انتهت الاجتماعات وبقيت التداعيات لعل هذا الوصف هو ما ينطبق بدقه على اجتماعات وزراء الخارجية العرب التي اختتمت اعمالها مؤخرا في حين بقي منها قراراتها وما احدثته من تأثيرات وتداعيات.. والقرار الاهم الذي نال مساحة واسعه من الجدل وأحدث ردود افعال وتداعيات كثيرة هو قرار وزراء الخارجية العرب الاتفاقي حول شغل مجلس الحكم الانتقالي لمقعد العراق بالجامعة والجلوس تحت علم العراق بصفه مؤقتة. وفيما يرى المراقبون ان مجلس وزراء الخارجية العرب نجح في تخطي ازمة تمثيل مجلس الحكم بالجامعة - شكليا -الا ان ما بقي هو- الجوهر- والذي يحمل معه العديد من علامات الاستفهام والتساؤلات: فما هو تأثير تمثيل مجلس الحكم بالجامعة على الوضع في العراق والمسألة الطائفية وعلى عروبة العراق وسلامة اراضيه؟ وهل كان القرار مجرد استجابة للضغوط الأمريكية بقبول المجلس كأمر واقع؟ وهل تستطيع الجامعة وضع آلية للمراقبة في ظل عدم وجود سقف زمني لمطالبها المتمثلة في اقرار دستور عراقي واقامة حكومة منتخبه؟ وهل يحوز المجلس ثقة الشارع العراقي والعربي؟ حول هذه التساؤلات التقت الجزيرة نخبة من المحللين السياسيين وخبراء الاستراتيجية. احتضان للعراق ويقول السفير علي حجازي مساعد وزير الخارجية الاسبق وعضو مجلس ادارة مركز الدراسات الاسيوية بجامعة القاهرة ان القرار خطوة على الطريق الصحيح وان تباين الاراء من قبل حول تمثيل مجلس الحكم الانتقالي للعراق في الجامعة العربية كان بسبب عدم وضوح الوضع القانوني للاحتلال في العراق ولكن المصلحة العربية العليا تغلبت في النهاية واقرت بضرورة ان يكون للعراق دور مشارك في اعمال جامعة الدول العربية كخطوة مؤقته لحين انجلاء الموقف في العراق حيث كانت هناك اراء تدعو الى الانتظار حتى يتضح موقف مجلس الامن من مشروع القرار الامريكي بأن يكون للامم المتحدة ومجلس الامن دور فاعل على ارض العراق وليس تابعا للاحتلال كما كانت تطلب امريكا عندما عرضت مشروع القرار. واضاف: الواقع يقول ان فرنسا والمانيا وروسيا كانوا ولا يزالون يطالبون بدور ايجابي للامم المتحدة في العراق لانه دولة مستقلة ذات سيادة وعضو كامل في الاممالمتحدة وعضو كامل في الجامعة العربية وعضو عامل في منظمة المؤتمر الاسلامي وفاعل في كل المنظمات ولكنه يغيب عن الساحة الدولية بسبب ظروف الاحتلال الطارئ الذي حدث من وراء ظهر الشرعية الدولية ولذلك فقرار مجلس وزراء الخارجية العرب جاء استجابة لوضع ومكانة العراق وشعبه بين الدول العربية بدلا من تركه لتيارات الانعزالية التي يخطط لها الاحتلال والتى تنعكس في محاولات بذر الفتنة بين الطوائف وفي تمثيل هذه الطوائف في الحكومة الانتقالية ومجلس الحكم وهو امر جديد على دولة العراق بغض النظر عن المسالب القديمة لنظام صدام حسين. واكد السفير حجازي ان خطوة القرار بتمثيل مجلس الحكم للعراق حتى ولو كان تحت الاحتلال خطوة في الاتجاه الصحيح تشعر الشعب العراقي بأن العالم العربي شعبا وحكومات ما زال يحتضن العراق ويبذل قصارى جهده لتخليصه من الاحتلال واستعادة سيادته وقال ان الايام القليلة القادمة سوف تشهد دوراً فاعلاً للامانة العامة للجامعة العربية على النحو الذي فسره عمرو موسى في ختام اجتماعات وزراء الخارجية عند ما قال ان الجامعة ستقوم باتصالات مباشرة مع كل الطوائف العراقية والحكومة المؤقتة ومجلس الحكم الانتقالي وحتى سلطات الاحتلال والادارة الامريكية وكل الاطراف الاخرى من اجل العمل على الاسراع بانهاء الاحتلال وتشكيل حكومة عراقية منتخبة واستعادة سيادة العراق على اراضيه. وحول تأثير القرار على الداخل