عقدت القمة الإسلامية العاشرة في ماليزيا هذا العام في أكثر أوقات أمتنا العربية والإسلامية حرجا، لما تواجهه دول العالم العربي والإسلامي من مخاطر وتحديات جسام وفي وقت يخيم فيه الإحباط والغضب على أكثر من مليار ومائتي مليون مسلم في العالم، وفي الوقت الذي بلغت فيه الانقسامات والتمزقات بين الدول العربية والإسلامية ذورتها، كما نواجه حقيقة غاية في المرارة والألم وهي (أن عالمنا العربي والإسلامي في أسوأ حالاته)، كما نواجه حقيقة أخرى غاية في الخطورة، وهي إعادة نفس السيناريوهات الكارثية التي سبقت غزو أفغانستان وغزو العراق واحتلاله، وتلك السيناريوهات موجهة اليوم ضد سورياوإيران.. وغدا لا ندري ستوجه لمن داخل عالمنا العربي والإسلامي؟ إن من يراقب الأمر عن كثب يجد نفس التهديد والوعيد الذي سبق ضرب افغانستان ونفس الاتهامات والمصطلحات التي سبقت غزو العراق واحتلاله تتكرر بنفس السابقة (وسيذهب البرادعي وبليكس كبير مفتشي الأسلحة وفريق التفتيش التابع للأمم المتحدة إلى إيران وستمارس عليه أمريكا نفس الضغوط السابقة وسيقدمان تصريحات مبطنة وتحمل ازدواجية في المعنى حتى تفسر حسب الأهواء الأمريكية ليرضيا أمريكا وفي الوقت نفسه لن يعثر على أي من تلك الأسلحة المزعومة ولا اليورانيوم المخصب وستصر أمريكا على أن إيران تخبئها ولا تتعاون مع الفريق كما يجب، وستبدي مخاوفها من أن إيران تهدد أمن أمريكا، لتعطي نفسها ضوءاً أخضر لتفعل بإيران ما تشاء وستقوم بعمل انفرادي وخارج عن مجلس الأمن وعن الشرعية الدولية كما السابق) فمن يحاسبها؟ إن الضعفاء فقط هم من يحاسبون ويعاقبون جيداً وبأقصى سرعة ممكنة ونفس السيناريو سيعد لسوريا وستخترع اتهامات أخرى أو مماثلة لباقي الدول العربية والإسلامية تباعا.. فجميعنا سيصبح يهدد أمن أمريكا، لتعيد المنطقة للوراء عقودا من الزمن حتى تضمن تخلفنا وكل ذلك لخدمة الصهيونية واليمين المتطرف داخل الإدارة الأمريكية الذي يتبنى المخططات الصهيونية وينفذها على أكمل وجه. إن الهيئات العالمية جميعها فيما يتعلق بأمريكا وإسرائيل، ليست أكثر من نعوش تضم موتى وفيما يتعلق بالعرب والمسلمين، فالأمر غاية في القسوة والظلم، تدان الدولة العربية أو الإسلامية والإدانة تكون شديدة اللهجة وشديدة العقاب أيضاً، فتتعرض لعقوبات اقتصادية وللحظر وتجمد أموالها والمنظمات العربية أو الإسلامية تدان أيضا وبسرعة قصوى، وتتحول من مقاومة مشروعة ضد المحتل إلى إرهاب وتدرج في قائمة الإرهاب والقائمة السوداء، وكل هذا يتم بشكل فوري ومابين ليلة وضحاها..لكن ما تمارسه اسرائيل علانية من القتل اليومي والتصفية اليومية للفلسطينيين وانتهاكات صارخة بشكل يومي لحقوق الإنسان وهدم المنازل وتجريف الأراضي وبناء الجدار العازل وبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وضرب سوريا ولبنان واختراق مجالهما الجوي، هذا كله لايخضع لأي إدانة من أي من تلك الهيئات العالمية مثل مجلس الأمن والأممالمتحدة وحقوق الإنسان ومحكمة لاهاي لمجرمي الحرب ولا الاتحاد الأوروبي، كلها تصبح نعوشاً تضم موتى لا يحركون ساكناً!!! فأين الديمقراطية التي يتغنى بها هؤلاء وأين العدالة وأين أبسط حقوق الإنسان في العيش بكرامة وبأمان وأين احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وحق الشعوب في تقرير المصير التي أقرتها كافة القوانين والشرائع الدولية المتعارف عليها وفي معاهدة جنيف..؟؟؟