يصادف الإنسان الكثير من الرجال في حياته ولكن خير الرجال وقليلا ما يصادفهم الإنسان، الرجال الأخيار الأحرار الشهام والذين أصبحوا وللأسف الشديد قلّة ولكن حينما تعرف أحدهم قد يكفيك عن الكثير منهم فلقد صادفت في حياتي الكثير من الرجال والقليل من الأخيار ومن خيرة الرجال الذين عرفتهم في حياتي الأمير الشاعر طلال العبدالعزيز الرشيد رحمه الله يتصف بالصفات الحميدة والخصال الكريمة فهو معطاء، رقيق القلب، كريم الخلق، جوّادٌ يحبه من عرفه. هذا الرجل العصامي صنع نفسه ولم تصنعه أقدار الزمان من صُدَفٍ أو من علاقة أو قرابة حينما أستمع لشعره الجميل رحمه الله كنت أستشعر بأن شاعرية هذا الفارس ليست مزوَّرة إنما موهبة جعلها الله بين حناياه يلفظ بها لسانه. حادثني رحمه الله في شهر رمضان المبارك محادثة تهنئة بشهر فضيل، وقال لي: أنت بعيد عن الوطن لذا أعتقد بأنك لم تطَّلع على قصيدتي الأخيرة، وقلت له: يا أبا نواف إن لم أسمعها الآن فسيتناقلها الركبان إلى مسمعي، فقال لي رحمه الله ولِمَ الركبان يا صديقي سأسمعك إياها الآن فقلت: كُلِّي آذان صاغية يا أبا نواف فألقاها عليَّ وهي قصيدة عنوانها (باريس) وتحكي هذه القصيدة قصة زمان أفرز رجالاً لم نكن نتوقع أن نراهم في حياتنا وبعد انتهائه من القصيدة رحمه الله سألني عن رأيي، فقلت له: لقد صوَّرتَ معاناتنا يا صديقي، نحن نعاني ونتحسر على هذه النوعية فهي القدوة في زمن يعلم الله إلى أين سيذهب بنا؟! انتهت المكالمة الأخيرة بيني وبينه رحمه الله وكنت أعتقد وقتها بأنني سوف أراه ثانية فيكون النقاش أوسع والخطاب أوقع ولكن الله سبحانه وتعالى أراد ما أراد لهذا الفارس الذي امتدت إليه يدٌ قذرة كافرة اغتالت فتى فارساً في شعره يصعب تعويضه ويصعب أيضاً إيجاد أصدقاء في مستواه، ولن أقول إلا: حسبي الله ونعم الوكيل على أولئك الشرذمة القذرة التي لم تراعِ الله في المسلمين الأبرياء، إنني أكتب هذه الأسطر وأنا أبكي بقلبي وعيني؛ فوالله إن خسارة الرجال في مقام الأمير الشاعر طلال العبدالعزيز الرشيد رحمه الله أقوى من خسارة أي شيء، رحمك الله يا أبا نواف وأسكنك فسيح جناته وستبقى كلماتك يا صديقي محفوظة في قلوبنا قبل عقولنا وسنردد أشعارك ما دمنا أحياء، قال لي أخاه عبدالعزيز حينما عزَّيته: إنه رحمه الله يردد اسمك كثيراً فأنت الذي تُعزّى به، حينها ارتجفت يداي من هذه الكلمات وتساقط دمعي ولكن هيهات هيهات فقد غاب الفارس عنا فوالله لو أن الدَّمع أرجعك إلينا لبكينا يا صديقي واجتهدنا بالبكاء ولكن لن ترجع الدمعة غائباً ولا الآهات ميتاً فقد خسرت صديقاً عزيزاً على قلبي. عزائي لأبنائه وإخوانه وعائلته الكريمة راجياً من الله سبحانه وتعالى أن يتغمَّد الفقيد بواسع رحمته وغفرانه وأن ينزله منزل الصالحين الشهداء هو وإخوانه المؤمنين والمؤمنات وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.