العراقي والمقاومة قال السفير حجازي ان هذه المقاومة تلقى عظيم التقدير من الرأي العام في كل مكان بوصفها مقاومة مشروعة وهي ستستمر حتى النهاية ولن يوقفها شيء سوى نهاية الاحتلال وهذا هو هدفها الرئيسي ولا اعتقد ان هذا القرار او غيره من القرارات سيؤثر على استمرار هذه المقاومة او قوتها بل انها ستستمر كما هي وقد تزداد لانها لا تخضع لاي سلطة او ادارة داخل العراق وهي مرتبطة بوجود الاحتلال ولن تزول الا بزواله. في اتجاه آخر يؤكد الدكتور مصطفى علوي استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن تمثيل مجلس الحكم العراقي في الجامعة ولو بصفه مؤقتة يعني ببساطة قبول ما يمليه الاحتلال فهذا المجلس الذي شكله وعينه ووافق عليه الاحتلال ووضعه في الصدارة ليمارس هو - اي الاحتلال - مخططاته لذا فهو مرآة عاكسه او صدى لما تريده ادارة الاحتلال وليس مستغربا ان نسمع من شيبار زيباري في كلمته التي القاها في الاجتماع نفس ما سبق ان سمعناه من قائد قوات الاحتلال بول بريمر خاصة حديثه عن العراق الجديد المختلف عن العراق في ظل صدام حسين وهذا العراق الجديد يرفض الواقع الرفض والاقصاء وينشر الديمقراطية وهذا بعيد كل البعد عن الواقع فكيف تتحقق الديمقراطية وتحت واقع الاحتلال فأبسط الحقوق الانسانية تهدد في العراق ويعاني العراقيون اقسى المعاناة من الجوع والمرض والفقر وعلى ذلك فان هذا القرار جاء استجابة للضغوط الامريكية وان كانت استجابة غير مباشرة فالجامعة العربية وجدت نفسها في مأزق الاعتراف او عدم الاعتراف ورغم انها كانت قد اعلنت عدم اعترافها من قبل الا انها وجدت ان هناك دولا اعترفت بمجلس الحكم ودولاً اخرى تعمل من اجل الاعتراف به كما ان التصريحات الامريكية كلها تؤكد على ضرورة التعامل معه لذا وجدت نفسها في نهاية الامر انها ستقف وحيدة معزولة وقد اعترفت لكن بشروط وهذا الموقف لارضاء الشارع العربي الرافض اصلا لهذا المجلس. اما عن تأثير ذلك على الداخل العراقي فان هذا يصب في زيادة تأجيج الخلافات الداخلية بين العراقيين فهناك المعارضة القوية لهذا المجلس اضافة لعمليات المقاومة العراقية المتصاعدة والمستمره ضد قوات الاحتلال واعتبار ان المجلس يمثل الاحتلال وعندما يتحدث هذا المجلس باسم العراق وباسم كافه الطوائف بما فيها المعارضة فهذا من شأنه ان يؤدي لتفاقم الاوضاع اضافة الى تفاقمها الحادث الان فنجد هناك الحساسيات القائمة بين الشيعة والسنة والشيعة بعضهم بعضا على اثر مقتل آية الله باقر الحكيم فما بالنا بمجلس يتحدث بلسان العراقيين جميعهم وهو مجلس غير شرعي؟ خطوة صحيحة على الجانب الاخر رحب الدكتور بهجت قرني استاذ العلوم السياسية بالجامعة الامريكيةبالقاهرة بالقرار قائلا انه قرار اقرب الى الواقع طالما بقيت قوات الاحتلال في العراق بشرط ان تكون هذه الخطوة متزامنة مع عمل جدي باتجاه تقوية المؤسسات العراقية المؤقتة ومساعدة العراقيين بمختلف اطيافهم السياسية على تبني برنامج زمني واضح لتحويلها الى مؤسسات دائمة مؤكدا ان القرار يمثل تأكيدا من جانب الدول العربية والجامعة على اهمية الدور الذي يمكن ان يقوم به مجلس الحكم في المرحلة الانتقالية التي يمر بها العراق لما فيه مصلحة العراقيين والعمل على استقرار الاوضاع والحفاظ على الامن وتأمين الحياة المعيشية للمواطنين والبدء في عمليات اعادة الاعمار وكذلك الاسراع بتشكيل حكومة عراقية منتخبة وعودة السيادة العراقية وانهاء الاحتلال. واشار د. بهجت الى ان تمثيل مجلس الحكم العراقي في الجامعة سيمكن العرب مستقبلا من التأثير على مستقبل العراق وعدم تركه وحيدا