إن متعاطي المخدرات يدور في حلقة مفرغة تسيطر عليه بحيث يشعر انه لا يستطيع الخلاص منها فهو يتعاطى المخدر للتخلص من مشكلاته النفسية والجسمية فإذ بهذه المشاكل تتزايد وتتفاقم وإذ بحياته تختل وتضطرب فيتناول مزيدا من المخدرات للخلاص من هذه المشكلات المتفاقمة فتزايد هذه المصائب مرة أخرى وهكذا، إنه يسجن نفسه ويقيد حريته بإرادته وكان يجب عليه أن يبتعد عن هذه السموم من البداية ولا يقترب منها حتى يكون أكثر حرية وأكثر إنسانية في حياته وفي مجتمعه، من أجل صالح الإنسان وهذه الحياة وهذا المجتمع لا بد ان نعرف لماذا يلجأ بعض الأفراد إليها ..؟ وذلك حتى تكون على بينة من خلال العلم بهذه الأنواع وهذه التأثيرات وبهذه الأساليب العلاجية يلجأ بعض الأفراد إلى تعاطي المخدرات لأمور عديدة أغلبها راجع إلى الوهم والجهل وسوء الفهم والأسباب كثيرة جدا وتختلف من شخص لآخر ولكن هناك أسباباً غالباً ما تكون هي بالدرجة الأولى وراء تعاطي المخدرات، والخلاصة أن تعاطي المخدرات مشكلة مركبة لا يمكن ان تعتمد في تفسير حدوثها على عامل واحد ونهمل العوامل الأخرى فهذه المشكلة الخطيرة هي محصلة لتفاعل مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية والتربوية والإعلامية والأخلاقية وكل عامل من هذه العوامل يلعب دوراً في حدوث سلوك التعاطي ولعلنا نورد أهم هذه الأسباب، وأهمها في نظري القاصر هما المحوران وهما الجامع المشترك بين الشباب. 1 انخفاض الوازع الديني لدى الفرد وعدم قيام الأسرة أو المدرسة أو المجتمع بإبراز الأوامر والنواهي الدينية المتعلقة بالمخدرات على نحو كافٍ ومناسب، إن ضعف الوازع الديني والبعد عن رقابة الله عز وجل وعدم اتباع أوامره ونواهيه مدعاة إلى السقوط في أسباب الشر والهلاك «المخدرات» أما إذا كان الإنسان على معرفة بالله وصلة به على طاعته فان الله عز وجل سيعصمه ولذا فان رجال الدين وأهل الخير والصلاح هم أبعد الناس عن هذه الأوحال وهذا مصداق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت يوماً خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف». 2 الثقافة والوعي لدى الشباب ومعرفة أضرار المخدرات عن طريق الأسرة أو المدرسة أو وسائل الإعلام فأنت لا تستطيع بكل ما أوتيت من قوة أن تضع حداً وحاجزاً بين الشباب والمخدرات، ولكن تستطيع ان تضع سوراً حصيناً للشباب عن المخدرات انه حصن العلم والمعرفة، الثقافة التي يحيط بعقل الإنسان ومداركه ولعلنا نستفيد من قصة تحريم الخمر فإن الله قبل أن يحرمها بين مضارها قال الله تعالى: {(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) }. فبين الله عز وجل لهم أنها تخالط العقل وتخامره فلا يعي الإنسان ما يقول ولا يتحكم في تصرفاته ثم نزلت الآيات الأخرى قال تعالى: {(يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)} . فالآيات تدرجت في التحريم والحد من انتشارها وبيان مضارها حتى نزل التحريم القاطع قال تعالى: {(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) }. فقال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين «انتهينا» فما توانت تلك الأيادي الطاهرة عن إراقتها، حتى قيل ان وديان المدينة سالت من تلك الخمور، فيجب ان نبين ونحذر من أضرار المخدرات فإذا كان الشاب غير محصن بالعلم بأضرار المخدرات فلا شك انه سيقع في يوم من الأيام عن طريق صديق أو عن طريق الجهل أو غير ذلك. 3 الظروف الاجتماعية والأسرية غير المناسبة مثل رفقاء السوء وقد اتضح من إحدى الدراسات العربية ان الأصدقاء هم المصدر الرئيسي من وراء تعاطي المخدرات وكذلك نبذ الأبوين للطفل وتهرب الأب من مسؤولياته وانعدام طموحات الأبوين بخصوص مستقبل الطفل وحدوث صراعات مستمرة بينهما أمام الأطفال، أو الهروب من بعض ضغوط الحياة ومشاقها. 4 التعامل السيئ من بعض وسائل الإعلام مع المخدرات، فيجب ان لا يتوسع في طرح الموضوعات التي تحذر من تعاطي المخدرات وعدم التوسع في ذكر مكوناتها الدقيقة، وعدم التعمق في دقائق الأمور والتفصيلات الجزئية فأنت في طريقة تحذيرك قد تكون ترغب فيها وأنت لا تعلم بالإضافة إلى بعض القنوات الفضائية نسأل الله لهم الهداية التي تقوم بعرض الإعلانات التجارية والدعاية لها مثل «التبغ» وبعض المشروعات المسكرة كذلك ظهور بعض الممثلين وبأيديهم السجائر أو تناولهم للكحول أثناء هذه البرامج، كل هذا قد يشوق صغيراً أو يجر سفيهاً لهذه المخدرات نسأل الله العافية إضافة إلى العوامل السابقة هناك عوامل أخرى كثيرة بعضها يتعلق بشخصية بنفس المتعاطي وميله إلى حب التقليد والفضول لدى المراهقين والشباب والتأثر برفاق السوء وعشير الرذيلة مجاملة أو إكراهاً لأن «الرفيق قبل الطريق» و«قل لي من تعاشر أقل لك من أنت» و«أن الطيور على أشكالها تقع» فقد يرى الشاب زميلاً يشعل سيجارة أو يشرب خمراً أو يرى من يتعاطى المخدرات ويتخيل له ان السعادة تغمره من حركات الاستمتاع ومظاهر النشوة العابرة وقد يرى ذلك عبر مسلسلات تلفزيونية مستوردة لا تراعي الحرمات وكرامات الأسر المحافظة شأن الإعلانات التجارية الخليعة التي تستغل جسم المرأة ومفاتنها فيلجأ هذا الشاب إلى التقيد الأعمى فيقع في مصيدة سموم المخدرات ويبدو أمام الآخرين بزعمه رجلاً مكتمل الرجولة. بالإضافة إلى ضعف الإرادة السلبية وعدم القدرة على تحمل التوتر والآلام والأزمات وبعضها الآخر يتعلق بالأزمات الاجتماعية والتربوية التي يتعرض لها الناس وتلعب الظروف النفسية التي يوجد فيها الأفراد كذلك دوراً هاماً في رفع درجة القلق لدى بعضهم فإذا ارتفع هذا القلق في ظل هذه الظروف ربما أدى إلى الانزلاق للتعاطي. أشارت إحدى الدراسات ان طلاب الجامعة يزداد احتمال تعاطيهم للأدوية النفسية الملحقة كالمهدئات والمنبهات مثلا في ظل ظروف معينة مثل الاستعداد للامتحانات ومواجهة مواقف شاقة محبطة ومحاولة التغلب على بعض الآلام والمشكلات الصحية.