لماذا ننتظر دائماً أن تأتينا قوة خارجية لتنصرنا أو تنصفنا ولانعتمد على أنفسنا ولا نثق في قدراتنا؟هل نحن في انتظار قوة خارقة أو زمن من المعجزات سيأتي ليخرجنا مما نحن فيه؟ إن مصر خرجت من حرب اكتوبر 1973م القوة السادسة في العالم، بعد ان حطمت خط بارليف الملقب (بالاسطورة التي لا تقهر) بل وقهرته في بضع ساعات فقوة ايمان الرجال وإخلاصهم كانت الأقوى وأكثر تفوقا على التقدم التكنولوجي والحربي لدى إسرائيل، بل وتفوقت على كافة الامدادات الحربية السخية والمتطورة للغاية التي أمدتها أمريكا لإسرائيل عبر الجسور الجوية في تلك الحرب.. إن أمريكا أعلنت العداء والكراهية للعالم العربي والإسلامي بشكل صريح وعلني غير آبهة بمصالحها مع هذا العالم الذي يمثل أكبر الأسواق لمنتجاتها، وتهدم الثقة وجميع الروابط التي بنتها عبر عقود من الزمن والتي يصعب استعادتها من جديد ولا لقرون قادمة.. لممارساتها التي تزرع الغضب والكراهية في كل مكان في العالم وليس في عالمنا العربي والإسلامي فقط، فيمكننا تبين ذلك من خلال مشاهدتنا، كيف يتم استقبال الرئيس بوش في أي دولة يزورها في العالم وكيف تقابله شعوبها بالسخط والغضب وبلافتات تطالبه بالتوقف عن المضي في الحروب وحقن الدماء وعدم ممارسة إرهاب القوى.فالدماء العربية والمسلمة تهدر في كل مكان بمباركة أمريكية، فإن كانت تلك الدماء رخيصة لدى أمريكا واسرائيل فهي غالبة وغالية كثيراً لدينا.. وإن كانت أمريكا وإسرائيل تعدان ذلك نصرا، فليعتبر ان ما قام به هتلر والنازية نصرا إذا... ترتكب في حق الأبرياء والمدنيين العرب والمسلمين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي، والعالم لايحرك ساكنا.هل أصبحنا لا نستطيع ان نجاهر بغضبنا ولا نستطيع ان نترجم إحباطنا وغضبنا إلى فعل؟ ألا نستطيع أن ننفذ عقوبات نحن أيضا، أم نحن فقط من يخضع للعقوبات..؟! إننا نستطيع وشعوبنا جميعها تستطيع فعل الكثير، بطريقة سلمية وعقلانية وحضارية أيضا.. فنحن لسنا أكثر من مصالح لدى الغرب، علينا أن نفعل مقاطعة اقتصادية ولجميع السلع والمنتجات لمن يهينون كرامتنا ويتجاهلون حقوقنا وينفذون مخططاتهم الصهيونية للنيل منا ويمكننا استبدال تلك السلع والمنتجات واستيرادها من دول أخرى أكثر منفعة لنا في المستقبل وأكثر انصافا وأقل كراهية مثل الصين على سبيل المثال، وهي قوى عظمى قادمة علينا أن نكسبها ومبكراً حتى لا ندرك ما علينا فعله دائما متأخراً، ويمكننا الاستيراد من المانيا ومن فرنسا ومن اليابان ومن بلجيكا ومن أي بلد... إلا البلد الذي يوجه لنا الصفعات الواحدة تلو الأخرى.. فنحن لن نقدم خدنا الأيسر ليتلقى المزيد من الصفعات... على أمريكا ان تعلم بأنها تغامر كثيراً بعدائها المفاجئ لنا وغير المبرر ونحن نمثل أكبر الأسواق لمنتجاتها، فبالأمس كانت الأمة العربية والإسلامية تضم أكبر الاصدقاء والحلفاء لأمريكا، واليوم أصبحت