أي «خطاب» يسير وفق منظومتين تحققان له النجاح والوصول إن هو وازن بينهما» المضمون والمنطلق أولاً، وهذا شأن فكري خاص ليس لنا الحق في مقاضاته كونه نابعاً من المرجعية الثقافية الخاصة وإ كانت قناعاتنا تخالف ذلك و«الآلية والمنهجية في التلقي والطرح» ثانياً، وهذا حق مشاع واجب تحكمه أعراف وتقاليد إعلامية من صدق، وحيادية، وموضوعية. ولعل أبرز ما يهمنا في الوقت الراهن هو «الخطاب العربي» بجميع أنساقه وكيفية انطلاقته وتجرده من المسائل الذاتية والشخصية، ونسبة الإقناع والاقتناع بالأمانة التاريخية المترتبة على ذلك النقل والتصور. ولا أحد يشك بأن الإعلام بجميع صنوفه يستحق ان يكون ممثلاً حقيقياً لكل مجتمع متحضر، فمن خلاله نستطيع التصور والحكم على ذلك المجتمع بعد ان تتجلى لنا ألوانه ورؤاه الثقافية، ولذلك الشيء وجبت المصداقية والموضوعية في الطرح المؤدى ووجب الوضوح مع النفس والذات قبل التفاعل مع الآخر. ولكون «الخطاب العربي» ممثلاً بوسائل الإعلام يعيش فترة ذهبية دامية مليئة بالتيارات والتوجهات الفكرية المتصارعة والمتطاحنة في زمن أضحت الحقيقة فيه «عذراء» كان لزاماً علينا كمتلقين الوقوف أمام ذلك ومحاولة التقييم النزيه حتى نصل إلى الحقيقة ساطعة من دون رتوش. ومن خلال المتابعة لوسائل الإعلام والاستماع لآراء المهتمين يكاد يتحقق الإجماع بأن هناك خللاً منهجياً فاحشاً وصارخاً تعانيه الخطابات الإعلامية العربية، ألا وهو «الانتقائية» بجميع صنوفها وأشكالها، سواء «انتقائية مثالب أو انتقائية مناقب» فللأسف الشديد نرى الكثير من الخطابات التي يتبناها أصحاب الفكر والرأي تمارس «الانتقائية» بصورة مفضوحة مقززة تكاد تصيب «الحقيقة» بمقتل، في عصر أصبحت الحقيقة أولى ضحاياه، حيث يتم تسليط الأضواء على نقطة أو جهة معينة ويتم النفخ في هذه الجزئية وتضخيمها حتى تطغى وتشكل واجهة أساسية، والأمثلة على ذلك كثيرة من حولنا، ولعل أقرب شاهد يتبادر إلينا هو مسألة «النظام العراقي» وبغض النظر عن كوني مؤيداً أو مخالفاً لذلك النظام إلا أننا وبتجردنا من العاطفة وتحلينا بالعقل فإننا نواجه لا محالة تناقضاً داخلياً محرجاً، فعندما نجعل من أنفسنا قضاة عدولاً ينشدون الحق ونضع تحت المجهر بعض الممارسات الخاطئة للنظام العراقي ونصب جام غضبنا عليه ونحمله «وحده» جميع الإخفاقات القومية ونجعل منه لعنة حلت علينا من السماء ودون أن نحاسب أنفسنا أولاً.. ودون إيماءة عابرة على بعض المآخذ والسياسات الاجتهادية المخالفة من أقطار عربية أخرى.. فإننا بذلك نمارس أبشع أنواع الانتقائية المتصادمة مع العقل والعدل والقيمة الحقيقية للوجود. وليت الحال اقتصر على ذلك بل نراهم يمارسون أي أصحاب الفكر والرأي الخطأ مع الخطأ،. فبالإضافة إلى «الانتقائية في الاختيار» نجدهم يعمدون إلى «التعميم دون استقصاء وتحري» في استدراج مريع للحقيقة إلى الهاوية، وكأنه غاب عن أذهانهم بأن «المتابع العادي» أصبح مالكاً لآليات الفحص والتدقيق والفرز، فما بالك بالمختص. فالأهواء والحسابات الشخصية والاستسلام للضغوط الخارجية والطبيعة «التحاربية» إن صح التعبير للمثقفين العرب والمؤسسات المعنية عموماً ساعدت على هذا الخلل وأسهمت بشكل كبير في الاندفاع الخطر لإثبات صحة أو خطأ معتقد ما بغض النظر عن مصداقية وواقعية النقد، وسعت إلى إطلاق الأحكام وتعميمها على التوجهات الأخرى بناء على تصورات أولية أو جزئية أو مرحلية، دون جزم بأن النسق العام لذلك الفكر أو التوجه ثقافياً أو سياسياً قد تطور وتجدد أم لا يزال على حاله. أنا ليست بصدد محاكمة نظام العراق أو الدفاع عنه فلست معنياً بذلك وليس لي الحق أصلا فهو مجرد مثال حي فقط، وإنما بصدد مناقشة منهج تفكير ومسألة عقيدة عقلية وتحليلية للأحداث كوني أحد أفراد المجتمع الذي تتقاذفه الكثير من الخطابات والتوجهات الفكرية، فأياً كانت منطلقات ذلك الخطاب حزبية، وطنية، قطرية، إقليمية، قومية، دينية فالواجب ممارسة الموضوعية والحيادية والحساب العادل، وإن كان لا بد من «الإسقاطات الانتقائية» فليكن ذلك موزعاً على الجميع بالتساوي، لتتحقق المصداقية والأمانة مع الذات أولاً، وتلك هي البداية إلى «نوع» من التصحيح..