نسبه وحياته: هو علي بن الجهم بن بدر ينتهي نسبه الى أسامة بن لؤي بن غالب ولقد أكثرت كتب الأدب والتاريخ من ذكر علي بن الجهم والإشارة إليه غير انها لم تذكر شيئاً عن ولادته ولا السنة التي ولد فيها الا الشيء القليل فأغلب الظن أن ولادته كانت في بغداد عام 188ه ونشأ في صغره يختلف الى الكتاتيب التي تجمع بين البنين والبنات وطلب أبوه حبسه من شيخ الكتاب فحبسه واستنجد علي بأمه وقال: يا أمنا أفديتك من أم أشكو إليك فظاظة الجهم قد سرح الصبيان كلهم وبقيت محصوراً بلا جرم قال وهو أول شعر قلته: وقد نشأ ابن الجهم في جو واسع من المعرفة وقد زادت الثقة به حتى أسندت إليه جلائل الأعمال. وهو مشارك في الأدب ويروي الشعر ويقوله في المواقف الملائمة به وعاش في بغداد وهي تعيش في عصرها الذهبي اللامع وعاصر المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل. وشارك في الحركة الأدبية شاعراً ومتذوقاً وناقداً. وشهد الصراع العنيف في أيام المأمون والمعتصم والواثق بين أهل السنة والجماعة الصراع الفكري وهو القول بخلق القرآن الذي حدث بينهم وبين المعتزلة فوقف من هذا الصراع وقفة الرجل الشجاع الواضح وانحاز الى أهل السنة ودافع عن رأيهم وخاصم أعداءهم واتصل بالإمام أحمد بن حنبل وأخذ عنه. وكان محباً للعلم وأهله ويزدري الجهل وأهله فنراه يقول: إذا لم يشب رأس على الجهل لم يكن على المرء عار ان يشيب ويهرما وكان يحب مجالسة العلماء والأدباء ويقول انها خير من الدنيا وما فيها فنراه يقول: لجلسة مع أديب في مذاكرة أشفي بها الهم أو استجلب الطربا أشهى الي من الدنيا وزخرفها وملئها فضة أو ملئها ذهبا وكان مطلعاً على القرآن الكريم مما جعله يؤثر في شعره فتراه يقتبس منه ويخاطب المتوكل: وانفضت الأعداء من حوله كحمر انفرها قسور وقال يشكر الله على نعمه: فشكراً على نعمة انه إذا شكرت نعمة جددا ولا غرو فابن الجهم واحد من أهل السنة ورجل من رجال الحديث وخصم من خصوم المعتزلة. وكان واضح العقيدة بين المذهب في السياسة وتعرض في سبيله لما يتعرض له أصحاب العقائد فظل وفياً حتى مات، وقد أشاد كثير ممن ترجموا له بانه حسن التدين صحيح العقيدة ومنهم الخطيب البغدادي، وابن كثير في كتابه البداية والنهاية وابن خلكان في كتابه عيون التاريخ وكان معدوداً من المحدثين قال ابن حجر العسقلاني: «وقد وجدت لعلي بن الجهم رواية عن أبي مسهر وعنه عبدالله بن بسيط من فوائد أبي الروق اللهواني». وقد طرق جميع أغراض الشعر من مدح وهجاء وغزل ووصف ورثاء وحكمة وهذه أغراض شعره العامة، ومن شعره في الفخر وهو يفاخر بآبائه العظام. تلك سجايانا قديما وحادثا بها عرف الماضي وعز المؤخر ومن حكمه: ما الجود عن كثرة الأموال والنشب ولا البلاغة في الإكثار والخطب ولا الشجاعة عن جسم ولا جلد والإمارة ارث عن أب فأب لكنها همم أدت الى رفع وكل ذلك طبع غير مكتسب ويقول أيضا: ومن طلب المعروف من غير أهله أطال عناء، أو أطال تندما ومن شكر العرف استحق زيادة كما يستحق الشكر من كان منعما ومن أغراض شعره الخاصة شعره المذهبي، شعر السجن، وارجوزته في التاريخ. قال وهو في السجن وهي موجهة الى المتوكل: قالت حبست فقلت ليس بضائري حبسي وأي مهند لا يغمد والحبس ان لم نغشه لدنية شعناء نعم المنزل المثورد وهي من قصيدته الدالية، وكانت وفاته بانه مضى في قافلة من قوافل المجاهدين قاصداً الشام يريد النفود فلما صارت القافلة الى موضع يقال له «خساف» قريباً من حلب خرجت عليهم خيل من أعراب بني كليب فدافع هو وأصحابه وانهزم الأعراب الا أنهم أعادوا الكرة عليهم صباحاً فبادر إليهم رجال القافلة فأصابت علي بن الجهم طعنة قاتلة فحمله أصحابه قال في المساء وهو يجود بأنفاسه: أزيد في الليل ليل أم سال بالصبح سيل ذكرت أهل دجيل وأين منى دجيل ومات في السحر فلما نزعوا عنه ثيابه بعد موته وجدت معه رقعة كتب فيها: يا رحمتا للغريب النازح ماذا بنفسه صانعا فارق أصحابه فما انتفعوا بالعيش بعده ولا انتفعا ودفن بالقرب من حلب سنة 249ه. هذه عزيزي القارئ ترجمة موجزة وقليل من كثير لشاعر أهل السنة والجماعة رحمه الله رحمة واسعة. سعيد علي العلكمي