للاطماع الاجنبية ولمحاولات اثارة النزاعات الطائفية وكذلك محاولات التدخل الخارجي لاستقطاب العراق بعيدا عن هويته العربية وعلى رأسها المحاولات الاسرائيلية ولذلك فالقرار انطلق من مراعاة وزراء الخارجية العرب للمصلحة العليا للعراق وللمجتمع العربي عموما وليس من منطلق ضغوط خارجية سواء كانت امريكية او اوروبية واذا كانت الولاياتالمتحدة في حاجة ماسة الان لاعتراف عربي بمجلس الحكم العراقي وكذلك حاجة مجلس الحكم لشغل مقعد العراق في الجامعة العربية الان فلا بد من استغلال ذلك للصالح العربي بعيدا عن المخاوف ونظرات المؤامرة فبقاء العراق بعيدا عن اسرته العربية في هذه الفترة الحرجة وثبات الموقف العربي على رفض الاعتراف بمجلس الحكم ربما خلق فجوة في العلاقات بينه وبين الدول العربية فيما بعد وربما فتحت له الولاياتالمتحدة ابواب منظمات دولية اخرى. وقال ان المخاوف من ان يعطي هذا القرار شرعية لمجلس الحكم وللاحتلال الامريكي للعراق لامبرر لها فقد راعى القرار ان يكون التمثيل مؤقتا لحين انتخاب حكومة شرعية في العراق يكون لها التمثيل الدائم ووضع يد الجامعة العربية في الرقابة على تنفيذ ذلك واعتقد ان الجامعة العربية يمكنها ان تجعل لنفسها دورا اكثر فاعلية في العراق من خلال مجلس الحكم الانتقالي وتمثيل المجلس في الجامعة هو خطوة عربية صحيحة في اتجاه استعادة العراق لسيادته ولا بد ان نفرق بين تأييد مجلس الحكم كخطوة نحو السيادة والاعتراف الكامل به كسلطة شرعية وهذا ما لم يحدث. واشاد د. بهجت الى ان القرار لن يؤثر بأي شكل من الاشكال على المقاومة العراقية فالمقاومة لم تكن موجهة ضد مجلس الحكم الانتقالي ولكن ضد الاحتلال وما دام الاحتلال مستمرا فسوف تستمر المقاومة ولن تهدأ المقاومة حتى ينتهي الاحتلال ويختار الشعب العراقي حكومته الجديدة بالانتخاب وتعود اليه السيادة الكاملة على اراضيه. ويرى السفير عبد الرؤوف الريدي سفير مصر الاسبق لدى الولاياتالمتحدةالامريكية ان مجلس الحكم الانتقالي منذ انشائه وحتى الان لم يستطع ان يمنع العمليات التي تحدث داخل العراق وخاصة العمليات المشبوهة التي تحدث للشيعة والسنة والفوضى الحادثة فليس لدى المجلس اى سيطرة داخلية حتى يستطيع ان يفي بوعودة التي قطعها امام الاجتماع الوزاري فقد جاء تمثيله ليشغل مقعد العراق بالجامعة لتتخطى الجامعة العربية ازمة شكيله فقط ولكن في الجوهر هناك تداعيات كثيرة فسيكون لهذا القرار تأثير كبير على وضعية العراق بدول الجوار فهناك دول ستتعامل معه بكثير من التشكيك قبول في الشكل وحذر من الجوهر وهناك بالطبع دول ستتعامل معه وتدعمه ايضا وهذا يؤدي من حيث لا يدري الى خلق ازدواجية في التعامل ومن ثم انشقاقات وخلافات بين الدول ايضا كل ما التزم به مجلس الحكم الانتقالى لا يستطيع تنفيذه وهذا الجدول الزمني الذي تم الاعلان عنه فهذا مرهون بوضعية الاحتلال ووضعية المقاومة العراقية ووضعية الفصائل العراقية الداخلية المعارضة للمجلس كل هذه الوضعيات لها تأثيرها المباشر وغير المباشر على اعاقة عمل مجلس الحكم الانتقالي كي يقوم بعمل ما. اما عن استطاعة الجامعة العربية وضع آلية عراقية ومتابعة اعمال المجلس الانتقالي فليس هناك آلية وفق الجدول الزمني غير المحدد الذي تم وضعه فمن غير المعقول ان يتم كل ذلك في وجود الاحتلال وبالتالي هناك العديد من العقبات التي ستواجه المجلس ومن ثم اطلاع الجامعة العربية على هذه المعوقات والمشاكل لتجد الجامعة نفسها شيئا فشيئا في وضعية المحلل للمشاكل التي تواجه المجلس وهذا يصب في النهاية لخدمة الاحتلال وليس العمل على انهائه.