الأمة العربية والإسلامية متهمة بأنها ترعى صناعة الإرهاب وتصدره... لم يرع الإرهاب ويصدره سوى من دربه وسانده وفرضه ومده بالمخابرات... ولم يرع الإرهاب سوى من يرعى ممارسة الظلم والتحيز الأعمى لإسرائيل وسياسة الكيل بمكيالين واعطاء الضوء الأخضر الفاقع لها لتقوم بالمجازر وقتل الأبرياء وهدم المنازل وخرق المجال الجوي للدول، ولم يغذ الإرهاب ويؤجج مشاعر الكراهية والحقد في نفوس البشر في العالم سوى من يهدد الدول والحكومات ويسلب الشعوب أمنها واستقرارها ويقتل ويغزو ويغتصب الأرض ويتعدى على سيادة الدول والشعوب ويطمع في ثرواتها ويسطو على مواردها ويقتل أبناءها قتلا عشوائيا يخلف عشرات الضحايا من الأبرياء والمدنيين كل يوم...ولم يغذ الإرهاب سوى من يتجاهل المنظمات والهيئات الدولية ويقوم بحروب خارجة عن الشرعية الدولية ويستعمل كافة الأسلحة المحرمة دوليا وقنابل عنقودية ويورانيوم مخصباً في ضرب افغانستانوالعراق وداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويتهم دولاً عربية وإسلامية بلا دليل على امتلاكها لأسلحة محرمة دوليا أو الرغبة في امتلاكها وفي تخصيب اليورانيوم بينما اسرائيل تجاهر بامتلاكها السلاح النووي وإمكانية استخدامها له جوا وبرا وبحرا وتعلن اسرائيل على الملأ رغبتها في تصفية الرئيس ياسر عرفات، كما أعلنت سابقا عن تصفيتها لعدد من القياديين والناشطين في منظمة الجهاد وحماس، قبل ان يدرجوا ضمن المنظمات الإرهابية ونفذت المجازر الواحدة تلو الأخرى وشاهد الصليب الأحمر الدولي ذلك ولجنة حقوق الإنسان دون ان يسمي ذلك إرهاباً أو جرائم حرب أو يحمل أي إدانة رسمية من أي من المنظمات والهيئات العالمية المعنية بذلك.لماذا لا تدان تلك الأفعال الإرهابية ولماذا لا تؤخذ أي خطوات ايجابية أو عقابية من الأممالمتحدة ولا مجلس الأمن ولا الاتحاد الأوروبي لانتهاك اسرائيل لأكثر من 60 قراراً صادراً بحقها من مجلس الأمن ولم تلتزم به؟ وكيف تصبح الاغتيالات والتصفية الجسدية وهدم المنازل وتجريف الأراضي أمراً يمكن السكوت عنه من قبل تلك المنظمات؟ إن كافة القوانين والأعراف الدولية تطبق وبمنتهى الحزم والصرامة على العرب والمسلمين بينما لا تطبق على هذا النحو مع غيرهم، كما تعاقب وتدان دول عربية وإسلامية بأثر رجعي... فهل تلك المنظمات والهيئات الدولية وجدت فقط لمعاقبة العرب والمسلمين والنيل منهم وإخضاعهم لأقسى العقوبات؟ متى أنصفت تلك المنظمات والهيئات أي قضية تخص العرب والمسلمين؟ إن أي تمرد أو عنف يقوم في أي دولة عربية أو إسلامية من جماعة غير مسلمة يحظى بكل دعم وتأييد والخطى تكون سريعة والقرارات فورية بينما القرارات الصادرة لصالح العرب والمسلمين وقضاياهم ولنيل حقوقهم تؤجل وتعلق لأجل غير مسمى وليكن ما حدث في اندونيسيا وفي (تيمور الشرقية) تحديدا مثالاً على ذلك بينما قضايانا المصيرية والعادلة تظل معلقة لأكثر من نصف قرن.. والقرارات الموجهة ضد أي دولة عربية أو إسلامية تكون شديدة وحادة اللهجة، ولا تخلو من التهديد والوعيد وفورية التطبيق والتنفيذ، وبأقصى سرعة وبأقصى عقاب، والقضايا المماثلة لمن هم ليسوا عرباً ولا مسلمين تستخدم