحظات ولكنها تكون أجمل عندما يكون أمل في اللقاء. نسعد حين نعيد شريط الذكريات الى الخلف فنذكر الأحبة الذين رسموا على لوحة الأيام بقاياهم ثم رحلوا، والأحباب الذين ما زلنا نرصدهم بمنظار الأيام ثم نفاجأ بريح تعصف بحياتنا.. وحينها نرى اوراق عمرنا تتطاير في سماء الوداع تتطاير كما لو كانت طيوراً، إنها أوراق عمرنا التي نعيشها اللحظة تلو الأخرى. هي خمس سنوات مضت على رحيل سارة وأنا أستقبل الزمن بخطى كئيبة ثقيلة.. تنزف الدموع الحارقة آهات خمس سنوات مرت وأنا أعيش وحيدة رغم عشرات الوجوه من حولي.. والشوق والحنين يقتلني بكل قساوة الذكرى يأتي الليل يملأ ضفتيه آسى على نفسه.. فيعاودني الحنين الى.. سارة. سارة.. كل زاوية من زوايا منزلنا تذكرني بك.. أشم رائحتك في أرجاء المنزل، ذهبت وتركتني أتجرع مرارة الرحيل.. يالها من أيام مرة المذاق.. تركتني وحيدة أسبح في بحر الأحزان.. سارة لا زالت لثغاتك تترنم في مسامعي وستبقي اهازيجك.. أنشودة ترددها الحناجر مع ولادة كل ربيع.. سارة.. كل مَن في الحارة حزين على فراقك، حتى بائع (الأيسكريم) صاحب البقالة.. اطفال الحارة جميعهم تعلو محياهم مسحة حزن على رحيلك.. كل ركن من أركان المنزل حزين لفراقك.. حتى عصافير سدرتنا حزينة تبحث.. عنك في كل مكان. سارة.. آه.. لو تعلمين عن حرقة فؤادي بعد رحيلك.. لقد تركت فجوة في قلبي لا يسدها احد غيرك.. تركتني أصارع الأوهام والخيال.. أرى صورتك في كل طفل يقابلني لا أريد ان أغمض عيني، أتدرين لماذا؟! خوفاً من تكسر صورتك داخل عيني.. إنك أنت الصورة وعيني إطارها.. تائهة أسأل في الوجوه.. حتى دميتك أسألها عنك، وضعتها نصب عيني حتى أرى صورتك فيها.. وضعت صورك في جميع أركان المنزل.. صورتك.. منحوتة على جدران قلبي.. لا تلوميني اذا لم أستطع النسيان؛ لأنك كل شيء في حياتي. أنت زهرة ربيعي وبلسم جراحي وبسمة حياتي أنت التي رسمت على شفتي أحلى ابتسامة أنت التي غرست في قلبي أجمل زهرة أنت الصدى الذي يعيد لي أغنيات ذكرياتي، والشمس التي بددت لي ظلماتي أنت ريحانة حياتي وبهجة دنياي سارة.. هل تتذكرين سويعات قضيناها معاً وعيناك بعيني ويداك بيدي.. لقد فرقتنا الحياة بهمومها وتساقطت أوراق أيامنا من أشجار الزمن، كانت كل ورقة من أيامنا ترصد الذكرى التي عشناها بلحظاتها.. بدموعها.. بأفراحها.. مزقنا المستقبل المجهول وما.. عادت لنا سوى رحلات الذكريات. سارة.. أناديك هل تسمعين نداي؟! الى متى وأنا أجوب الطرقات بحثاً عنك حتى تعبت قدماي من عناء البحث.. أهرب الى عالم الخيال أبحث عنك ثم لا ألبث ان أصطدم بواقع مؤلم، وأحاول ان أتسلل الى واحة النسيان.. سارة عودي إليَّ كما كنا، عودي حتى أسمع اهازيجك عند كل صباح ومساء، لكم أشتاق ان أضمك الى صدري وبين احضاني حتى أطفئ لهيب.. الشوق ولوعة الفراق.. اجعليني إحدى محطاتك لأراك فيها ولو لدقائق، لولاك لم أكن في شوق للحياة وللحب.. بدون ذلك الامل أظل ضائعة.. ضائعة.. بين الليل والنهار.. أضعت الطريق وبقيت أزج بأقدامي نحو المجهول وعمري تطويه الأيام والليالي.. سارة بغيابك غاب كل شيء.. غاب الحب.. ضاع الأمل.. ضاعت الحياة.. بقيت الذكريات المحرقة تنهش اعماق قلبي الجريح.. تغوص في اعماق حبي الدفين. في لحظة الفراق ودعتك وبكل ألم بكيتك.. الجمعة أصبحت نزفاً من قلبي الجريح، لم يجد قلبي الجريح مداوياً للألم والعذاب الذي يعتصره، بل أصبحت تلك الآلام والجروح في ازدياد.. جموع تحرق عيني الحزينة.. وقبل ان تنحدر تكون أحرقت الجوف.. وتدور الأيام والدموع تجف.. هل من منقذ.. هل من مجيب ليغسل الجراح؟ ولكن دون جدوى، ويمر الصراع عبر هدف غير محدد، وطويت أحزاني وكتمت آهاتي في أعماقي، وفي يوم ما أجد الدواء لقلبي، ولكنها تبقى الذكريات تطاردني أينما ذهبت وتزيد من لهيب فؤادي.