صدق البارئ عز وجل إذ يقول في محكم كتابه: { وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ، وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} [إبراهيم: 42-44]. وأخيراً قُبِض على مالئ الدنيا وشاغل الناس (صدام حسين)، وظهر في منظر لم نكن نرغبه لحاكم عربي، ولكنَّه هو وحده من جنى على نفسه، ويحق لكل شخص عانى بسبب صدام أن يفرح لذلك. قد يكون جزاء صدام السجن أو الإعدام، وهذا قليل بحقه، ولكن الجزاء العظيم سيكون يوم القيامة، يوم العرض، وأمام الرب عز وجل، ولم نفاجأ بالقبض عليه، لأنه إن لم تقبض عليه قوات الاحتلال فسيقبض عليه العراقيون وحينها سيقطِّعونه إرباً إرباً، يقول الشاعر: من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد ففي كل الحالات سواء أكان صدام أسيراً أو حراً طليقاً فهو هالك لا محالة. سقطت بغداد وسقط صدام وسقطت بسقوطه مملكة الرعب والشر التي عشعشت وجثمت على أرض العراق طيلة أربعين عاماً. ماذا جنى صدام خلال رحلة أربعين عاماً -إلا قليلا- من السلطة والبغي، أغرق العراق بالظلام، وأعاده خمسين عاماً إلى الوراء، وحمَّله الديون، وأوقعه في الحصار، وقضى على بنيته التحتية والأساسية، وشرَّد شعبه، وارتكب بحقهم المذابح، واعتدى على جيرانه، وبدَّد ثرواته. قيل: قتل الحجّاج مائة وعشرين ألفاً، ووُجِد في سجونه - بعد موته - ثلاثة وثلاثون ألفاً، ولكن صدام «حجاج العصر الحديث» فاق هذا العدد أضعافاً مضاعفة الحجاج له محاسن تضيع في بحر مساوئه، ولكن صدام ليس له محاسن بل إنه غارق في مساوئه حتى أذنيه. وُلِد صدام في تكريت، وظهر منها، وعاد إليها ذليلاً فاقداً الأهل والوطن والعزوة، وقُبِض عليه فيها مختبئاً جباناً مُهاناً مكسوراً مطاطأ الرأس وتسلَّم السلطة في العراق بالخيانة، وسقطت بغداد بالخيانة، وأخيراً سقط هو أيضا بسبب الخيانة. أرأيت ياصدام بأم عينك ضعفك، وضياع بلدك، وتسلط الأجنبي عليها، وكره شعبك وجيرانك وأمتك لك، وتضعضع قوتك، وتفرق جندك، ومقتل أبنائك، وتشتت عائلتك، وكثرة أعدائك، وخيانة أقربائك وأصدقائك لك؟! انظر كيف أدَّت بك الحال بعد حياة القصور وترفها وبذخها ونعيمها إلى أن تعيش مطروداً منبوذاً ومختبئاً تحت الأرض في الأقبية والقبور، لا ناصر لك ولا حليف ولا عاصم من دون الله وأمره، انظر كيف انتقام الله عز وجل. كيف تغمض لك عين، ويرتاح لك بال أو ضمير، وأنت قتلت أو تغاضيت عن قتل مئات الآلاف إن لم يكن الملايين من البشر، وستظل مذبحة حلبجة والقبور الجماعية والمعتقلات أسوأ شاهد لأسوأ حكم وأسوأ حاكم في تاريخ العرب بل والعالم الحديث. وأقول لكل ظالم إلى متى وأنت تطغى وتتجبر، ألا ترى ان الله فوقك، يحيط بكل شيء، وكلما تماديت في طغيانك ومعصيتك كلما كان عقابك أشد وأقسى. وأقول لمن فرحوا بسقوط صدام لا تفرحوا، فإن صداماً لم يكن إلا ابناً باراً لحزب البعث، وواجهة لصداميين كثر - يماثلونه أو قد يفوقونه في الطغيان - يتخفون خلفه، وان قطع رأس الشجرة «صدام حسين» فإن الجذع والجذور والأغصان لم يقتلعوا بعد وأتمنى ان يسقط دعاة وحضنة العلمانية والقومية والشيوعية والرأسمالية والاشتراكية في وطننا العربي (الكبير) عن قريب إن شاء الله. وصدام ماهو إلا طاغية من طغاة كثيرين مروا عبر التاريخ - وسيمر غيرهم - كفرعون والحجّاج وجانكيز خان وهولاكو وأتاتورك وموسوليني وهتلر وستالين وتيتو وهيلاسي لاسي امبراطور الحبشة (أثيوبيا) وشارون وغيرهم.