عندما ظهرت مسألة خلق القرآن وأصبحت حديث الناس والدولة في الفترة ما بين 218 هجرية إلى 234، اتخذ الصراع بين المعتزلة وأهل الحديث صورة جديدة. فالمعتزلة لم يكونوا فقط في أوج قوتهم في تلك الأيام، أي في عصر المأمون 198-218 ه، ثم المعتصم 218-227 ه، ثم الواثق 227-232 ه، وانما كانوا أيضاً في الواقع كمن يصعد إلى قمة جبل شاهق ليسقط بعد ذلك إلى السفح والحضيض. لقد كانت هذه السنوات 198-232 ه تمثل عصر القوة والسيطرة، عصر الازدهار والسلطة في تاريخ المعتزلة، ولكنها أيضاً كانت بداية النهاية لهذا المذهب. عندما بدأت مسألة خلق القرآن الكريم، وجدنا أن الصراع بين المعتزلة وأهل الحديث - بعد أن كان محصوراً في نطاق الاتهامات المتبادلة بين الفريقين حولَ صحّة أو عدم صحّة بعض الأحاديث، أو حول إمكان رؤية الله بالأبصار يومَ القيامة، أو إذا كان هناك عذاب قبر أم لا، إلى آخر هذه الأمور التي اختلف فيها الفريقان - قد تطوّر واتخذ منحى جديداً، وإذا بالأمور تصل إلى حدّ أن تأمر المعتزلة بقتل كلّ مَن يقول إن القرآن ليس مخلوقاً، سواء كان القائل من أهل الحديث أو من الفقهاء. بدأت مسألة خلق القرآن تأخذ منحاها الدرامي عندما كتب المأمون إلى اسحاق بن ابراهيم، رئيس شرطة بغداد، يأمره بامتحان القضاة والمحدثين والشهود في مسألة خلق القرآن. ومَن يقرأ كتاب المأمون إلى اسحاق بن ابراهيم يلاحظ بسهولة مدى إيمان المأمون بأصول وتعاليم المعتزلة. فهو يستحقر العامة ويهزأ بهم، تماماً كما تفعل المعتزلة، حيث يقول: "... وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة، ممن لا نظر له ولا روية ... في جميع الأقطار والآفاق، أهل جهالة بالله، وعمى عنه، وضلالة عن حقيقة دينه وتوحيده والإيمان به ... لضعف آرائهم، ونقص عقولهم، وجفائهم عن التفكر والتذكر ...". وبعد أن كانت أوامر المأمون في خطابه الأوّل تقضي بامتحان القضاة وأهل الحديث، من دون أن يأمر بعقاب مَن لا يقول بخلق القرآن، وجدناه يطلب من صاحب شرطته في خطاب آخر أن يقتل اثنين ممن رفضوا القول إن القرآن مخلوق، وهما بشر بن الوليد وابراهيم بن المهدي... إذا أصرّا على القول أن القرآن غير مخلوق. وجاء المعتصم بعد المأمون، واتبع سيرة أخيه الذي كتب له في وصيته، يقول: "وأبو عبدالله أحمد بن أبي دؤاد ]المعتزلي[ لا يفارقك. أشركه في المشورة في كل أمرك. فإنه موضع ذلك". فقرّب المعتصم المعتزلة، وسار على سياسة المأمون في نصرتهم، وامتحان الناس في مسألة خلق القرآن. نعم لم يكن المعتصم محباً للعلم والثقافة مثل أخيه المأمون، بيد أن هذا لم يمنعه من مواصلة امتحان الفقهاء والمحدثين في مسألة خلق القرآن. أمّا الشخصية التي يرتبط تاريخ شهرتها في الإسلام بالخليفة المعتصم، فهي شخصية أحمد بن حنبل 164-241 ه الذي أصبح إمام المحدثين في عصره، فارتبط اسمه بأهل الحديث، وأمسى تعبير "أهل الحديث" ولفظ "الحنابلة" شبه متطابقين. وقصة ابن حنبل مع مسألة خلق القرآن تعود إلى عصر الخليفة المأمون الذي كان طلب من صاحب الشرطة في بغداد أن يمتحن الفقهاء والمحدثين