لقد أظلت المسلمين أيام مباركة، جعل الله لها على سائر الأيام فضلاً وذكراً، ألا وهي أيام عشر ذي الحجة، التي نوّه سبحانه بذكرها في أول سورة الفجر في قوله عزَّ وجلَّ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم {وّالًفّجًرٌ . ولّيّالُ عّشًرُ}. ولقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ما وجه وعن عدة وجمهرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم ابن عباس رضي الله عن الجميع يرفعه: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله عزَّ وجلَّ من هذه الأيام العشر. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء. فعشرة أيام ذي الحجة أفضل الأيام في العام، كما أن عشر رمضان الأواخر أفضل ليالي الله، ولذا استحقت التنويه بإقسام الله بها. وعشر ذي الحجة هي مفتتحة شهر حرام هو ذو الحجة، وفيها قصد الحاج لبيت الله الحرام تعظيماً لله وتعبداً، وفيها يوم عرفة الذي غفر الله لعباده فيه مغفرة يحزن لها الشيطان ويغتم، حيث ما رئي عدو الله أحقر ولا أدحر ولا أصغر منه في يوم عرفة، لما يرى من تنزُّل الملائكة والرحمة من الله على عباده، ومباهاته سبحانه بأهل عرفة ملائكته، فبالله كم عبد أدركته رحمة الله ومغفرته وعتقه من النار! فلله الحمد والثناء على ذلك حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى. وفي العشر يوم الحج الأكبر، يوم العيد، عيد الأضحى الذي فيه أكثر أعمال الحج ومناسكه، وفيه يريق الموحِّدون دماء هداياهم وأضاحيهم لله عزَّ وجلَّ نسكاً وذبحاً ونحراً له سبحانه توحيداً وعبودية وتقرُّباً دونما شريك له في ذلك. وفي العشر الأولى من ذي الحجة يشرع التكبير المطلق من رؤية هلاله إلى فجر يوم عرفة، فيكون شعار العشر التكبير: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. فقد كان أبو هريرة وابن عمر يخرجان إلى السوق في العشر فيكبران ويكبر أهل السوق بتكبيرهما فيشرع التكبير جهراً للرجال في البيت والسوق والعمل والطرقات، وللنساء سراً فيما بينهن، فينشغل اللسان والقلب بذكر الله وتكبيره وتهليله فيتعوّده ولا يزال رطباً بذكر الله في العشر وبعدها بالتسبيح والتحميد والحوقلة والدعاء... إلخ. ويكون من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الثالث عشر من ذي الحجة ذكراً مقيداً عقب الصلوات المفروضة في المساجد، ويجتمعان أعني الذكر المطلق والمقيد في حق الحاج في أيام التشريق، حيث المحرم بالحج يكون إلى ضحى يوم العيد منشغلاً بالتلبية: لبيك اللهم لبيك... حتى يقطعها عند رميه جمرة العقبة مكبراً مع كل حصاة. ومن خصائص العشر جنس العمل الصالح قربةً وتعبداً إلى الله عزَّ وجلَّ من أداء الفرائض، والتقرُّب إليه سبحانه بالنوافل، ولا حد لجنسها كثرةً وتنوعاً، في البر والصلة والصدقات وأداء الديون وتفقد المحاويج وشهود الجماعات،.. وإلخ. وأهم ذلك ما يكون في العشر السعي إلى أداء ركن من أركان الإسلام، بقصد بيته الحرام حجاً وعمرة. ومن خصائص العشر ما خصَّ الله به يوم العاشر منه وهو يوم عيد الأضحى بشعيرة الأضاحي لأهل الآفاق، مشاركة لأهل الموسم في هدايا حجهم تمتعاً وقراناً. والأضحية متأكدة على من يجد سعة ويساراً من مال، لا ينبغي للمسلم تركها مع القدرة عليها، ويُشرع له اختيار أضحيته من الغنم، وهو في الكبش الأقرن الأملح السمين أفضل، لكنها تجب لمن أوجهها على نفسه بالقدر. ومن خصائص العشر أنه يحرم على من يضحي ان يأخذ في العشر من شعره وظفره وبشرته شيئاً، كذا نص الفقهاء رحمهم الله لما رواه مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها ترفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل العشر، وأراد أحدكم ان يضحي، فلا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي» ليشارك أهل البلدان من المسلمين أهل الموسم في إحرامهم عن هذه المحظورات من حلق الشعر وتقليم الظفر. وهذا الحكم خاص في المضحي فقط دون من ضُحي عنه. فاحرص يا رعاك الله على اغتنام عمرك بمواسم الخيرات، لتنال المثوبة العظيمة على العمل القليل، فمن لطف مولانا ورحمته ان رتَّب على العمل القليل ثواباً جزيلاً، لا حرمنا الله وإياك أيها المؤمن حسن الجزاء وصالح العمل، وجعلنا ممن يغنمون أعمارهم ومقبول أعمالهم، وأن يتقبل منا ومن المسلمين، وأن يرضى عنا ويوجب لنا جنانه ويحرمنا على نيرانه آمين. ( * ) المدرس بكلية أصول الدين بجامعة الإمام