تعتبر مشكلة ارتفاع تكاليف المسكن في مملكتنا الحنونة من أكبر التحديات التي يواجهها المعماريون ومخططو المدن، ولا سيما ان قضية المسكن من أهم القضايا العمرانية التي تؤثر في اقتصاد الوطن، لكونها تمس المواطن بشكل مباشر، وتؤثر في سلوكه ونمط معيشته.. وتقوم حاليا مجموعة غفيرة من المختصين في علوم العمارة والاقتصاد بالبحث عن حلول وأفكار لعلاج مشكلة الغلاء الفاحش للمباني السكنية.. تلك المشكلة التي أتعبت المواطن وأرهقت اقتصادنا الوطني، فلم يعد المواطن البسيط قادراً على امتلاك مسكن يؤويه وعائلته الكريمة، لأن أسعار الأراضي مرتفعة وتكاليف البناء لا تتناسب مع دخل العائلة.. وفي ظل المساحات الكبيرة لقطع الأراضي السكنية أصبح تمديد الخدمات لهذه المساحات الشاسعة يكلف الدولة مبالغ طائلة، ومبالغ أطول تُصرف لتشغيل وصيانة تلك الخدمات.. ومازلنا نهدر الأموال.. تحت شعار المسكن الاقتصادي نظمت الهيئة السعودية للمهندسين الملتقى الثاني للهندسة القيمية الذي بدأت فعالياته يوم «الثلاثاء 26/7/1424ه» بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات الرياض، وهناك العديد من الأبحاث ستطرح في هذا الملتقى لمناقشة مشاكل ارتفاع تكاليف مبانينا، وسيكون لي معها بإذن الله وقفات. سنون مضت، وأعمار انقضت، وأجيال أدبرت، وأبحاث تنام في سبات على أرفف المكتبات، أبحاث معمارية اجتماعية لعلماء عمارة فطاحلة.. أبحاث ودراسات كثيرة سبق ان حذرت من المشاكل الاقتصادية التي ستواجه مدينة الرياض إذا استمرت أنظمة وقوانين بناء المساكن على ما هي عليه، ولا حياة لمن تنادي.. وأبحاث تطالب بإعادة النظر في موضوع الارتدادات الذي تفرضه البلديات، ذلك النظام الذي تسبب في اتساع المدينة بشكل أفقي مُخيف، وتسبب في مشاكل اجتماعية واقتصادية وأمنية ونفسية وبيئية كثيرة.. وأبحاث تؤكد على ضرورة العودة للماضي واستخدام المفردات المعمارية التي وجدت في مساكن الأجداد مثل صحن الدار أو الفناء الداخلي «كما في البيوت الشامية»، وسبق ان قلت: سنوفر الأموال عندما يعود الفناء الداخلي، وها أنا أؤكد.. سنوفر الأموال عندما يعود الفناء الداخلي، وعندما نستخدم مواد البناء الطبيعية المتوفرة في بيئتنا المحلية، بشرط ان نطورها بما يناسب عصرنا.. وأبحاث كثيرة أثبتت ان مادة الطين التي استخدمها أجدادنا في مساكنهم هي مادة البناء الملائمة والمنطقية والاقتصادية، وتبقى مشكلتنا الكبرى اننا كغيرنا استقبلنا مادة الخرسانة المسلحة وودعنا مواد البناء الأصيلة والطبيعية التي تتناسب مع بيئتنا الصحراوية على أمل عدم اللقاء بها مرة أخرى، بل وهناك مع الأسف مهندسون حاربوا تلك المواد وأفهموا المجتمع ان الخرسانة تعني التطور والتحضر والطين يعني التخلف والتأخر.. على كل حال لسنا وحدنا من وقع في فخ الخرسانة المسلحة، بل تشاركنا في ذلك جميع دول العالم، وهناك دراسات ظهرت مؤخراً في أوروبا وأمريكا «مصدر الخرسانة المسلحة» لتحذر المعماريين من الاسهاب في استخدام مواد البناء الحديثة كالخرسانة المسلحة والحديد، وتوضح تلك الأبحاث المشاكل البيئية والاقتصادية الناجمة عنها، خصوصاً موضوع انقاض ومخلفات الخرسانة وعملية دفنها التي أدت إلى مشاكل بيئية عديدة، وذلك لاحتوائها على العديد من المواد الكيميائية التي تفسد التربة وتلوث الطبيعة، وأبحاث أثبتت ان.. وأبحاث.. وأبحاث.. وكأن الحياة بدأت تدب في من تنادي.. هناك صحوة معمارية عالمية تمر بها جميع دول العالم، وهناك توجهات معمارية عالمية للعودة إلى استخدام مواد البناء التقليدية المتاحة في كل بيئة، مثل استخدام الطين كمادة بناء في المناطق الصحراوية، واستخدام الحجر في المناطق الجبلية، والخشب في المناطق التي بها غابات وأشجار.. والثلج في المناطق الثلجية مثل مساكن الايجلو في الاسكيمو(1).. الخ.. وسبحان من خلق الطبيعة وجعل في كل منطقة مادة بناء تناسبها.. موضوع استخدام مواد البناء التقليدية التي استخدمها أجدادنا موضوع متشعب ويطول فيه الكلام والجدال.. ومع ذلك يجب ان نفهم انه لا يمكن بسهولة احلال مواد بناء تقليدية مكان الخرسانة المسلحة، لأن مواد البناء التقليدية مازالت تحتاج إلى تطوير كبير لتصل إلى ما وصلت إليه الخرسانة المسلحة من قوة وانتشار، ولا يمكن لعاقل انكار خيرات الخرسانة المسلحة ولكن.. آن الأوان ان نفكر بشكل جدي في مواد بناء من طبيعتنا المحلية ونطورها لتكون بديلاً مناسباً للخرسانة المسلحة، وستكون المهمة بالتأكيد صعبة في البداية، ولن يقبل أفراد مجتمعنا أي بديل لمادة الخرسانة المسلحة بسهولة.. وستنشأ خلافات كالعادة.. وستنشط التيارات المعمارية التي تروج للخرسانة المسلحة وتحارب مواد البناء التقليدية كالطين والحجر.. وخلاصة القول: بتطوير بسيط لمواد البناء الطبيعية المتوفرة في بيئتنا، والاستفادة من العناصر المعمارية والبيئية الرائعة الموجودة في مساكن الأجداد، وإجراء بعض التعديلات على بعض أنظمة البلديات، وتوعية المجتمع معماريا واقتصاديا، سنحصل بإذن الله على مسكن اقتصادي. (1) عبارة مساكن طبيعية مبنية بالثلج لأن الثلج هو مادة البناء المتاحة والملائمة والاقتصادية هناك..