في مسألة خلق القرآن. فجمع اسحاق عدداً كبيراً منهم كان من بينهم ابن حنبل، وامتحنهم كما أمره الخليفة. فكان أحمد بن حنبل من ضمن هؤلاء الذين رفضوا القول أن القرآن مخلوق. فلما كتب اسحاق للمأمون بذلك، كان جوابه لاسحاق هو: "أمّا أحمد بن حنبل وما تكتب عنه، فأعلمه أن أمير المؤمنين قد عرف فحوى تلك المقالة وسبيله فيها، واستدلّ على جهله وآفته". حال موت المأمون دون إحضار ابن حنبل إلى مقره ليختبره بنفسه. ولكن المعتصم، الذي سار على نهج أخيه المأمون، أمر بإحضاره واختبره بنفسه، هو والمعتزلي ابن أبي دؤاد وبعض مفكري المعتزلة الآخرين. استمرت المناظرة أربعة أيام، وابن حنبل يصرّ على عدم القول بخلق القرآن. قال الجاحظ: "فعرف الخليفة كذبه عند المسألة، كما عرف عنوده عند الحجة". وقال ابن أبي دؤاد للمعتصم: "يا أمير المؤمنين، إنه ضال مضل مبتدع". فأمر المعتصم بأن يُضربَ بالسياط، فضُرِبَ إلى أن أغمي عليه. ويذكر الدميري أن ابن أبي دؤاد ومحمد بن عبدالملك الزيات قالا للمعتصم: "اقتله ودمه في أعناقنا". ولكن المعتصم لم يقتله، خوفاً من عامة الشعب الذين كانوا يتعاطفون مع ابن حنبل ويعتبرونه بطلاً. جاء الواثق بعد موت المعتصم سنة 227 ه، وكان كما يقول المسعودي: "واسع المعرفة ... وسلك في المذهب مذهبَ أبيه ]المعتصم[، وعمه ]المأمون[ من القول بالعدل ]= أي بالاعتزال[". ويذكر المسعودي بعد ذلك أن الواثق قرّب المعتزليينِ ابن أبي دؤاد وابن الزيات إليه، حيث يقول: "وغلب عليه ]= على الواثق[ أحمد بن أبي دؤاد ومحمد بن عبد الملك الزيّات. فكان لا يصدر إلا عن رأيهما، ولا يعتب عليهما فيما رأياه. وقلّدهما الأمر، وفوّض إليهما ملكه". وبصرف النظر عن أن ابن أبي دؤاد وابن الزيّات كانا عدوين لدودين يكره كلّ منهما الآخر، إلا أن كلاً منهما كان معتزلياً صرفاً مخلصاً لمباديء المعتزلة وأصولها، مظهرا لأهل الحديث العداوة والشدة. لما تولّى الواثق الخلافة، وكان كما ذكرنا مخلصاً للمعتزلة مستحقراً لأصحاب الحديث، قرّر أن يواصل امتحان الفقهاء والمحدثين في مسألة خلق القرآن. ولأسباب لا يمكن للمرء أن يتأكد منها فإنه لم يقتل أحمد بن حنبل، ربّما لخوفه من عامة الشعب، خصوصاً أن أتباعه من جماهير الشعب كانوا يتكاثرون كلّ يوم 124. أو ربّما لأنه كان حذرا من "قواد خرسان، وكان عم أحمد ]بن حنبل[ فيهم"، أو ربما لأنه كان قد بدأ يملّ من هذه المحنة، ويسأم من كثرة الذين قتلوا بسببها. والخليفة الواثق، وإن لم يقدم على قتل ابن حنبل، وقال له: "لا تساكني بأرض"، إلا أنه كان متطرفاً جداً في اختباره عامة الشعب في مسألة خلق القرآن. وكان الواثق قاسياً إلى أبعد الحدود في معاملته لمن لا يقول بخلق القرآن. على أن المعتزلة، كما أوضحنا سابقا، لم تكن تعيش في أوج قوتها أو في عصرها الذهبي فحسب، ولكن أيضاً في بداية نهايتها كمذهب له قوته وأصحابه الذين ينتصرون له. فبانتهاء عصر الواثق سنة 232 ه انتهى في الواقع الهجوم المعتزلي على أهل الحديث، وفقدت المعتزلة أسلحتها التي كانت تضرب بها. وبدأ أصحاب الحديث وأتباعهم، مع