ينبع الشعر الشعبي من اعماق المجتمع ويتفاعل الناس معه عقلاً وقلباً وفكراً وتاريخاً وعاطفة ووجداناً ومشاعر فياضة.. تفاعلاً يدفعنا نحو الاهتمام به والاقتراب منه لكشف حجب اسرار ابداعه. وفي محاولة للاقتراب من الشعر النبطي كان لابد من الاقتراب من احد رموزه الكبار في جزيرة العرب وهو الشاعر الامير خالد الفيصل.. سأستعرض بعض مقاطع من قصائد له تغني بها فنان العرب محمد عبده وكثيراً ما استأنست واستمتعت بشدو الفنان المبدع وكلمات الشاعر العبقري، وما اجمل ان يجتمع في الشعر روعة المعنى، وبراعة المغنى. من القصائد الرائعة، ( مجموعة انسان): قالت من انت؟ وقلت مجموعة انسان من كل ضد وضد تلقين فيني فيني نهار وليل وافراح واحزان اضحك ودمعي حاير وسط عيني وفيني بداية وقت ونهاية ازمان اشتاق باكر واعطي امسي حنيني واسقي قلوب الناس عشق وظميان واهدي حيارى الدرب واحتار ويني واحاوم صقور الهوا حوم نشوان واسيل الوديان دمع حزين في عيني اليمنى من الورد بستان وفي عيني اليسرى عجاج السنين تهزمني النجلا وانا ند فرسان واخفي طعوني والمحبه تبين اما عرفتيني فلاني بزعلان حتى انا تراني احترت فيني يصور الشاعر في رسم ماهيته الشعورية مجموعة الانفعالات المتباينة ليرسم أبعادا التقت بمختلف احتمالاتها واتجه الى المقابلة، ثم نزع في سائر ابياته من الضد الى الضد، وقرر ذلك منذ البداية ( من كل ضد وضد تلقين فيني). ان وظيفة الشعر الاولى هي التعبير بالانفعال وشاعرنا ذو وجدانيات فياضة وشعره نابع من اعماق النفس وانعكاسات العالم الخارجي بداخله والرؤى والتصورات تقفز الى مركز الوعي عند الشاعر. وعرض لوعي احداث الايام والليالي الى ظلالها واطيافها الوجدانية متجاوزاً ما يرى الى ما يتراءى كما في ابيات قصيدة له: حلو الليالي توارى مثل الاحلامي مخطور عني عجاج الوقت يخفيها اسري مع الهاجس اللي ما بعد نام اصور الماضي لنفسي واسليها اخالف العمر اراجع سالف اعوامي وانوخ ركاب فكري عند داعيها تدفا على جال ضوء بارد عضامي والما يسوق بمعاليقي ويرويها تأتي كلمات الابيات وصورها في لغة مألوفة مستأنسة، غير منفصلة عن جذورها الشعبية ومستمدة من بيئة الشاعر الصحراوية العربية ليسري عبرها مع جمال الطبيعة. ونجد هذا ايضاً في قصيدة ( سريت): سريت ليل الهوى لين انبلج نوره امشي على الجدي وتسامرني القمرا طعس وغدير وقمر ونجوم منثوره انفاس نجد بها جرح الدهر يبرا يا نجد الاحباب لك حدر القمر صوره طفلة هلال وبنت اربع عشر بدرا حبيبتي نجد عيني فيك معذوره معشوقة القلب فيها للنظر سحرا فضة شعاع القمر في نجد مسحوره منشاف لمع قمر في خده سمرا ان البيئة تلهم الشاعر مفرداته وموضوعه حيث المؤثرات التي تتسرب من البيئة الى نفس الشاعر، عبر مما رآه الى ما شعر به. والفن محاولة شعورية لاحياء العالم الذي لا حياة فيه ويفيض الشاعر بواقعه الوجداني على الطبيعة. محملاً النسمة السلام، جاعلاً النجم معانقاً رموز الغرام،ونجد هذا في قصيدته ( كلما نسنس): كلما نسنس من الغربي هبوب حمل النسمة سلام وان لمحت سهيل في عرض الجنوب.. عانق رموز الغرام لك حبيب ما نسا.. كلمته دايم عسى اطلب الله وارتجيه.. صبح يومي والمسا كل زين اشهاده وانتم بعيد منوتي ليتك معي وان سهرت الليل اهوجس بك واعيد هل لاجلك مدمعي وانت هاجس خاطري.. وانت فرحة ناظري يا قريب ويا بعيد.. فيك امس وحاضري نشوتك تلعب مع قطر المطر.. وانتشى قطره معك والسحاب يطاردك بين الشجر خالق الزين ابدعك الندى في وجنتك.. صار عطر بلمستك والهوى غنى طرب.. تستثيره بسمتك كلما ضمت عيوني منك طيف يا بعد كل الطيوف قلت ما مثلك على الدنيا وصيف لا حشا مالك وصوف لا سحاب ولا مطر.. لا نسيم ولا زهر.. لا طيور ولا زهر.. ولا مع باقي البشر.. بعد هذه الوقفة مع قصائد في غاية الروعة احببت ان انبه الى انه من المفترض ان يحظى الشعر الشعبي باهتمام الدراسات النقدية، فالشعر الشعبي في منطقة الخليج العربي وفي السعودية على وجه الخصوص مازال بحاجة الى مزيد من الدراسة فكما هو ملاحظ تفتقر المكتبة العربية الى الدراسات والكتب التي تتناول هذا النوع من الادب في المنطقة بالدراسة والبحث. فؤاد احمد البراهيم