إن القلب ليتقطع.. وإن الدمع لينهمر.. وإن البسمة لغائبة.. والفرحة لبعيدة.. وحق لنا ذلك وأكثر، فقد رحل عن دنيانا النور الذي أضاء حياتنا، والشمعة التي بددت ظلمات دروبنا، والسند الذي عشنا آمنين مطمئنين بجواره.. غاب عن عالمنا الأب الحنون والجد النصوح والمعلم المخلص والملاذ الآمن.... جدي.. لن أنساك... لن تبرح صورتك مخيلتي، لن تقوى الأيام أن تباعد بين روحي وروحك.. نعم آمنا بالقدر خيره وشره، ولكن ذكراك محفورة، تثير شجونها وتحرك لواعجها تلك النغمات المميزة لنشرة الأخبار، فما كان أحرصك على سماعها، وأنصتك لفقراتها، وأوعاك لدلالاتها... سأذكرك جدي كلما ذكرتك توبخني بكل حب وتقسو علي بكل عطف حين تستشعر موقفاً مني حول بعض العادات والتقاليد التي كنت تراها جزءاً منك، تريد ان تغرسها فينا وتنميها في عروقنا باعتبارها مقومات شخصيتنا الوطنية التي عشت حريصاً عليها. سأذكرك جدي كلما دخلت مكتبتك وتذكرت مدى حرصك على كل مقتنياتها صغيرها وكبيرها، قديمها وجديدها وحرصك على تزويدي منها بما يناسبني وينمي معرفتي ويصقل شخصيتي. رحمك الله يا جدي رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته. وإن كان هناك ما يهون المصاب وما يخفف الألم فهو الأمل بالله ان يكون قبرك روضة من رياض الجنة وقد عاينت موضعك منها فرقدت آمنا مطمئناً، فالوداع الوداع.. أسأل الله ان يجمعني بك في مستقر رحمته، فهذا نعم العزاء...