عاش المعماري المصري الراحل حسن فتحي في أسرة ثرية، وفرت له سبل الرفاهية والتمتع بالحياة، وكان فناناً موهوباً مرهف الحس لا يتوقف عن التفكير في الفقراء واحتياجاتهم السكنية، فكرس جهوده المعمارية لخدمتهم، وكان حلمه الذي لم يتحقق هو أن يحصل كل فقير على مسكن صحي رخيص وواسع ومتين ومريح وفوق ذلك جميل. في إحدى المحافل الهندسية الدولية التي مثل حسن فتحي فيها بلاده، اتفق معماريو ومهندسو الدول المتقدمة على اعتماد الخرسانة المسلحة كمادة بناد دولية تعمم على جميع دول العالم، وعارضهم حسن فتحي قائلا: أنتم أغنياء ولديكم الحديد والأسمنت، ونحن فقراء لا تكفي أموالنا لاستيراد تلك التقنيات المكلفة وتعميمها على جميع مبانينا.. وكان فتحي ينادي باستخدام مواد البناء المتاحة في كل بيئة، ويرى مادة الطين هي المتاحة والملائمة للبيئة المصرية. اتُهم حسن فتحي بالرجعية والتخلف ومعاداة التطور والتكنولوجيا، فصمد ووقف في وجه ثورة الخرسانة المسلحة، وحاول استعادة التراث المعماري الذي بدأ يندثر، واستطاع تشييد قرية كاملة من الطين (قرية القرنة)، بطرق رخيصة وشعبية بمساعدة أفراد المجتمع (Vernacular Architecture)، واستطاع ارجاع أو إحياء (Revival) أساليب البناء التقليدية غير المكلفة، ووضع خطط معامارية اقتصادية لاعادة بناء جميع المساكن الريفية في مصر، ومع الأسف حورب، ولم يكتب لمشروعه النجاح، وواجه نقداً لاذعاً في وطنه، فهاجر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وشرح نظرياته وأفكاره الاقتصادية، فلاقت نجاحاً باهراً، وأثارت تجاربه اعجاب الغرب واعتبره نقاد العمارة الغربيين نموذجاً قوياً للمثابرة والاصرار.. نشر حسن فتحي كتاب (عمارة الفقراء) باللغة الانجليزية عام 1969م، كردة فعل للحرب التي لاقتها نظرياته وتوجهاته المعمارية في مصر، وقد ترجم الكتاب للعديد من اللغات العالمية، واستفاد منه الغرب بشكل كبير.. وبعد حوالي عشرين سنة، يستيقظ العرب ويترجمون كتاب عمارة الفقراء للعربية ترجمة؟؟!! ويطبع طباعة رديئة لا تليق بالكنز المعماري الثقافي الذي يحويه ذلك الكتاب.. هناك توجهات معمارية عالمية تنادي بتبني أفكار حسن فتحي وتطويرها، خصوصاً بعدما تبين للجميع أن أفكاره كانت مبنية على أسس معمارية عمرانية اجتماعية بيئية اقتصادية متينة.. فهل سينجح المعماريون المنتمون لتيار العمارة التقليدية في اعادة تبني أفكار حسن فتحي وتطويرها بما يلائم عصر التكنولوجيا؟ قد ينجحون.. والله أعلم. tnalbajr@hotmial