بداية حكم المتوكل، ينظمون صفوفهم لينتقموا من أعدائهم المعتزلة. نعم إن الاعتزال لم يختفِ بمجرد تولي المتوكل للخلافة، والصحيح أن القرن الثالث الهجري شهد ظهور بعض عظماء المعتزلة، مثل أبي علي الجبائي المتوفي سنة 330 ه، والخياط المتوفي سنة 300 ه، والبلخي المتوفي سنة 319 ه، ثم جاء القرن الرابع الهجري فشهد ظهور القاضي عبدالجبار المتوفي سنة 415 ه، وفي القرن الخامس جاء الزمخشري المتوفي سنة 538 ه والذي يعتبر آخر عمالقة المعتزلة. كما كان هناك الحاكم الجشمي المتوفي سنة 494 ه أستاذ الزمخشري. وكان هؤلاء الكبار من مفكري المعتزلة الذين جاءوا بعد سنة 232 ه، وهي السنة التي تولى المتوكل فيها مقاليد الحكم، وحتى مجيء آخر عظيم منهم وهو الزمخشري المتوفي سنة 538 ه، كانوا جميعاً يعيشون في مرحلة الدفاع: الدفاع عن المعتزلة ودورهم في محاربة الجهل والتخاريف التي كانت متفشية في عامة الشعب. وأطلق المستشرق وات على الفترة ما بين تولي المتوكل الخلافة وحتى موت أبي هاشم المعتزلي 321 ه اسم العصر الفضي للمعتزلة، اذ فقدت المعتزلة مساندة السلطة، وانصرف مفكروها يشرحون مذهبهم ويدافعون عن آرائهم ويوضحون عقيدتهم. ردّ الصاع صاعين لعل أوّل ما يجب ملاحظته في هذا السياق هو أن أحد الأمور التي أقدم عليها المعتزلة، وأثارت سخط العامة وأصحاب الحديث منهم، كان نقدهم للصحابة. فنحن نعلم أن واصل بن عطاء لا يجوّز قبول شهادة عليّ بن أبي طالب، وعمرو بن عبيد يسبّ أبا هريرة، والنظّام ينتقد أبا بكر وعمر بن الخطّاب، وعثمان بن عفّان. كان نقد المعتزلة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورقة رابحة استغلها قادة وأئمة أهل الحديث لتقليب العامة على المعتزلة. وقد سار هجوم الحنابلة وأهل الحديث على المعتزلة والمتكلمين في طريقين متوازيين: الطريق الأوّل هو أن الحنابلة وأصحاب الحديث قد قالوا بتكفير المعتزلة وأصحاب الكلام، تماماً كما كفّرت المعتزلة من قبل الحنابلة وأصحاب الحديث. والطريق الثاني هو أن أصول ومباديء الحنابلة في معظمها ما هي إلا ردّ فعل لأصول ومباديء المعتزلة أو بالأصحّ هي نقيض فلسفة الاعتزال. لقد أراد الحنابلة أن يعبروا عن سخطهم على المعتزلة، وغضبهم الشديد منهم، فتطرفوا في ذلك تطرفاً شديداً. فكلّ ما ذهبت إليه المعتزلة كفرٌ وإلحادٌ، وكل ما خالف أصول المعتزلة ومبادئهم هو الإسلام في صورته الصحيحة وهيئته النقية! وقبل أن نفصّل القولَ في هجوم الحنابلة على المعتزلة، علينا أن نذكر في هذا السياق ملاحظتين مهمتين: الأولى هي أن علم الكلام الذي وضعت المعتزلة أسسه لم يوفّر للكثير ممن اشتغلوا به السعادة المنشودة، ولا الإيمان المطلوب. ويبدو أن الاشتغال بالكلام والفلسفة أدى إلى إماتة القلب وإضعاف إيمان المرء بربه. ولعلّ أفضل ما يوضّح لنا هذا الرأي ما ذكرته كتب التاريخ عن الجويني 419-478 ه، أستاذ الغزالي المعروف، أنه قال: "يا أصحابنا، لا تشتغلوا بالكلام. فلو عرفتُ أن الكلام يبلغ بي ما بلغ، ما اشتغلتُ به. وقال عند موته: لقد خضت البحرَ الخضمَ، وخليتُ أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه. والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته، فالويل لابن الجويني. وها أنا ذا أموتُ على عقيدة أمي. أو قال: على عقيدة عجائز أهل نيسابور". أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بسلوك الفرق والمدارس المختلفة في الإسلام تجاه بعضها البعض. فنحن نلاحظ أن هناك ميلاً غريباً لدى معظم الفرق والمدارس المتباينة في الإسلام إلى تكفير بعضها بعضاً. فالخوارج قد كفّروا مرتكب الكبيرة، ثم كان من المفارقات الغريبة حقاً أنّ الحجّاج بن يوسف المتوفي سنة 95 ه في حروبه مع الخوارج كان لا يُفرج عن أسرى الخوارج، قبل أن يعلنوا أنهم أنفسهم كفرة! ثم ظهر المعتزلة، فوجدناهم أيضاً يكفرون مخالفيهم وكلّ من ذهب مذهباً غير مذهبهم. فلا عجبَ إذن أن يهب الحنابلة وأهل الحديث للدفاع عن أنفسهم، بل وشنّ الهجمات على مَن كفّرهم… وهم المعتزلة. فإذا كانت المعتزلة تقول إن الحنابلة كفرة، فعلى الحنابلة أن يكفروا المعتزلة، ويردوا الصاع صاعين. وجد الحنابلة في خلافة المتوكل فرصة ذهبية للثأر من المعتزلة الذين أذاقوهم ويلات العذاب في أيام المأمون والمعتصم والواثق. فأعلنوا إن كلّ مَن يقول إن القرآن مخلوق، فهو كافر. وكان على الحنابلة في هجومهم على المعتزلة والمتكلمين أن يستشهدوا بأقوال الفقهاء والعلماء الذين ذمّوا الكلام، وأنكروا الاشتغال به. فذكروا أنّ أبا حنيفة 80-150 ه قد قال في ذمّ الكلام: "كنت رجلاً أعطيت جدلاً في الكلام. فمضى دهرٌ، فيه أتردّد، وبه أخاصم، وعنه أناضل. وكان أصحاب الخصومات والجدل أكثرها بالبصرة. فدخلتُ البصرة نيفاً وعشرين مرةً، منها ما أقيم سنة وأقلّ وأكثر. وكنت قد نازعتُ طبقات الخوارج من الأباضية والصفرية وغيرهم ... وكنت أعدّ الكلام أفضلَ العلوم. ثمّ علمت أنه لو كان فيه خيرٌ، لتعاطاه السلف الصالح. فهجرته". وذهب أبو حنيفة إلى القول إن الصلاة لا تجوز خلف المتكلمين. وجاء أبو يوسف 113-182 ه بعد أبي حنيفة، وكان من أقرب تلامذته إليه، فقال لبشر المريسي الفقيه الحنفي المتكلم المرجيء: "العلم بالكلام هو الجهل، والجهل بالكلام هو العلم". وحكي عنه أيضا أنه قال: "مَن طلب العلمَ بالكلام، تزندق. ومَن طلب المال بالكيمياء، أفلس. ومَن طلب غريب الحديث، فقد كذب". قال الغزالي في "إحياء علوم الدين": "إلى التحريم ]= تحريم الاشتغال بعلم الكلام[ ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان وجميع أهل الحديث من السلف". أما مالك بن أنس المتوفي سنة 179 ه، فقد حكي عنه أنه قال: "لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء. فقال بعض أصحابه في تأويل ذلك: إنه أراد بأهل الأهواء أهلَ الكلام على أي مذهب كانوا". والإمام الشافعي 150-204 ه، الذي كان على صلة بأحمد بن حنبل، نقل الدميري عنه في "حياة الحيوان الكبرى" قوله: "لو يعلم الناسُ ما في علم الكلام من الأهواء، لفروا منه فرارهم من الأسد" 169. أمّا ابن حنبل نفسه - وهو الذي ذاق ويلات العذاب على يد المعتزلة الذين كفّروه واستهزأوا به واتهموه بالكذب والكفر - فقد قال: "علماء الكلام زنادقة". ونقل الغزالي عنه قوله: "لا يفلح صاحب الكلام أبداً". وجاء في "تاريخ بغداد": "سأل أحدهم أحمد بن حنبل عمّن يقول القرآن مخلوق، فقال: كافر. قال: فابن أبي دؤاد ]المعتزلي[ ...؟ قال: كافر بالله العظيم ...". وحكى الغزالي في "المنقذ من الضلال" أن أحمد بن حنبل أنكر "على الحارث المحاسبي رحمهما الله تصنيفه في الردّ على المعتزلة. فقال الحارث: الردّ على البدعة فرض. فقال أحمد: نعم. ولكن حكيتَ شبهتهم أولاً، ثم أجبتَ عنها. فلم تأمن أن يطالع الشبهة مَن يعلق ذلك بفهمه، ولا يلتفت إلى الجواب، أو ينظر في الجواب، ولا يفهم كنهه". إذا انتقلنا إلى الشطر الثاني من هجوم الحنابلة على المعتزلة، فسنلاحظ - كما ذكرنا سالفاً - أنّ معظم معتقدات الحنابلة وأفكارهم ما هي إلا ردّ على مباديء وأصول المعتزلة. وكما أشرنا سابقاً فإنّ مَن يتأمل كيف تبلورت معتقدات الحنابلة لا يمكنه أن ينكر الانطباع بأن الحنابلة الذين قاسوا وتعذبوا كثيراً على أيدي المعتزلة أرادوا أن يعبروا عن سخطهم وغضبهم على المعتزلة، وعلى كل ما هو معتزلي. لقد أصيبوا بما يشبه العقدة النفسية تجاه المعتزلة، فأصبح كلّ شيء معتزلي، أو فيه رائحة الاعتزال مكروهاً غير محبّب إلى نفوسهم، وكل شيء خالف المعتزلة وأصولهم هو العقيدة الصحيحة والإسلام الحقّ. ولنذكر هنا بعض الأمثلة على ذلك، قبل أن ننتقل إلى النقطة التالية في بحثنا. أولاً: ذمّت المعتزلة التقليد، فقالت الحنابلة بوجوبه. ثانياً: قال المعتزلي أبو الهذيل العلاف بفناء الجنة والنار، فقالت الحنابلة بعدم فنائهما. ثالثاً: انتقد ابراهيم النظّام المعتزلي الخلفاء الراشدين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فردّت الحنابلة بعدم وجوب ذكر عيوب الخلفاء الراشدين أو صحابة الرسول. رابعاً: نفت المعتزلة الشفاعة، فقالت الحنابلة إنها حقّ. خامساً: قالت المعتزلة بعدم إمكان عذاب القبر الجسمي، فأقرّت الحنابلة بصحّته. سادساً: قالت المعتزلة إن القرآن مخلوق، فردّت الحنابلة أنه غير مخلوق. سابعاً: قالت المعتزلة إن الله لا يريد الشرّ والمعاصي من العباد، فكان ردّ الحنابلة إن الشرّ والخير جميعاً من عند الله. ثامناً: نفت المعتزلة رؤية الله بالأبصار يوم القيامة، فقالت الحنابلة إن المسلمين سيرون الله في الجنة يوم القيامة. تاسعاً: قالت المعتزلة إن الله "ليس كمثله شيء" الشورى: 11، فردّت الحنابلة بأن: "الشيء الذي لا كالأشياء، قد عرف أهل العقل أنه لا شيء". وفي ختام حديثنا عن الصراع بين المعتزلة والحنابلة، ينبغي أن نذكر أن موقف الحنابلة من المعتزلة قد يكون تعبيراً عن رفض إدخال الفلسفة في الدين، والميل إلى تبسيطه خصوصاً أنّ العامة لا يمكنها - كما قلنا سابقاً - أن تعلو وتسمو إلى مستوى الفلاسفة والمتكلمين. ويمكننا بصفة عامة أن نقول إن معظم عقائد الحنابلة ما هي إلا تعبير عن سخطهم وغضبهم من المعتزلة لما ذاقوه على أيديهم من سوء العذاب في أيام المأمون والمعتصم والواثق. * باحث مصري مقيم في زوريخ