من المظاهر الخطيرة التي يعرف بها أدعياء الإصلاح، امتطاء الدين، للوصول لأهداف دنيوية، ولتحقيق رغبات ذاتية، فهم يجعلونه مطية، ويتخذونه وسيلة، كلما أرادوا أمرا، أو نشدوا حاجة، أو ابتغوا هدفاً، يحتجون به ليكسبوا من حولهم، وليكثر المؤيدون لهم، فهم يظهرون حرصهم عليه، ويبدون اهتمامهم به، مستغلين محبة الناس له، ومنتهزين ثقتهم بأهله وبمن دعا إليه، وفي الحقيقة ما هو عندهم إلا مجرد وسيلة للوصول لغاية، لو علم المخدوع بهم بحقيقة أمرهم، لتبرأ إلى الله منهم ومن نصرتهم والدفاع عنهم والإعجاب بهم. وهذه الظاهرة الخطيرة، تذكرنا بما فعله فرعون مع نبي الله موسى -عليه السلام- عندما جاء بني اسرائيل، ودعاهم لتوحيد الله، وطلب منهم عدم الإشراك به، فقال فرعون مستعطفاً لهم ومثيرا لحماسهم وموقدا لحميتهم لدينهم: {ذّرٍونٌي أّقًتٍلً مٍوسّى" ولًيّدًعٍ رّبَّهٍ إنٌَي أّخّافٍ أّن يٍبّدٌَلّ دٌينّكٍمً أّوً أّن يٍظًهٌرّ فٌي الأّرًضٌ الفّسّادّ}، فموسى في نظر فرعون من الذين يظهرون في الأرض الفساد، فأبدى خوفه وأظهر حرصه على دينهم، وما هو هذا الدين الذي يخاف أن يبدل فرعون؟ إنه اتباعه والسجود له وعبادته والتقرب إليه والاعتراف له بأنه لا إله غيره كما قال الله تعالى على لسانه: {وقّالّ فٌرًعّوًنٍ يّا أّيٍَهّا المّلأٍ مّا عّلٌمًتٍ لّكٍم مٌَنً إلّهُ غّيًرٌي فّأّوًقٌدً لٌي يّا هّامّانٍ عّلّى الطٌَينٌ فّاجًعّل لٌَي صّرًحْا لَّعّلٌَي أّطَّلٌعٍ إلّى" إلّهٌ مٍوسّى" وإنٌَي لأّظٍنٍَهٍ مٌنّ الكّاذٌبٌينّ}، فكي لا ينفض الناس من حوله، وليبقوا خدما وحشما ومشجعين له، لجأ إلى امتطاء الدين، وهو دين باطل، فأطاعوه كما قال تعالى: {فّاسًتّخّفَّ قّوًمّهٍ فّأّطّاعٍوهٍ إنَّهٍمً كّانٍوا قّوًمْا فّاسٌقٌينّ}، فكيف - أخي القارئ الكريم - بمن يظهر حرصه من هؤلاء، ويبدي اهتمامه بدين صحيح يعترف به الناس ويحبونه! لا شك أن الأمر يزداد سوءا وخطورة، وهذا هو السبب الحقيقي لما نعيشه في هذه الأيام من أدعياء الإصلاح. فالذين يذرفون دموع التماسيح على الدين، وعلى مجتمعات المسلمين، ويظهرون أنهم مصلحون، وهم يعملون عمل المفسدين، حقيقتهم غير ذلك، والدليل أنك عندما تتأمل في أحوالهم تجدهم أبعد الناس عن الدين، وأضعف الناس تمسكاً به، بل يوجد منهم من يعجز عن أمور مهمة في الدين كالصلاة والنفقة وغيرهما، وتأمل قول الله تعالى: {والَّذٌينّ اتَّخّذٍوا مّسًجٌدْا ضٌرّارْا وكٍفًرْا وتّفًرٌيقْا بّيًنّ المٍؤًمٌنٌينّ وإرًصّادْا لٌَمّنً حّارّبّ اللَّهّ ورّسٍولّهٍ مٌن قّبًلٍ ولّيّحًلٌفٍنَّ إنً أّرّدًنّا إلاَّ الحٍسًنّى" واللَّهٍ يّشًهّدٍ إنَّهٍمً لّكّاذٌبٍونّ}، فهؤلاء قاموا ببناء مسجد، ومن بنى لله مسجداً ولو كبر مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة، ولكنهم بنوا ذلك المسجد كما ذكر الله تعالى ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله، ويقسمون بأنهم ما أرادوا ببنائه إلا خيرا ورفقا بالناس، ولكن الله يشهد بأنهم كاذبون، إنما بنوه ضرارا لمسجد قباء، فتأمل كيف يجعلون الدين مطية لأهدافهم، أرادوا الضرار بمسجد قباء، فبنوا هذا المسجد ليس حرصا على النفقة على بناء المساجد فهم كما قال تعالى: {ولا يٍنفٌقٍونّ إلاَّ وهٍمً كّارٌهٍونّ}، ولا حرصا على صلاة الجماعة، لأنهم كما قال تعالى قبل ذلك: {ولا يّأًتٍونّ الصَّلاةّ إلاَّ وهٍمً كٍسّالّى"} إنما بنوه ضرارا وكفرا، ولجعل المؤمنين أحزابا وفرقا وجماعات كما قال تعالى: {وتّفًرٌيقْا بّيًنّ المٍؤًمٌنٌينّ وإرًصّادْا لٌَمّنً حّارّبّ اللَّهّ ورّسٍولّهٍ} فلا يستغرب من أدعياء الإصلاح ان بنوا مسجدا، أو أصدروا صحيفة أو أنشأوا موقعاً أو قناة أو غير ذلك مدعين أنه لخدمة الدين ولنشر الدين والدين من فعلهم بريء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. فيجب على المسلم أن لا يكون امعة مخدوعاً بهؤلاء - كما يفعل بعض الرعاع - إنما عليه أن يكون كيسا فطنا، رجاعا بما يشكل عليه، ويخفى عنه، إلى العلماء الموثوقين، والدعاة الناصحين، لاسيما في زماننا هذا. أسأل الله ان يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ بلادنا وعلماءنا ودعاتنا وولاة أمرنا إنه سميع مجيب.