معهم كل الحلول الدبلوماسية ويحظون بالصبر وطول البال في التعامل معهم وتتاح لهم كل الفرص ويمهلونهم كل الوقت.. ومثال على ذلك تعامل أمريكا ومجلس الأمن والأممالمتحدة مع (كوريا الشمالية) وبرنامجها النووي.. حتى الاتحاد الأوروبي أعلن في قمته الأخيرة المنعقدة في (بروكسل) عن قلقه الكبير للبرنامج النووي لايران، ولم يذكر شيئاً فيما يتعلق بالبرنامج النووي لكوريا الشمالية.. كما سبق وان أدان الاتحاد الأوروبي المقاومة ومنظمات حماس والجهاد واتهمها بالإرهاب، بينما لم يدن أياً من الممارسات الإرهابية لإسرائيل ولا لخرقها الأجواء السورية واللبنانية والتعدي على سيادتهما.. نحن من جعل العالم يستهين بنا.. إن الأمة الإسلامية تملك 70% من موارد وثروات العالم، وتمثل 21% من تعداد سكان العالم، فكيف لا نستطيع استغلال ذلك؟ إن (تقارير التنمية الإنسانية) التي صدرت أخيرا تحت إشراف برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، الذي أعده بعض المفكرين العرب، مثير للرعب، فالناتج القومي للدول العربية مجتمعة أقل من دولة غربية واحدة مثل اسبانيا التي لا تعد من الدول الغربية الغنية، وكل واحد من خمسة من العرب يعيش على أقل من دولارين يوميا، وثلثا النساء في عالمنا العربي أميات، وما يترجم سنويا من كتب يعادل خمس ما تترجمه اليونان، وفي الألف سنة الأخيرة ترجم العرب أقل مما تترجمه اسبانيا في سنة واحدة و5 ،0% فقط من المواطنين يعرفون ماهو الانترنت، وما أنفق على البحث العلمي لايتجاوز 4 ،0% من الناتج القومي العربي، بينما بلغ في اسرائيل 32 ،2% من هذا الناتج. والتقرير مثير للاحباط، فنحن لانتعرض فقط لمهانة سياسية، بل نتردى في مهانة أخرى اقتصادية وثقافية وعلمية، وبالرغم ان التقرير اتهم اسرائيل بأنها المسؤول الأول عن تباطؤ التنمية العربية، لكن لا شك بأن تلك ليست كامل الحقيقة، وبالرغم من ان اسرائيل رقيب حتى على تقدمنا التكنولوجي وتعوقه بشكل مباشر وغير مباشر إلا أننا نرتكب أخطاء فادحة في حق أنفسنا وأول تلك الأخطاء عجزنا عن توحيد أهدافنا وتوحيد صفوفنا في مواجهة الأخطار التي تحيط بنا من كل جانب كما نعجز عن وضع خطط ورؤى استراتيجية موحدة ونعجز عن وضع آلية للتنفيذ من أجل العمل العربي المشترك، والتحرك سويا وفي كل اتجاه للنهوض بأنفسنا سريعاً وبشكل يواكب ايقاع العصر السريع، وجميع القمم التي تعقد عربية كانت أم إسلامية لا ترقى لمستوى متطلبات الاحداث المحيطة بها ولا لمتطلبات الشعوب ولا تخرج بالتوصيات المرجوة لارضاء الرأي العام العربي والإسلامي، مما يؤدي لمزيد من الاحباط والغضب لمن يعولون الكثير على هذه القمم..وكيف لأمة من 57 دولة وأكثر من مليار ومائتي مليون مسلم، تصبح مهمشة وبعيدة عن صناعة القرار السياسي؟لابد ان نصغي لصوت الحكمة والعقل لابد ان نغير من استراتيجيتنا ومن تعاملاتنا مع الغرب ونحول كل الأمور لصالحنا ونسخرها لخدمة قضايانا.إننا نخوض معركة من أجل الكرامة وصراعاً من أجل البقاء، فإن خسرناهما فماذا سيتبقى لنا؟ (*) عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال [email protected] فاكس 6066701 - ص.ب 4584 جدة 21421